23 ديسمبر، 2024 1:06 ص

عاشوراء بين ثارات الكراهية وثقافة التسامح

عاشوراء بين ثارات الكراهية وثقافة التسامح

فكرة الواحدية Pantheism: بموجبها تتطابق حقائق الوجود الكوني (الطبيعة) مع الله (الألوهية). فالوجود الكلي والإله يمثلان واحدية الكون. أي الوجود المادي والوجود الفكري يكونان الوجود الكوني وفق مذهب الواحدية Monism ومنها تنطلق فكرة الإله الواحد وهي عكس فكرة الثنائية Dualism التي تدعي وجود واقعين، جوهر مادي وآخر فكري.

وانطلاقاً من هذه المقدمة الموجزة جداً نقول إن وحدانية الكون تعني أن العدد واحد هو الأصل ولا يوجد في الكون عدد غيره أما بقية الأعداد فهي من اختراع العقل البشري، فلا يوجد العدد اثنان، فاثنان تعني العدد واحد مكرر مرتين والعدد مليون يعني العدد واحد مكرر مليون مرة وهكذا.

وانطلاقاً من مبدأ الواحدية تتفرع واحدية الأشياء سواء كانت واحدية مادية أم واحدية فكرية، مع الإقرار بواحدية الفكر والمادة. واحدية الطبيعة المادية وواحدية الجنس البشري (آدم وحواء) أي أن الروح البشرية واحدة.

في التصنيفات البشرية الروحية هناك الروح البشرية الخيرة والروح البشرية الشريرة (حسب تصنيفات ومعايير البشر للخير والشر). واحدية الروح البشرية تعني لا تمييز جوهري بين روح خيرة وأخرى شريرة، في نهاية المطاف هي روح بشرية واحدة ونتيجة لظروف محيطة، ومسببات تتعلق بظروف التنشئة الاجتماعية، جعلت من هذه الروح خيرة ومن تلك شريرة.

ربما شقيقان توأمان من أم واحدة وأب واحد يكون الأول صالحاً خيراً ومصلحاً والثاني فاسداً شريراً بالاختيار، أو بالضرورة كما حصل لأوديب الذي ارتكب جرمين فاحشين لا يمكن تصورهما ساقته الظروف إليهما دون خياره، فقد قتل أوديب أبيه ونكح أمه دون أن يعلم، وبعد أن علم بذلك اقتص أوديب من نفسه ففقأ عينيه وهام في الصحراء مذعوراً.

فروح المجرم الذي حكم عليه بالموت هي نفسها روح السيد المسيح وروح محمد وروحك وروحي والروح الجمعية لكل الجنس البشري المتحدة بالواحدية. فالمجرم بشر من بني آدم ونحن كلنا كذلك.

الأرواح الخيرة لا تحتاج أن نترحم عليها أو نطلب الغفران لها لأنها أرواح خيرة أما الأرواح الشريرة فهي التي تستحق الترحم وتحتاج الى طلب الغفران.

تطبيقات الواقع العملي:

في بعض الممارسات التي تحصل في عالمنا الإسلامي خروج المظاهرات ومواكب العزاء بمناسبة عاشوراء، وهي ذكرى مقتل الحسين حفيد النبي محمد، حيث يكثر النحيب والعويل وتتعاظم مظاهر الحزن حتى تصل الى درجة جلد الذات وإدماء الرؤوس بالسيوف مع الترحم على صاحب المصاب.

ولكن في الأدبيات الإسلامية جميعها، ونقصد أدبيات كل الفرق الإسلامية، السنية والشيعية بلا استثناء، تؤكد بأن الحسين مات شهيداً مظلوماً وقد شد رحاله الى الجنة. ونحن نسأل: ماذا ينفع الترحم على الحسين وهو قد كسب الجنة باتفاق كل الملل والنحل؟ لذا نقول الحسين لا يحتاج الى الترحم وطلب الغفران بل الذي يحتاجه هم قتلته. نعم فمن المفترض التوجه الى السماء لطلب العفو والغفران للمجرمين الذين ارتكبوا تلك الجريمة الفظيعة بقتل حفيد نبيهم.

ومن الملفت للنظر أن الحسين نفسه يحمل هذه الأفكار التي نطرحها الآن، فقد ذكرت مصادر الشيعة أن الحسين بكى في ساحة المعركة، وعندما سٌئل عن سبب بكائه قال لم أبكي على نفسي وعلى عيالي بل أبكي على هؤلاء الناس الكٌثر الذين سيدخلون النار بسببي.

في تحليلنا الوجداني (نقصد في الوجدان: الحدس بالحقائق الأخلاقية عن طريق القلب والعاطفة من غير تدخل العقل) أن بكاء الحسين – الضحية – على أعدائه –المجرمين- ينطلق من واحدية الروح البشرية التي أشرنا إليها في مقدمة هذا المقال. فلو لم يكن كذلك فلماذا بكى على أعدائه؟

فإذا أردنا أن نبني جيلاً صالحاً فعلينا أن نعلمه ثقافة التسامح التي هي أقرب الى الضمير الإنساني والحس الإنساني، في التسامح فقط تتحلى المجتمعات الإنسانية الفاضلة، وبعكس ذلك فأن ثقافة الثأر والانتقام تولد الحقد والبغضاء والكراهية وتخلق مجتمعات وحشية بعيدة عن السمات الإنسانية ونتذكر قول بوذا (أحبوا أعداءكم).