19 ديسمبر، 2024 11:49 م

يوم التقى جند السماء بشياطين الارض في ملحمة رهيبة..
كعادتها كانت السماء حريصة على ان تحف جندها بكل انواع العنفوان والاباء والشموخ والعزة والكرامة ولكن لأن طريق السماء صعب مستصعب فلم يكن جند السماء اكثر من 77 رجلاً على اكثر التقادير في حين كان جنود الشياطين مصداقاً لوعد ابليس اللعين حين قال (لأغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين) (ولقد صدق ابليس عليهم ظنه فأتبعوه الا فريق من المؤمنين) وهكذا كان……………. ابدى جند الله كل انواع الحكمة والحنكة والشجاعة والتضحية والوفاء والشموخ ودعوا الى ربهم الحق بكل ما اوتوا من قوة قبل ان يحكم السيف بين الفريقين ولكن لم ينفع.

سُئل الامام الحسين عليه السلام في ذلك اليوم عن ذلك فقيل له (انت ابن رسول الله وتحدث القوم بلسان القرأن فلم لا يسمعون ولا يعون؟) فأجاب صلوات الله وسلامه عليه: انهم قوم ملئت بطونهم من اكل الحرام فعموا وصموا ولم يعد باستطاعتهم استيعاب اي قول واي حديث فقد اضحوا اسارى ابليس يقودهم حيث يشاء بعد ان سلموا زمام انفسهم لشهوات البطن والفرج والاموال والاولاد والدنيا الغرور (فحاذروا احبتي من اكل الحرام حتى لا ينتهي بكم المطاف في معسكر يزيد لعنه الله عليه وعلى معسكره).

دارت رحى المعركة وانحاز بعض من المغرر بهم الى فيلق الحق في اللحظات الاخيرة ليسجلوا للتاريخ وقفة اكدوا فيها ان باب التوبة مفتوح للجميع وفي كل وقت شرط صدق النية واخلاص العمل فتحول الحر بن يزيد الرياحي من معسكر الكفر (وهو هناك علم وقائد ورمز مرهوب الجانب) ولكن كل ذلك لم يمنعه من بيع نفسه لله وحين يعرف المرء ما وراء هذه الدنيا تهون عليه كل موجوداتها ومقتنياتها ويبقى قلبه متعلقاً بشيء

واحد فقط وهو اللقاء بالحبيب والقرب من مصدر الرحمات والنور والبركات فهناك لا خوف ولا برد ولا شقاء ولا هم يحزنون بل سعادة دائمة ونعمة قائمة وقد تحقق للإنسان (هناك) كل ما يريد. في لحظات القرار الصعب تتراكم كل ملذات الدنيا امام النفس البشرية لتمنعها عن القرار الصائب واتباع الحق ولكن انى لكل ذلك ان يقيد الحر فهو حر كما سمته امه وفعلاً فقد تحرر من عبودية المال والجاه والمنصب وحب الدنيا وانطلق الى معسكر السماء غير سائر على الارض وانما طائر بحصان مجنح طار به الى عنان السماء من حضيض الارض فما كانت الا خطوات خطاها بفرسه من معسكر الشرك كله الى معسكر الايمان كله وقد فاز ونجا وحضي وقد صدقت بشارته بالجنة فهنيئاً له.

دارت رحى المعركة وكانت عيون السماء والارض محدقة تراقب احداثها وكما حصل سابقاً ولاحقاً كان انصار الحق قلة قليلة لم يكن نصرهم المادي سيخلد ذكرهم ويصلح دينهم الذي خرجوا طلباً لإصلاحه ولذا طلبوا ما يحقق غايتهم وهي الشهادة فكان ما ارادوا ولتكتمل الصورة ويتحقق الغرض فقد اضيفت الى مأساة الحرب الدائرة بين الحق والباطل (وهي مستمرة من زمن ابينا ادم عليه السلام الى يوم يبعثون) مأساة انسانية عاطفية مفزعة لكل قلب ينبض وعقل يفكر وروح حية وكانت المأساة حين بالغ المجرمون في اجرامهم حد المثلة بأقدس الاجساد في ذلك اليوم وقتل الرضع والاطفال والشيوخ والنساء وفصل الرؤوس عن الاجساد وحملها على الرماح الطوال والسير بحرم اقدس بيت في الوجود اسارى سبايا من بلد الى بلد فأضافوا الى جرائمهم جرائم اخرى ومثلوا يومها اقبح ما يمكن ان تصل اليه الانسانية من حضيض (اسفل سافلين).

ما الذي ينفعنا من كل ذلك؟

قطعاً لا يمكن حصر ذلك بجملة او جملتين ولا بكتاب او كتابين ولا بجبل من الكتب فنور ذلك اليوم المضيء يشع على الوجود من حينه الى يوم يبعثون يلهم المظلومين العزيمة والقوة والصبر والجرأة على قول (لا) لكل افاك اثيم وظالم ومعتد وجاحد وحاقد وهي ثورة رغم ان من قاموا بها ماتوا الا انهم على خلاف كل حي اخر لم تنطفي انوارهم وانما شعت واتسعت لتغطي الكرة الارضية كلها فألهمت وفجرت مئات الثورات وقضت على شرعية القوة والسيف واستبدلتها بشرعية (ونريد ان نمن على الذي استضعفوا في الارض فنجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين) فكان ما اراد الامام الحسين عليه السلام وابتدأت رحلة اصلاح الدين من ذلك اليوم واستمر الدين غصة في حلق كل طاغية وظالم على مر العصور فعمدوا الى محاربته وتشويهه وتحريفه عن اهدافه وتدنيسه بزرع ما ليس منه فيه لتشويه صورته والحد من بريقه ولكن انى لهم ذلك وقد قال تعالى (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( 32 ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33) لذا ابشر سيدي ومولاي أبا عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليك بصلاح الدين لا كما هو الان وانما كما سيكون على يد ولدك الموعود وجنده الابطال وجيشه المنصور بالرعب قريباً ان شاء الله تعالى فهنيئاً لمن مضى على ما مضيت عليه وتعساً لمن واجه نهجك بالعداء والانتقاص والحمد لله رب العالمين.

أحدث المقالات

أحدث المقالات