18 ديسمبر، 2024 9:20 م

عادل عبد المهدي الرجل الذي لا يناسب المرحلة

عادل عبد المهدي الرجل الذي لا يناسب المرحلة

لم يعول الكثير من العراقيين على انتخابات 2018، وكانت هي النسبة الأقل في المشاركة قياساً بمشاركة المواطنين في السنوات السابقة اذ كانت النسبة أقل من 50 %، والمقاطعة الكبيرة التي حدثت في هذه الانتخابات، وهذا أن دل على شيء فهو يدل على خيبة الأمل الكبيرة التي يعيشها المواطن العراقي تجاه الطبقة السياسية الحاكمة التي حكمت العراق ما بعد 2003، فقد خسر المواطن الكثير من حقوقه، وتم الضحك عليه كثيراً من قبل الأحزاب السياسية وبرماجها الحكومية الفاشلة في ادارة الدولة العراقية، وسيناريو الازمات والكوارث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية والحياتية واضح للعيان ولا يحتاج الى شاهد ودليل على ذلك، فقد أفرزت تلك السنوات السابقة من عمر الحكومات العراقية المتعاقبة بروز طبقات سياسية طاغية وطغمة حاكمة تتاجر بالمال والمواطن العراقي وتعقد الصفقات الكبرى في السر والعلن، ولم يسلم من سطوة وفك ومصيدة السياسي العراقي أي مواطن بسيط، فالبلد تم بيعه بأكمله الى مافيات الفساد وتجار الحروب والاسواق عابرة القارات.
لقد رأى العالم أجمع الخروقات الكبيرة التي تعرضت لها الانتخابات في العراق هذا العام، من عمليات بيع وشراء الأصوات الانتخابية وكراسي البرلمان، وعمليات تزوير العد والفرز، وحرق صناديق الانتخاب وتعطيل وتخريب أجهزة العد والفرز من قبل جهات مجهولة لم يتم محاسبتها أو الكشف عنها وتم لملمة و (طمطمة) الأمور بين الاحزاب والمفوضية والجهات المعنية بمحاكمة ومحاسبة الفاسدين والمخربين، وهذا ما جعل المواطن العراقي يأسف على منحه الثقة للسياسي العراقي كل حسب جماعته وحزبه وقوميته ومعتقده في الحكومات والدورات البرلمانية السابقة، وقد عبر الكثير من الناس عن سخطهم الكبير وامتعاضهم من جراء الوضع المأساوي الذي يمر به البلد والمواطن العراقي على حد سواء، عن طريق التظاهرات والاحتجاجات الشعبية الكبرى التي شهدها العراق في الكثير من محافظاته، وكان أخرها ما جرى في محافظة البصرة وجنوب العراق من كوارث انسانية ليس لها مثيل، ومرة أخرى أيضاً يتم الضحك على الشعب العراقي والمواطن البصري من قبل السياسيين بوعود كاذبة ليس لها من مصداقية أبداً، وتم تمشية الأمور بالطريقة التي يريدها السياسي لا التي يرغب بها المواطن.
وفي ظل تلك الفوضى العارمة تم انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي واجتماع البرلمان العراقي بكافة أعضائه ليصوتوا على اختياره وتم ذلك كما يريدون أيضاً وفق مبدأ المحاصصة المتداول منذ تشكيل الدولة العراقية ما بعد 2003، ولم تنتهي تلك المسرحية الهزلية التي تمارس على الشعب العراقي، لتعود مرة أخرى في تشكيل الحكومة في 2018، بعد أن أدعت الكثير من الأحزاب انها ضد مبدأ المحاصصة وانها تدعو للإصلاح والتغيير والبناء، ولكن تلك الشعارات الفارغة قد تصدع منها رأس المواطن العراقي عبر تلك السنوات العجاف التي لم نجنِ منها سوى المر والعلقم والعنف والدمار والارهاب.
وقد تفاجئ الشعب العراقي بترشيح الدكتور عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء لحكومة 2018، وهو من الشخصيات السياسية التي دخلت العملية السياسية بعد التغيير، وينتمي الى حزب اسلامي شيعي وهو المجلس الاعلى، وعبد المهدي كان قد تسلم عدة مناصب وزارية في الحكومات السابقة ولكنه فشل في ادارة تلك الوزارات والملفات، رغم تخصصه في الاقتصاد وشهاداته العليا في هذا المجال، ولكنه والحق يقال ليس لديه كارزمة قيادية ولا يحمل من المشاريع السياسية والبرامج الحزبية شيئاً يذكر، فهو قد