23 ديسمبر، 2024 6:54 ص

عاشوراء.. من ثورة من اجل القيم الى كرنفال من اجل القيمة!

عاشوراء.. من ثورة من اجل القيم الى كرنفال من اجل القيمة!

تكمن أهمية الثورات في ما تحدثه من تغييرات جذرية في المجتمعات وتحولات في منظومة القيم الاخلاقية والانسانية للامم بما ينعكس على الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في حياة الشعوب كما حدث مع الثورة الفرنسية التي اعادت هيكلة النظم الاجتماعية للمجتمع الفرنسي بما تركت اثارا على كل القارة الاوروبية التي كانت غارقة في انقسامات ونزاعات عرقية ودينية كما هو عليه الحال العراق الان وكذلك الثورة البلشفية في روسيا والتي اتت بالماركسية والشيوعية اللينية واحدث تحولات جوهرية في المجتمع الروسي لعبت دورا اساسيا في خلق خرائط جديدة للعالم نعاني من بعضها ليومنا هذا.
ولكي لا ابتعد عن الموضوع فانك لو سالت اي شيعي الان عن يوم عاشوراء وما يمثله له لادلى بدلوه, ولتحول ابسط انسان الى واعظ, واذا سالته عن اثار الثورة الحسينية على حياته او حياة الناس والامة لاطرق طويلا قبل ان يرد! وبماذا يردّ؟
ولكي نتجنب الاطالة نختصر الاقوال التي قد تسمعها ممن يدّعي تاثره بالثورة الحسينية :
الحسين هو ثورة على:
• الظلم
• الفساد
• وراثة الحكم
• على الدكتاتورية
• على الفقر والجوع
• العبث بمقدرات الامة وكانها ملك عضوض ومال موروث
كما ستسمع ان الحسين قاد ثورة من أجل
• الاصلاح
• احقاق الحق
• اقامة العدل الخ..
دعونا ناتي لنستقصي أي من هذه النقاط تحقق في مجتمعنا حتى ندّعي اننا نعيش ذكرى ثورة الامام الحسين(ع).
لو سالت فرنسيا من باريس عن اثار الثورة الفرنسية على حياته وحياة مجتمعه لقال لك ما ننعم به من حريات وقوانين وتطبيق للعدالة على جميع الافراد بنفس القوة بغض النظر عن المنصب الذي يشغله في الدولة, كل هذا من اثار الثورة الفرنسية, ولو سالت روسيا ايام الاتحاد السوفيتي لقال لك ان ضمان فرصة العمل المتكافئة والسكن والعلاج ولقمة العيش الكريمة والامن كله من اثار الثورة الشيوعية.
لكن اين هي اثار الثورة الحسينية في حياتنا؟
الحسين وتحقيق العدل:
 اين هو العدل الذي اراده الحسين حين يتحصن سياسيوا العراق الجدد في المنطقة الخضراء وينعمون بالامن والخدمات وتوفر الكهرباء والشوارع النظيفة المضاءة ليل نهار في حين تمر ساعات اليوم ثقيلة على كاهل المواطن البسيط الذي عليه ان يصارع كل شي من اجل ابسط شي! اين العدل فلا خدمات ولا امن ولا شوارع ولا فرص عمل متكافئة.
اليس من الظلم ان يتقاضى النائب البرلماني والذي هو ممثلا للشعب مرتبا فلكيا يصل الى اكثر من 26 مليون دينار (24 الف دولار) شهريا اضافة الى مخصصات السكن والتنقل والحمايات والجوزات الدبلوماسية والسفر والبعثات وغيرها في حين ان المهندس والطبيب العراقي المتخرج توا عليه ان يعمل اربعة سنوات ليحصل على مرتب شهر واحد لبرلماني! هل هذا عدل ام ظلم؟ فاين ثورة الحسين في قلوب البرلمانيين العراقيين وتحديدا الشيعة اذا افترضنا ان الاخرين لا يعلنون انتمائهم للحسين لاية اسباب كانت. وهل من العدل ان نعيش في بلد نفطي ومع ذلك لدينا خمسة ملايين يتيم واكثر من مليون ارملة وعشرات الالاف من اطفال الشوارع المتسولين عند الاشارات المرورية في حين ابناء المسؤولين يتسكعون في شوارع اوروبا ودول اخرى.
الحسين ومحاربة الفساد:
ولناتي الى الفساد السياسي والمالي والاداري والاخلاقي الذي اراد الحسين محاربته فدعونا نسال هل هناك دائرة واحدة في العراق غير فاسدة؟ وهل هناك مسؤول واحد فقط في العراق غير فاسد ؟ وقد يتصور البعض ان الفساد هو فقط سرقة الاموال العامة! لا ياسيدي الفساد ان تعيّن اقاربك واصدقائك ومن يهمك امرهم في مناصب ووظائف قد يكون غيرههم اكثر كفاءة واشد حاجة اليها.
الفساد ينخر الجسد العراقي كالسرطان الذي لا وسيلة الى القضاء عليه حتى لو بعث الحسين مرة اخرى  فسيقتله عبيد الله بن زياد الجديد من مجلس الوزراء او النواب او ربما من مكتب رئاسة الوزراء تحديدا وسيقول له قبل قتله لقد تاجرنا بك ميتا فلاحاجة لنا بك حيا وقد وصلنا الى ما نصبو اليه, فاين اثر الحسين وثورته في محاربة الفساد في مجتمعنا ؟ افيدونا آجركم الحسين!
الحسين ومحاربة الحكم الوراثي:
لقد خرج الحسين ايضا لمحاربة وراثة الحكم بعد ان كانت شورى بيد الامة, اليس العالم العربي كله غارق في الوراثة السياسية اليست دول الخليج تحكم بالوراثة بل وصلت مهزلة الوراثة الى الانظمة الجمهورية فحافظ الاسد معاوية الشام الذي جاء بدبابة الى الحكم ورث ابنه بشار يزيد العصر والذي يدافع عنه المالكي بكل قوة وقال انه لم يسقط ولن يسقط ولماذا يسقط! هكذا اذا لماذا يسقط يزيد؟ فما معنى ان ندّعي اننا اصحاب الحسين والمدافعين عن ثورته ونحن ندافع بكل قوة عن يزيد رغم عشرات الالاف من المقتولين والمسفوحة دمائهم من الاطفال والنساء في سوريا.
كما ان وراثة الحكم ليس فقط بانتقاله من الاب الى الابن بل ان ممارسة الوراثة قد تكون جزئية فعندما يتولى احمد المالكي سلطات اكبر من سلطات وزير وعندما يشارك صهر المالكي واقربائه في صناعة القرار فهذه وراثة جزئية ووقتية  للسلطة وكانهم نسوا العبرة من صدام وعدي وحسين كامل, فاين الحسين وثورته على وراثة الحكم من سلوكنا اليوم؟

