18 ديسمبر، 2024 9:05 م

عاشوراء الحزن الذي لا ينقضي

عاشوراء الحزن الذي لا ينقضي

ليلة ثقيلة يتبعها يوم كئيب الكرب يسكن صدري وتضيق نفسي وينتابني شعور بانها على وشك الخروج من جسدي.

كل الاحداث المأساوية التي حصلت في هذه الليلة وذاك اليوم يدخل الاسى والحزن لأشد القلوب تحجرا، ولا يمكن ان تمر على احد الا ويقف مذهولا مما جرى. ولا يتجاهل هذه الواقعة الكبيرة الا من كان بلا قلب ولا يملك ذرة انسانية واحدة.

انما اشد ما يؤلمني في هذه الامسية بل دوما ويزيد من حزني ويضاعف همي هو افتقارنا لقائد على منهج الحسين عليه السلام. الحسين قائد من طراز فريد في مسيرة الاصلاح وتحقيق العدل. زعيم ينبري متحديا بعد ان يرى الاستخفاف بكرامة الناس واذلال الشعوب قد اصبح منطق السلطة فيقول للمطبلين للسلطة وللانتهازيين الذين يبحثون عن خبز العيش المغموس بالذل والمسارعين في ابداء الولاء للحاكم المستهتر “مثلي لا يبايع مثله” وبوجه السلطة الغاشمة التي خيرته بين الموت والذل يصرخ “هيهات منا الذلة”.

تعلمت من الحسين ان القائد يقف اول الصفوف في مواجهة الطغيان ولا يختبأ وراء الجمهور حين تحل النازلة بل هو الاول في المواجهة.

ومنه عرفت ان صاحب الدعوة الاصلاحية عليه ان يقدم نفسه وكل ما يملك حتى لو كانوا ابنائه وان كانوا رضعا، لا ان يبعث بهم الى الملاذات الامنة ليعيشوا في المدن البعيدة والبلاد القصية طلبا للسلامة بل يصحبهم معه في سوح الجهاد والتصدي ويفعل ذلك بلا تردد بل العكس هو الصحيح انما يجترح ذلك بتعمد وقصد كبيرين. ومنه كان الدرس بأن لا قبول لنصيحة المشفقين بأن تحفظ العوائل والممتلكات الخاصة مع احتمال السبي ومسيرة العذاب والالم ومداهمات السلطة. فكان قوله الزلزال الذي لم يفهمه الا من سار على دربه “شاء الله ان يراهن سبايا” وصار شعارا للساعين نحو احقاق المبادئ الحقة.

ومنه استوحيت ان القائد عليه ان يكون على استعداد دوما لتحمل المسؤولية منفردا ويكون صريحا صادقا لا يغرر جمهوره بل يلتمس لهم الاعذار ويخفف عنهم المؤنة ويقول: “لهم اتخذوا هذا الليل جملا لان القوم يقصدوني”.

قائد مثل هذا لأجله بحق تذرف الدموع الحرة وبمنهجه يجب ان يُقتدى وتبقى صرخته “الا من ناصر ينصرنا” صرخة تهز ضمير الانسانية تدعوها للتمرد على العبودية والذل. صرخة كانت ولا زالت صرخة الشجعان لاستثارة الهمم ولم تكن صرخة ضعف ولا ذل ولا حتى طلب عون أو يعقل من مثله ان يطلب النصرة من عدوه الذي جاء لقتله وهو يقف وحيدا امام جيش السلطة الغاشمة.

وفي الحسين رأيت امرا يندر جدا ان اراه في غير قيادته. رأيت فيه قائدا تجاوز اختلاف الاديان والمذاهب والاعراق ووحد انصاره بشعاره الخالد “كونوا احرارا في دنياكم”. لم يبال بدين وهب المسيحي ولا بالتوجه السياسي لزهير العثماني الهوى ولا ترفع على عرق جون الاسود ولا سخر من غربة الفتى التركي. جمع شملهم على الفطرة الانسانية ولم يلق ولا حتى لمحة قصيرة نحو كل هذه الاختلافات التي لازلنا نتقاتل لأجلها حتى اليوم بل في كل يوم. اذاب كل هذه الفروقات بصدق دعواه وبنقاء فطرته التي لم تلوث بالخلافات المصطنعة والانانية .

الحسين قائد اخرج الانسانية من سباتها الطويل وارتدى جلباب العزة والكبرياء وسار في درب التضحية والفداء لا يبغي منصبا ولا يطلب امتيازا ولا ترنو عيناه الى منفعة ولا يطرق الابواب ويشرع القوانين ليكافأ على ما بذل من جهد او ما كان من جهاده. بل كان قائدا بحق لم يخرج اشرا ولا بطرا بل طلبا للإصلاح وحسب.

عندما تحل ذكرى غيابه اشعر بالكرب لأننا لازلنا نبحث عن قائد مثله ونحن نعيش في تيه وحيرة تذهب بنا الآراء وتجرفنا المذاهب في سبل شتى كلها ارض بور لا يخرج منها نبت سوى الضار منه، وابكيه لأني اراه لا يزال واقفا في الرمضاء يستصرخ الانسانية ان تصحو من غفلتها. بينما نحن نسدر في غيبوبة و نعاني سكرا شديدا حتى الثمالة بخمرة الانانية والبحث عن الغنيمة جزاء العمل.