17 نوفمبر، 2024 8:34 م
Search
Close this search box.

عاشت الديمقراطية ,,,,

عاشت الديمقراطية ,,,,

عندما كنا طلاباً في الجامعات في تسعينيات القرن الماضي , كنا نسمع من اساتذتنا بعض الجمل والعبارات والمفاهيم التي تتحدث عن الديمقراطية وعن حرية الرأي وحرية التعبير في الدول الديمقراطية (ملمحين لنا بشكل مبطن اننا في دولة غير ديمقراطية ), وكانوا (اي اساتذتنا ) يهمسون لنا بتلك والجمل العبارات والمفاهيم همساً اثناء القائهم للمحاضرة خوفاً من ان يأتي احد ما ويتهمهم بالتحريض ضد النظام انذاك او ان يقوم جاهلا بكتابة تقريرا حزبيا يتهمهم من خلاله بأن الاستاذ الفلاني يسب صدام او يشتم الحزب , فشتيمة صدام والحزب سابقاً حالها حال المواطن العراقي اليوم عندما يتم اعتقاله بناءاً على معلومات المخبر السري وفق المادة (4/1) ارهاب , ففي كلتا الحالتين فأن الممعتقل اما ان يموت او لا نجد له اثراَ.

ومن جملة ما كنا نسمعه انذاك من اساتذتنا , ان من حق اي مواطن ان يشتم رئيس الدولة او اي مسؤول كبير في الدولة , ومن حق اي مواطن ان يقذف المسؤول بالبيض والطماطم , ومن حق اي مواطن ان يتحدث بالشأن العام ومن حق اي مواطن ان يعبر عن رأيه عبر وسائل الاعلام وان يتحدث بما يشاء ومتى يشاء ومن حق ووووووووووووووووالخ , دون اب يحاسبه احد او ان يسلبه حقه في التعبير او حتى يقيد حريته , فكل تلك الامور في الدول الديمقراطية هي من اساسيات الديمقراطية . وكنا حينها نقارن ما يتحدث به اولئك الاساتذة مع الواقع الذي كنا نعيشه انذاك , وكنت حالي حال زملائي الاخرين اتحدث مع نفسي فأقول اذا قمت بشتم صدام حسين فماذا سيحدث لي ؟ واذا قمت بضرب احد الرفاق الحزبيين في الشارع ببيضة فماذا سيحدث لي ؟ واذا كتبت موضوعا تحدثت به عن ظلم النظام فماذا سيحدث لي ؟؟؟؟؟؟؟ كانت تلك مقارنة تفرضها علينا مشاعرنا الداخلية ونحن نسمع ذلك الكلام الجميل عن الديمقراطية , ولكن سرعان ما كنا نرتعد خوفاً بمجرد ان نصحو من مشاعر تلك المقارنة فترانا نسارع الى ترديد ( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) وكأننا بترديد ذلك الشعار نكون قد كفرنا عن ذنب كبير اقترفناه عندما فكرنا (مجرد تفكير) بشتم النظام او الخروج عن طاعته , فكان ترديد ذلك الشعار بمثابة الاستغفار بعد ارتكاب ذنب كبير .

ومع ذلك ورغم كل ذلك الخوف الذي كنا نعيشه , كنا نمارس شتى انواع المعارضة في داخلنا , فكنا معارضين بالفطرة لكل ممارسات البعث في العراق ولو بداخل انفسنا وخصوصا تلك الممارسات التي تقمع الفكر وحرية الرأي والتعبير , واحيانا كنا نخرج عن خوفنا بعض الوقت فكنا نناقش ونتحدث عن تجارب الدول الديمقراطية في مجال الفكر وحرية الرأي وكافة الممارسات الديمقراطية الحقيقية التي هي جزء اساس من انسانية الانسان دون الاكتراث لكل المضايقات التي كنا نتعرض لها من افراد الحزب المسؤولين في الجامعة او من قبل عناصر الامن الجامعي انذاك من اعتقالات وما شاكل ذلك , فحلم الحرية كان يكبر بداخلنا يوما بعد يوم وكنا دائما نسلي انفسنا بما قاله ابو القاسم الشابي ( اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر ) , وما دمنا نحن الشعب فيجب ان يستجيب القدر .(لم نكن نعلم حينها ان امريكا ستستجيب بدلا عن القدر ).

لقد اخطأ اساتذتنا كثيرا عندما تحدثوا لنا كثيرا عن الديمقراطية ومحاسنها وفوائدها , الا ان ايا منهم لم يذكر لنا ان للديمقراطية وجه اخر , وجه قبيح , وجه اقبح بكثير من ديكتاتورية صدام حسين وحزبه .

