23 ديسمبر، 2024 3:11 م

عاشوراء بين القامة والقيمة

عاشوراء بين القامة والقيمة

يأتي الرادود “القارئ الحسيني” ويقرأ ما يُملى عليه من قبل الشاعر والتيار الذي ينتمي إليه ليبدأ بتعليم العلماء كيفية استنباط الحكم الشرعي!! يبيّن لهم بالرواح وليس بالتهجم والصياح حِليّة التطبير.. ويأتي آخر وتراه منشَدّاً ومتحمّساً إلى هذه القضية التي أصبحت مصيرية، تفرق بين أتباع المذهب الواحد، ليصيح بأعلى صوته ومن على منابرهم التي شُيِّدت من اجل الشتم واللعن قبل أن تُشيَّد للموعظة والحكمة، إذا كنت تخاف أن تطبر رأسك فهذه مشكلتك أنت، دعني وهامتي، لا تصدر الفتاوى. “مضمون كلامه الفلسفي والمنطقي”.

لا اعرف من يقصدون من المراجع بكلامهم هذا، هل يقصدون العلامة محسن الأمين الذي يُعد أول المحرِّمين للتطبير أم هل يقصدون أبا الحسن الأصفهاني الذي أيّد الأمين؟! او ربما يقصدون السيد فضل الله أو الخامنئي؟! وربما لا يقصدون كل هؤلاء، فليس من المستبعد أنهم يقصدون احدث مرجع حرّم التطبير”الشيخ اليعقوبي”!!

أنا أرى أنهم يضربون جميع المحرِّمين بحجر واحد.. لقد علّموهم علمائهم بأن يسقِّطوا كل من يقف في وجه شعائرهم كائناً من كان، كما علّم أسياد مكة أهل مكة أن يسقّطوا كل من يقف في وجه أصنامهم.. فهنا تحت مسمى الشعائر الحسينية وهناك تحت مسمى الرب..

فضل الله حرّم ضرب الرؤوس بالأدوات الجارحة أو الحادة من باب الإضرار بالنفس كما حرّم السجائر من نفس الباب، وباقي المراجع حرّموه من باب آخر وهو الإضرار بالمذهب الشيعي، ربما يسأل البعض هل مات احد بالتطبير؟ نعم ..  وهناك كتاب أُلِّف في البحرين من قبل المؤيدين لهذا الفعل تحت عنوان “شهداء التطبير”، أي الذين قضوا نحبهم بطبرة سيف، وهذه السنة من ضمن من ماتوا في إحياء هذه الشعيرة المقدسة طفل رضيع، طبّره والده بالسيف على رأسه فألقاه صريعاً، وحين رآه ميتاً رفعه إلى السماء مخاطباً ربه: ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى!!! قضية مضحكة ومبكية في نفس الوقت.. لقد حَرَمَ الله هذا الوالد من الولد لأنه لا يستحق أن يكون والداً، لأنه ليس إنساناً أصلاً، له الحمد وله الشكر.

كنت في احد الأماكن المقدسة لتأدية طقوسي الدينية ليلة عاشوراء، إذ صادفت عودتي مع عودة موكب التطبير، المطبِّرين بالكفن الأبيض وقائدهم بدشداشة بيضاء صيفية في ذلك البرد القارس، لم يكتفي القائد بضربة واحدة بل بعدة ضربات، ليستمر أتباعه بسرد الروايات عن مدى شجاعته في ضرب رأسه وعدد تلك الضربات على مدار السنة!! الدماء متجمدة على رؤوسهم وثيابهم وهم يتحدثون عن أسعار قاماتهم!! هذه بمئة دولار وتلك بمئتي، وآل بو فلان طبخوا 80 قدراً من القيمة وآل بو فلتان أخرجوا 100 دمّام “طبل” ومشعل.. ثم بدءوا بالمزاح بعد أن أكملوا الإحصائيات إذ دفع احدهم الآخر ليأتي نحوي، فابتعدت عنه تجنباً من أن أتلطخ بالدم، فإذا هم ينظرون إليّ نظرة غضب وكأني الشَمِرْ “ذابح الحسين”!!.. سألني احدهم كيف تلقي الحسين يوم الدين وأنت تحتقر أنصار الحسين؟؟!!! قلت له وأنا انتظر أن تنهال سيوفهم الباهظة الثمن على رأسي لأذهب شهيداً للتطبير: أخي ابتعدت عنه كي لا يصيبني دم حتى استطيع أن أصلّي.. أجابني بسرعة بديهية: ومن قال لك أن دم المطبِّر نجس؟؟؟؟!!!!! رُسِمَت على وجهي جميع علامات الاندهاش والتعجّب وقلت له بعد أن استعدت وعيي من تلك الفتوى النارية: صدقت أخي، اعتذر لكم وقاحتي..