أتى الى المنصب (ضربة حظ) كما سبقت للسيد العبادي من قبل في الحكومة السابقة، وكأن القرعة وقعت على اختيارعبد المهدي دون غيره من الشخصيات السياسية، ولا أعرف قد يكون اختياره مقصوداً ومدروساً بطريقة شيطانية جيدة وهو ادخال العراق في متاهات وأزمات جديدة لا مخرج منه أبداً، وقد يشاطرني الكثير من الناس في أن اختيار عبد المهدي ليس في محله في الوقت الحاضر، فهو رجل لا يتناسب والمرحلة وحجم الدمار والخراب الذي يعيشه البلد، فالعراق اليوم في طريقه الى الزوال والتخلف والانحطاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي وفي كافة مفاصل الحياة العامة، وحجم الفساد الكارثي الذي نعيشه من جراء المحاصصة والمتاجرة بحياة الناس وحقوقهم ودمار المؤسسات والدوائر وفقدان الخدمات والأمن والاعمار، هذا من الداخل، أما من الخارج فأننا في مواجهة خطيرة مع الحركات الارهابية المتطرفة والهجمات الشرسة التي نشهدها من دول الجوار ومحاولات النيل من ثروات وتاريخ هذا البلد العريق، وهذا كله انما حدث بسبب الضعف السياسي والحكومي الذي يشهده العراق، فالعراق بلد متقطع الأوصال، وتم تقسيمه كغنائم حرب بين الخصوم والفرقاء المجتمعين على خرابه، وليس هناك من جهة سياسية نزيهة وشريفة وصالحة يمكن الرجوع اليها من أجل ترميم العملية السياسية والحفاظ على هويتنا ووجودنا وحقوقنا، فالبرلمانيون (السلطة التشريعية) يعقدون الصفقات لخدمة مصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة، والحكومة (السلطة التنفيذية) تعيش حالة من اللامبالاة واللامسؤولية وعدم الجدية في ادارة الملفات الادارية والخدمية والأمنية، وهي كسيحة وخاوية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا توجد برامج حكومية تسعى لتنفيذها طوال فترة وجودها في الحكم، أما القضاء (السلطة القضائية) فهي سلطة وهمية وغائبة عن المشهد تماماً، ليس هناك محاسبة ومسآلة وملاحقة لأي سياسي أو مسؤول ثبت فساده بالدليل القاطع، وكأنما القضاء العراقي هو الوعاء الكبير الذي يأوي كل تلك الجماعات والسلطات ويشرعن لها بقائها في السلطة أطول وقت ممكن، وليس هناك جهة أو سلطة في الدولة العراقية مستقلة وتمارس وظيفتها بحقانية وشرعية كل على حدة، وبصورة منفصلة عن السلطة الأخرى، فكل السلطات متكاتفة للنيل من حقوق المواطن العراقي، وسرقة ثرواته وخيراته والقضاء على تاريخه العريق وقتل كل أمل يلوح في الأفق في نفوس مواطنيه، فهل السيد الدكتور عبد المهدي قادر على مواجهة كل تلك الخروقات والازمات والكوارث التي يعيشها البلد، والذي كان حضرته جزءاً من هذا الخراب السياسي الذي مر بنا؟ تلك هي المشكلة يا سادتي وتلك هي مأساتنا الكبيرة التي يريد الكثير حلها عن طريق الشعارات والكتابات والهتافات الاصلاحية التي يطبل ويزمر لها الكثير من دعاة الاصلاح والتغيير، فالعراق اليوم على كف عفريت، ويقف في مفترق طرق صعب وروده واجتيازه، وكلي شعور بأن العراق اليوم يعيش نهاية الديمقراطية، وبداية الطريق لخراب كبير قادم لا يحمد عقباه على مستوى العراق والمنطقة، مالم تتم معالجة ومكافحة تلك الكوارث التي نعيشها ليس بعقل وحكمة فحسب وانما بحزم وقوة وصلابة وتعويض المواطن العراقي ما خسره من حقوق طوال تلك الفترات المرة من عمره السقيم، والمخرج من ذلك يعوزه الكثير الكثير من العمل والجد والنزاهة ومحاسبة الفاسدين وابعاد المنتفعين عن سدة الحكم، ولا أظن أن الدكتور عادل عبد المهدي وحكومته الجديدة قادرة على ذلك ما دامت سياسة المحاصصة سائدة في المشهد السياسي والاجتماعي، ونفس الوجوه تدير العملية السياسية في العراق، والواقع والايام القادمة كفيلة وكافية كدليل على ما نذهب اليه في مقالنا هذا.