19 ديسمبر، 2024 2:17 ص

عاشوراء بداية انهيار القرآن .. اليس فيكم رجل رشيد!؟

عاشوراء بداية انهيار القرآن .. اليس فيكم رجل رشيد!؟

حافظت الخلافة الراشدية، بمراحلها الاربع، على تطبيق دستور الاسلام، كما ورد في كتاب الله، وسنة الرسول محمد.. صلى الله عليه وآله، تسلل معاوية اليها، فأحالها بذخا وراثيا، بعد ان كان عمر.. رضي الله عنه، يغسل ثوبه ويظل في كوخ بسيط، يدير منه الخلافة، ريثما يجف!
بهذه السياقات العملية، حقق الاسلام، حضارة الروح، التي احتوت المادة ضمنا، استجابة لمبدأ: “إعمل لدنياك، كأنك تعيش ابدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.
قوم الدين مسار الدنيا، على سكته، يقيها الانفلات من جنة الحلال الى جحيم الحرام، من دون ان يعيق تقدمها في الرقي، طلبا للعلم وترصينا لتجربة الدولة، بأفضل نماذجها السامية.
الى ان قفز عليها ابن هند.. آكلة الكبود؛ مسيرا الدولة، خارج نطاق تعاليم القرآن وسنة الرسول وسيرة الراشدين؛ فإنفلتت من عقال المعروف الى المنكر، خلال عهد معاوية.. بداية الحكم الاموي، الذي خضع لاشتراطات الدنيا، من دون مراعاة للدين الحنيف.
آل الحكم الى الامويين، بعد استشهاد الامام علي.. عليه السلام، فعاثوا في الإسلام انحرافاً؛ تطلب ان يتدخل الحسين.. عليه السلام، بعد الحاح متواصل من العراقيين تحديدا، مدعومين بموافقة الأقاليم الأخرى في الدولة الاسلامية.
لكن التعاطي المباشر، مع تأييد المجتمع الاسلامي، من قبل الامام الحسين، لم يصمد إزاء خطط التعبئة السياسية، التي حسمت الصراع، في بضعة ايام، انعطفت بالعراقيين، من دعاة لتسلم العلويين الخلافة، بدل الامويين، الى ذائدين عن الحكم الاموي ضد ما اعتبروه خروجا علويا على الاسلام.
أطرت الجماهير واقعة “الطف” بما يلبي انتماءها لدولة بني أمية، بحيث اصبح الصوت الشعبي متناً رسمياً، وثورة الحسين، معارضة خارجية تنقض البنائين الشعبي والرسمي.
وبإنتفاء بؤرة الحدث، وانسحاب جيش يزيد من العراق، اي زوال الخطر المرعب، الذي انسى مخاطبي الحسين جوهر خطابهم، بل وجعلهم يتبنون موقفا مناقضا لما استقدموا القوى العلوية لأجله؛ أهمل يزيد العراقيين، وتنكر لوعوده التي ابرمها مع الشخصيات التي آزرته في التعبئة الشعبية، ضد سبط الرسول، فتذكروا انهم خسروا الدين والدنيا، وضحوا بموقفهم الرجولي، حين “واكحوا” ابا عبد الله.. عينا لعين، وهو يسميهم بالاسماء؛ يذكرهم بدعاواهم، فيدعون الغفلة متناسين ضمائرهم “نسوا الله فانساهم انفسهم” يذكرهم وهم يتظاهرون بالجهل: “أليس فيكم رجل رشيد!؟”.
ثلمات اخلاقية، نابعة من أصل العراقيين المعروفين بالتنكر لوعودهم وغدرهم المستمر بعضهم ببعض، وبالآخرين عموما، يعتدون من دون سبب ويهبون بلا مبرر، سادرين في غي يتضاد مع الحق، ويتضامن مع الباطل، وهم لا يعرفون لم يقدمون على ذلك.
إذ تقول الحكيمة التي سبقت الاسلام.. طريفة الخير: “من يريد كنوز الارزاق والدم المراق، فليذهب للعراق”.
الشعور بالثلمة الاخلاقية، إزاء الحسين، جاء نتيجة خطأ تعمده يزيد؛ لكونه زاهدا بالعراقيين.. لا يحترم قوما يشترون بوعود مالية، غالبا ما لا توفى، ويتحمسون لقضايا لا تعنيهم، وتنقلب وبالا عليهم؛ فقامت ثورة التوابين (65هـ) بعد اربع سنوات من “الطف 61 هـ” بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي؛ لأنهم وجدوا انفسهم خسروا دينهم بالتنكر لوعودهم مع الحسين، وخسروا دنياهم بتنكر يزيد لهم، بل اذلاله اياهم، بعد ان خلى له الجو، ولم تعد ثمة معارضة.. لا علوية ولا سواها، قد تلجئه للاستعانة بهم، فاقصاهم وأساء بحكمه اياهم.
استنفدهم، ثم سامهم خسفا، وافقت تلك المهانة، مطامح الثقفي، فانبرى لحكم العراق مطالبا بدم الحسين، تماما كما ناور معاوية سياسياً ومن ثم عسكريا، بقميص عثمان؛ وصولا للسلطة.
الاوراق السياسية التي لعب بها معاوية ويزيد والثقفي، اعقد تركيبا، على ارض الواقع، من بساطة الايمان المسطح دنيويا، مهما تعمق في النفاذ.. عبر اقطار السماوات، الى الآخرة.
وهكذا قال التاريخ حكمته من خلال واقعة “الطف”: للمؤمنين الآخرة وللكافرين الدنيا، نزينها بالذهب والمال والجواري والنفوذ والرفاه والشهوات الفارهة وانهار خمر وعسل وكنتاكي، إحداهما للأبد والثانية الى حين.
فالدولة حملت آفة فنائها، منذ خرجت على كتاب الله وسنية نبيه وسيرة خلفائه، لكن بالوقت الذي تندثر الحضارة خلاله، كان الشعب الخائن ينهار، آخذا معه المتقين… مع الأسف.

أحدث المقالات

أحدث المقالات