الحسين ومحاربة دكتاتورية يزيد:
ما عليك الا ان تسير في الشوارع والطرق لترى صورا للمالكي في كل مكان وعلى خطى صدام حسين يكرس المالكي الدكتاتورية المقيتة من خلال القبض على اهم مفاصل الدولة رئاسة الوزراء قيادة القوات المسلحة, الداخلية, الدفاع, الامن القومي, البنك المركزي ولو تمكن ان يشطر نفسه ليحكم كل الوزارت لما تردد فكيف تكون الدكتاتورية وهو القائل امام جمع للعشائر( هو من يكدر ياخذها حتى نعطيها).
لقد خطف وعاظ السلاطين الحسين وثورته كما يسميهم العلامة علي الوردي وحولوه الى بضاعة يتاجرون بها كل عام في اسواق النخاسة الفكرية والسياسية, هؤلاء الذين لو أطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً, فكل يتاجر بالحسين على طريقته الخاصة.. فهذا يقود موكبا للطم الخدود والصدور والاخر يقيم ماتما يتسابق ويتباهى بعدد الحاضرين فيه والاخر معجب بصوته الشجي, هدفه ابكاء اكبر عدد من الناس, واصبح الوعاظ والرواديد يتقاضون اجورهم بالعملة الصعبة الدولار واليورو والباون.
كنت مرة جالسا لدى الحلاق في المانيا فسالته عن الموسم وماذا سيصنعون في حسينيتهم فقال والله حجي اتفقنا مع فلان الفلاني من دولة اسكندنافية سيحيي الليالي العشر ولقد رضي باربعة الاف يورو اضافة الى مصروفات تنقله ومسكنه وماكله , فسالته وماذا عن الشيخ الفلاني قال لا هذا (يضرب بالعالي يريد 6لاف يورو والمصاريف.. تصور رادود غير معروف يطلب هذا الرقم فما بالك بملة باسم الكربلائي وملة جليل فكم يتقاضون؟) قلت سبحان الله الا يقولون انهم يقومون باحياء الذكرى على حب الحسين وال البيت فلماذا يتقاضون هذه الارقام الفلكية على الرغم ان معظمهم يعيش على الاعانة الاجتماعية التي تقدمها دول الكفر! اي ما يدخل اليه (زائد خيركما يقال) وهو ايضا مخالف للقوانين المعمول بها لان عليه ان يصرح بدخله الشهري والسنوي لدائرة الضرائب, فضحك صاحبي الحلاق وقال (حجي هاي وين شدتحجي كلها تجارة) فقلت لماذا اذا تقيمون هذه المناسبة قال (بعد الناس تريد, بس ترا هذا الشيخ هل السنة عنده خوش محاضرات اخلاقية وما يثير احد) فقلت في نفسي اذا تدفعون لشخص هذه المبالغ والتي قد تكفي لاعالة 50 عائلة فقيرة في العراق لمدة شهر كامل من اجل سماع محاضرات اخلاقية يلحقها نعي وبكاء ثم مرحلة اللطم على الوجوه والصدور.
