ظلت عاشوراء ملحمة الحسين (ع) الخالدة صامدة أمام عواصف انحرافات التأريخ على الرغم من كل المحاولات التي تهيأت لها امكانيات مادية ضخمة بدون حساب وكرست قنوات مرئية ومسموعة ومقروءة لغرض أظهار الطعن في نهضته الأصلاحية بإعتباره شخض خارج عن ملة الدين وهو من رمى بنفسه وبأهله للتهلكة ,بقي الحسين عملاقاً بما أنتجه للأمة من تغيير جذري في سلوكها الثقافي والاجتماعي وأماط اللثام عن السلطة الفاسدة التي أدعت انها تطبق الدين الاسلامي ,فما كان بها إلا ممارسة الرذيلة وعلى مختلف أنحطاطاتها المتدنية وأجبار الناس على تقبل هذا الواقع المرير,كانت السلطات الظالمة المستبدة والمغتصبة لحقوق مجتمعاتها التي تعاقبت على حكم الأمة تعتقد وتظن أنها ستؤثر على مشعل حرية الحسين أو تطفئه ليكون الطريق مظلمٌ معتم وهذا هو مرادهم لينفذوا مبتغاهم بأجندات تسير نحو مصادرة حقوقوهم وأهمها عدم السماح لهم بمزاولة حرية الرأي والتفكير والتعبير عن إرادتهم إلا وفق ما يريدونه منهم في تلميع الصورة السوداء للظالم ,هنالك من رفض بشدة أن ينخرط بهذا الاتجاه بالرغم من كل الاغراءات التي قدمت له وهو يعيش شضف العيش المؤلم ويبحث عن رغيف خبز يسد به رمقه ورمق عائلته لكنه أمتنع ,وهنالك من يساهم بقتل الحسين ضمن جهله له وعدم معرفته بمكانته الاصلاحية التي قام بها ضمن ثورته التي هزت أعتى عروش الطغاة واصبح عنواناً لكل الأحرار في العالم الإنساني ,والأنكى من ذلك كله أنه يمارس القتل على منبر الحسين في زج خرافات واساطير ليس لها وجود من الصحة ويحاول أقناع الناس أنها حقيقة ,كان من الأجدر على خطباء المنبر الحسيني أن يتحدثوا لمن حولهم عن ايثار الحسين (ع) الذي عجزت كل كتب التأريخ من فهمه واستيعابه ,عليهم أن يشرحوا لهم لماذا هنالك شخصيات عالمية ومن مختلف الديانات أتخذت من الحسين شعاراً لمواجهة أنظمتهم الشمولية الظالمة ونالوا حريتهم واستعادوا حقوقهم ؟فسروا لهم لماذا كل هذا الغلو في القتل والاباحة بالتمثيل بجثث القتلى وهم أهل بيت النبوة ووصية رسول الله (ص) الذي طالب أمته بالود من أهل بيته وحفظهم في غيبته ؟بينوا لهم حجم التحديات التي واجهها الحسين لمحوه ذكره على مرقرون الزمن وكيف صرعها وأنتصر ثم صار كابوساً يؤرق مضاجع الفاسدين والمفسدين من ولاة الحكم المستبيحين والمتلاعبين بمقدرات شعوبهم ,منبر الحسين كان ولا زال وسيبقى دلالة مضيئة تنشر المبادىء وتعلم الناس معنى الثوابت وعدم العيش في عالم خنوعين خاضعين للمفسد الأشر,حيث يذكر الشهيد مرتضى مطهري (رض) في كتابه الملحة الحسينية ((لقد قتل الحسين ثلاث مرات ,الأولى : على يد اليزيديين بفقدانه لجسده، والثانية : على يد أعدائه الذين شوّهوا سمعته وأساءوا لمقامه، أما الثالثة : فعندما استشهدت أهدافه على يد البعض من أهل المنبر الحسيني، وكان هذا هو الاستشهاد الأعظم” فالحسين ظُلم بما نسب له من أساطير وخرافات… وروايات قاصرة عن أن تصبح تاريخاً يألفه أو يقبله العقلاء. ظُلم لأن تلك الروايات عتمت على أهداف ثورته ومقاصدها… ظُلم على يد الرواديد ومن اعتلوا منبره ونسبوا له – ولأهل بيته- حوارات ومواقف وهمية ملْـؤها الانكسار لاستدرار الدمع. فصوروه – وهو المحارب الجسور الذي افتدى مبادئه بروحه ودمه – وهو يلتمسُ الماء بكل ذُلٍ ومهانة من أعدائه وصوّروا زينب -الطود الشامخ – التي دخلت على الطاغية يزيد فزلزلته بخطبتها – على أنها امرأة جزعة بكـّاءه، تثبّط هِمة أخيها في الحرب)) علينا أن لانسطح الحسين بمواضيع هي من صناعتنا ظناً منا أنها ستزيد من شأنه ومكانته ورفعته ,وهذا خطأ فادح نرتكبه فهو العملاق المتعملق المتمرد حتى على التراب وبلقع الأرض ,حتى يد الحمراء المبتورة الأصبع خرجت من وراء ضريحه المطهر وعانقت المستضعفين وصرعت المستكبرين ,وقف في طف كربلاء ليعلن موقفه الصارم من المسخيين بقوله ( والله لا أعطيكم أعطاء الذليل …ولا أقر لكم أقرار العبيد ) وهذا وحده يكفى ليترجم لنا رحلته كفاحهه ومسيرة نضاله .