يحلّ علينا يوم عاشوراء، بكل مسمياته ومعانيه، حاملاً في طياته أعظم دروس الفداء والصبر والإيمان، حاملاً كل معاني التضحية الحقيقية لنصرة الدين الإسلامي. ذلك اليوم الذي ارتبط فيه ضمير العالم الحر مع الوجدان الإسلامي بملحمة تاريخية لا يمكن وصفها بكلمات، لأنها بقيت خالدة على مر العصور. إنها ملحمة كربلاء، عندما وقف الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) بوجه الظلم والفساد، رافعًا راية الحق ضد الباطل، مضحيًا بنفسه وأهله وأصحابه في سبيل المبادئ التي آمن بها. نعم، إنهم آل بيت رسول الله، ومن منهجه الطاهر الشريف يستلهمون العبر…
لم تكن واقعة كربلاء مجرد معركة عادية عابرة التقت فيها السيوف مع صهيل الخيول، بل كانت اختبارًا للإرادة الإنسانية، ومعنىً حقيقيًا للتضحية في أسمى صورها. فالإمام الحسين لم يخرج طلبًا للسلطة أو رغبة في الدنيا، بل خرج ليُصلح في أمة جده، ويُعيد روح الإسلام إلى مسارها الحقيقي، بعد أن عبث بها الطغاة.
لم يكن يطلب كرسي السلطة لأنه من الأشخاص الذين طهرهم الله وأبعدهم عن كل منافع الدنيا ومغرياتها، وها نحن اليوم نستفيد الدروس الكثيرة ونتعلمها من يوم عاشوراء، وخاصة عندما نرى الإيمان وقد تجلّى في أبهى صوره، حين اختار الامام الحسين أن يواجه الموت على أن يبايع الظالم، حين حمل السيف وهو يعلم أنه ذاهب إلى الشهادة، لا النصر، لكنه نصرٌ من نوع آخر.… نصر المبادئ على المصالح، ونصر الكرامة على الذل. نصر المظلوم على الظالم ونصر الفقراء على الجبابرة. في هذا اليوم، لا نبكي الحسين فقط دون أن نستفيد من ذلك الدرس العظيم الذي تركه لنا لتتعلمه كل الأجيال، ونستلهم من موقفه الشجاعة في قول الحق، والثبات على المبدأ، والتضحية لأجل القيم التي نؤمن بها. فهو لم يُقتل ليُحزننا، بل ليستنهض فينا الضمائر، ويُذكّرنا أن الإيمان الحق لا يكتمل إلا حين يُختبر في ميدان الفعل، ليعطينا درسًا في القيم الأخلاقية ويجدد فينا مبادئ الإسلام الحنيف.
إن يوم عاشوراء هو درسٌ خالد في الإباء، ونداءٌ مستمر لكل الأحرار في العالم. نداء نسمع كلماته وصيحاته وهو ينادي جميع المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها، ينادي شجعان العالم بحكمته وهو يقول للطواغيت كافة وعلى مر العصور الزمنية:
“هيهات منا الذلة”.