والسؤال هو الا يمكن ان تفعل ذلك وانت في بيتك؟ فتستمع الى اية محطة شيعية او سي دي او عبر الانترنت وتوفر هذه المبالغ فتنفقها في الموارد التي ارادها الحسين من خلال ثورته؟ وياتي الجواب كلا طبعا؟ لان مراسيم وطقوس العاشر من محرم هي مراسيم ريائية بالدرجة الاساس ليس القصد منها التقرب لا الى الله ولا الى الحسين ولو انها كانت تعبدية وشعائر دينية كما يدعي وعاظ السلاطين لفعل كل مؤمن بالثورة الحسينية هذه المراسيم في بيته فبامكانك ان تبكي في بيتك وحيدا كما تصلي وحديا وبامكانك سماع الخطبة والمقتل والمحاضرة وتلطم خدك وتشق ثوبك وتشج راسك وانت في بيتك بل بامكانك ان تفعل هذا كله يوميا ثم تتوجه الى عملك لتطبق قيم الحسين سلوكيا وعندها لن تؤذي احدا بقطع الطرق او التضييق على الناس في الشوارع وتتسبب في تعطيل مشاغلهم ورفع الاسعار ورمي الازبال وتسخير مقدرات الدولة لحمايتك ممن يريدون التصيد في الماء العكر.
كلا ان العاشر من محرم تحول من ثورة من اجل القيم النبيلة والسامية الى ثورة من اجل التمن والقيمة الى ثورة رياء وممارسات جماعية لاتصح الا ان تكون جماعية هكذا, لان كلّ يعرض بضاعته في هذاالموسم, وقد حولوا الحسين وقيمه النبيلة الى طقوس استعراضية مهرجانية الجميع يشارك فيها لاجل غاية في نفس يعقوب قضاها, فهذا يريد الجاه والاخر يريد استعراض قدراته المالية وثالت يريد الدعاية الانتخابية, رابع يواعد صديقته في هذه المناسبة حيث تخف القيود الاجتماعية واخر يحشد اتباعه تمهيدا للانتخابات القادمة وهناك ايادي خفية تمول عملية التخدير الاجتماعية الكبرى هذه بشتى الطرق والامدادات بالاموال حتى بلغني قبل كتابة المقال ان صاحب مجلس عزاء في مدينة الثورة ببغداد يدفع 10الاف دينارعراقي (8 دولارات) يوميا لكل لطّام يشارك في مراسيم اللطم ولمدة عشرة ايام متتالية, وهناك من لا يريد منك ان تصحى من هذه الغيبوبة العاشورائية فلو تمكن لجعل السنة كلها مراسيم لطم وبكاء ونحيب ومواكب ومجالس عزاء وتمن وقيمة وعندها ربما ستنزل الملائكة لتدير امور الناس وينزّل رب العزة المن والسلوى فلاحاجة لنا للعمل والسعي لطلب الرزق الحلال والبناء والتقدم.
اقول سيتبرأ منكم الحسين ومن اعمالكم هذه التي ما انزل الله بها من سلطان وسيقول لكم لماذا لم تحيوا الذكرى بكفالة ايام او بناء بيوت لهم ومستشفيات ودور فقراء وعجزة, لماذا لم تحيوها بمحاربة الفساد والمفسدين, لماذا لم تحيوها بتنظيف بيوتكم وشوارعكم واطفالكم, لماذا لم تحيوها بدعم الشباب للزواج بدلا من حالات الكبت الكبيرة والتي تستغل الموسم للتنفيس عنها بشتى الطرق, لماذا لم تحيوها بافتتاح مصنع انتاجي يشغل ايدي عاملة وينتج احتياجاتكم بدلا من استيرادها من الخارج, لماذا لم تحيوها بالاخلاص والعمل الصالح والتفاني في العمل في الدائرة والمدرسة والمصنع والبيت والشارع, فماذا سيكون ردكم عليه اتمنى ان تكون لديكم اجابة.

عباس الفيلي
[email protected]
* ملاحظة لغير العراقيين القيمة هي اكلة عراقية تصنع من هرس اللحم والحمص مع اضافة بعض التوابل اليها اعتاد العراقيون الشيعة على صنعها يوم العاشر من محرم وتوزيعها مجانا.