لقد استطاع صدام حسين ان يحتكر الظلم لنفسه , وان يختزل كل اركان حكمه بشخصه , فكان هو الحاكم بأمر الله الزعيم الاوحد القائد الضرورة الذي لا غنى عنه , اي انه بممارسات سلطته البعثية القمعية اقنعنا نحن المعارضين لحكمه بأنه الظالم الوحيد لنا وللشعب , حيث اتضح لنا فيما بعد ان كل شعاراته وخطاباته عن الوطن والوطنية وعن فلسطين هي مجرد احاديث القصد منها تعزيز سلطته وهيمنته على مقدرات هذا الشعب المظلوم , فأخطأ ايضا صدام حسين كخطأ اساتذتنا عندما تحدثوا لنا فقط عن فوائد الديمقراطية , حيث اوهمنا بأنه العدو الوحيد اللدود لنا وللديمقراطية التي طالما حلمنا بها , في حين ان للعراق وللديمقراطية اعداء كثر . لذلك كان فهمنا للظلم هو استمرار صدام حسين في حكم العراق , واستمرار حزب واحد في امتلاك كل مقاليد الامور لذلك كان فهمنا للظلم انذاك فهما خاطئا بحيث انحصر الظلم في اذهاننا وتفكيرنا بوجود صدام حسين فلا بد من الخلاص منه دون ان نفكر ولو قليلا بالبديل , او على الاقل اعداد العدة من اجل ملىء الفراغ بعد الخلاص من صدام حسين لكي تبقى الدولة ولا تزول بزوال حاكمها , وهنا اخطأنا نحن ,واخطأ من ساعد الامريكان على المجيء الى العراق , واخطأت كل الدول التي ساهمت في احتلال العراق بحيث ان التفكير بالقضاء على صدام حسين لم يكن يشغل بالنا نحن المواطنين المعارضين البسطاء وانما كان ذلك التفكير شموليا شمل الاحزاب العراقية والشخصيات العراقية المعارضة التي كانت تعيش في الخارج ودول اقليمية ومنظمات دولية وهيئات ومخابرات وجمعيات ووووووووووو الخ , لان الهدف في حقيقته لم يكن القضاء على ديكتاتورية صدام حسين وتحرير الشعب العراقي من الطاغية , وانما كان الهدف الحقيقي هو لاحتلال العراق واستعباد الشعب العراقي بدلا من تحريره سعيا الى تقسيمه  وهذا ما اكدته كل الاحداث التي جرت ولا زالت تحدث .

ورغم ذلك كله كنا نحلم ونتمنى ان يكون تغيير نظام الحكم في العراق داخليا (عن طريق ثورة او انقلاب او ما شابه ذلك ) ما دام الظالم واحد الا وهو صدام حسين .ومع ذلك ورغم الاحتلال الامريكي للعراق وسقوط الطاغية بالطريقة التي حدثت وانهيار كافة مؤسسات الدولة , كانت لدينا فسحة من الامل في ان يكون الغد افضل و اجمل وان نعرف لاول مرة في حياتنا معنى الحرية دون خوف .

كنا فرحين جدا في الاشهر الاولى لسقوط نظام البعث وصدام حسين , وكانت قلوبنا مفعمة بالبهجة والسرور , فالظالم قد رحل ولن نخاف من احد بعد الان , بحيث ذهبنا بتفكيرنا وتجلياتنا بعيدا جدا ,ذهبنا الى فضاءات الخيال والحلم بدولة ديمقراطية ,دولة المواطنة ,دولة يحترم فيها الرأي والرأي الاخر , دولة تصان فيها كرامة الانسان , دولة لا مجال فيها للخوف , دولة ترسم لنا مستقبلنا , دولة تبني لنا قصورا من المجد في كل مجالات الحياة , دولة ترسم الفرحة على شفاه امهاتنا الثكالى بعد ان اعياهن نحيب فراق ابنائهن في حرب الثمان سنوات , دولة تستعيد كرامة الانسان العراقي التي هدرت على مدار سنين طوال , دولة ودولة ودولة ودولة وووووووووووووووووو. لنستفيق من احلامنا تلك على ديمقراطية امريكية اقليمية كانت ولا زالت من اهم مرتكزاتها ( سني , شيعي , تطرف, ارهاب ,قتل,محاصصة ,مكونات ,اطياف , حقوق طوائف ,اقليات , ميليشيات , قاعدة , فكر متطرف , حركات دينية متطرفة , قاعدة , افكار هدامة , شخصيات سياسية بعضها هزيل الى درجة التفاهة , احزاب دينية لا وطنية , احزاب مذهبية , ووووووداعش ).

وهكـــــــــــــذا , رأينا الوجه الاخر للديمقراطية التي نسي اساتذتنا التطرق لها عندما كانوا يتحدثون لنا همساً عن محاسن الديمقراطية وفوائدها ايام الجامعة , فبعد ان كانت الديمقراطية محرمة في زمن البعث وصدام حسين والمنادون بها كانوا يزجون في غياهب السجون والمعتقلات , اصبحت اليوم الديمقراطية الجديدة سببا كافيا لقتلك واسكات صوتك الى الابد , والادلة والشواهد على ذلك كثيرة لعل من ابرزها مقتل واختفاء مئات الصحفيين والاعلاميين .

وعاشت الديمقراطية

 

أحدث المقالات