أنصفوا الحسين من كل فعل ومنهج وسلوك فيه تذويب لقضيته بعيدٌ عن ألقه …عندما يهل علينا شهر عاشوراء فنحن نعيش في محنة الموقف أمام منعطفين مهمين في حياتنا ,منعطف الثوابت التي لا تجزأ وكيف أردوا بشكلٍ أو بأخر أن يأخذوا البيعة من الحسين ليشرعنوا طريقاً يسلكه الحاكم الباطل ويضفوا عليه الشرعية القانونية ويخرجوه للناس باعتباره هو الممثل الحقيقي للأمة وحكمه واجب فرض الطاعة على المسلمين ,كان رفض الحسين لأزدرائه للواقع المؤلم مهما كان نوعه وهويته وانتماءه,ومنعطف أشباه الرجال وأنصافهم الإمعات التي ظلت تورث الانحراف كفكر عبر قرون الزمن,فتشكلت لدينا جبهتان متناقضتان في المضمون والشكل ,جبهة تدعوا لخلاص الناس من طغيان المستبد وتحريرهم من خوفهم ليكونوا أحراراً في دنياهم غير مستعبدين يمارسون حقهم في الاختيار والعيش بكرامة وهو القائل:{إن لم يكن لكم دين, وكنتم لا تخافون يوم المعاد, فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون} وجبهة تريد فرض الظلم وترسيخه من خلال آليات مهمة وهي السكوت عن قول الحق والتزام مبدأ الحياد عن كل انحراف ,علينا التعريف بشرح قضية الحسين للعالم ولكل الباحثين عن الحقيقة ,
وليس من باب معركة حدثت بين معسكرين فقتل مع أهله وأنصاره ,وإنما علينا إماطة اللثام عن الوجه الذي تخفى به المجرمون وهم ينادون بأسم الدين دون سب وشتم لهم ..الحقيقة التي غيبت عن أذهان الكثير من المسلمين ولقرون من الزمن ,وقيل أن الحسين قتل بسيف جده ,وأنه خرج طالباً للسلطة ,أو أنه بغى على أمام زمانه ,هذه كلها عناوين اختيرت عن منهج مدروس ودراية ,لإفراغ المحتوى الفكري من كربلاء ,لعدم التمرد على الحكم والقبول به, فهنالك من يتحدث وبكل وقاحة في مغالطة للتأريخ بأن سيدنا يزيد رضي الله عنه قتل سيدنا الحسين عليه السلام ,أي استهزاء هذا الذي يتقولون به على المنابر,كان رد الحسين عندما قبل على الوليد فقال:
{أيها الأمير، إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق والفجور، مثلي لا يبايع مثله }إن ثمة فرقاً عظيماً بين أن تكون الأمة راضخة لحكم ظالم ولكنها تعلم أنه حكم بغير حق، وأنه حكم يجب أن يزول وبين ,أن تخضع الأمة لحكم ظالم وترى أنه حكم شرعي لا بد منه ولا يجوز تغييره,الأمة في الحالة الثانية ترى أن حياتها تعسة مسلوبة الاختيار وأن التشريد والجوع والحرمان والذل هو قدرها الذي لا مفر لها منه وهو مصيرها المحتوم الذي لا بد أن تصير إليه وحينئذ يقضى على كل أمل في تغيير الأوضاع، ويضمحل كل أمل في التغيير،وتتبع بعدها الأمة جلّاديها بدل أن تثور عليهم، ويصار إلى الرضا بما هو كائن بحسبانه , أذكر جيداً قول أحد العظماء
{الحسين ليس شخصاً، بل هو مشروع .. وليس فرداً، بل هو منهج .. وليس كلمة، بل هو راية .. } مشكلة الحسين أنه ثار ليس كفرد وإنما كنهضة شملت مختلف مجالات الحياة وصولاً للتجسيد الفعلي لتطبيق مبادئ النهضة التي أفرزت مضامين لبناء هوية الإنسان التي مسخت بعنوان أطاعة الظالم واجب فرض على كل مسلم.