23 ديسمبر، 2024 6:58 ص

ذات يوم كنا في نقاش مع صديق في الأربعين من عمره, كان يجالسنا في المقهى وكان محبا للكتب والثقافة, وكنا نحسبه ذا فكر, لكن في جلستنا الاخيرة تشعب حديثنا حتى وصلنا الى صدام, وعندما القينا اللوم على صدام ونظامه في كل ما جرى في العراق, عربد وصرخ بل وشتم, لقد شاهدناه بحالة مختلفة لم نعهده بها, لم يتكلم بالدليل ورد الحجة بالحجة, بل أصبح كالذين نشاهد نقاشاتهم في الباص أو السوق والأماكن العامة, حيث يعتقدون أنهم فقط على الحق, نعم أن صديقي كان يقدس الحاكم, ويستامح مع كل خطاياه, ويرفعه الى مقام الإبطال والفلاسفة, فلا الثقافة نفعته ولا الكتب غيرته, فبقي محكوما بظاهرة التقديس لشخص الحاكم, وهذا من الأمراض القاتلة لرأي الأخر.

أنها خيبة أمل كبيرة نعيشها يومياَ, ونحن نرى الذي يقعون تحت تأثير مرض التقديس, فالنقاش معهم خطيئة يجب الابتعاد عنها, حيث يحاولون توسعة نفوذ من يقدسون بالإجبار على الآخرين, وإلا تم نعتهم بأبشع النعوت, أحيانا عندما نتناقش حول حدث تاريخي, يمنعنا الأخر من مجرد محاولة النقد, تحت عناوين الحرام أو أنهم ينفذون إرادة السماء, فالإشكال عليهم يكون إشكالا على السماء! وهكذا يتم غلق باب التفكير.

وآخرين يجعلون من السياسي الذي يحبوه برتبة الأنبياء والعباد الصالحين, فيكون كل فعل يصدر منه هو الصواب, ومن خالفه فهو الخطأ والانحراف, ويجعله مقياس للحب والكره فيحب فيه ويبغض فيه, بل يصل عند البعض الى حد التكفير الأخر, فقط لأنه لا يقدس ما يقدس, أي أن الخلاف مع عقيدتهم يعني الانحراف! وهذا منتهى الجهل الذي يعيشه “البعض” مع الأسف.

ذات مرة ذهلت أثناء حديثي مع صديق! حيث كشف لي من خلال حديثه انه يقدس رئيس الوزراء السابق, ويرفض النقد والتهمة, ويعتبره من الإبطال الخالدون فهو من اعدم صدام وهو من طرد المحتل, وأي إشكال عليه يكون نوع من الخيانة للوطن, فأي قناعات هذه التي تأتي بعد الإصابة بمرض التقديس, انه حالة البعد عن التفكير, والتي يطرب لها الحكام, حيث تسهل لهم استمرار سطوتهم على الجماهير, وهم يسعون لديمومتها عبر دعمهم لكل عوامل الجهل وتسفيه الوعي, ومحاربة الوعي والتفكير.

أن التقديس يلغي العقل والتفكير ويدعم الجهل والتسفيه, لذلك نجد التقديس ينتشر في المناطق التي تسبح بالجهل, والواقع يشهد بذلك, وهو على نوعين أحيانا يمارس باسم الدين والإيمان, وأحيانا يمارس باسم العقل .

إذن احد أهم الأسباب هو الجهل, الذي يجعل الإنسان يقدس شخص أو شيء ما, من دون أي دليل عقلي مقنع, ويمكن اعتبار سبب أخر للتقديس ينطلق من الشخص نفسه! فهو من يطالب من الآخرين تقديسه أو تقديس ما يرى, فعندما تريد أن تقتل الأفكار وتمنع وصولها للناس فعليك بنشر فكرة التقديس, حيث يتحول الشخص أو الشيء المقدس الى مبدأ استبدادي أو الى صنم فكري, تتكسر عنده كل قيم الاحترام ووصايا الأنبياء وقواعد العقل, حيث تتحول الأكاذيب الى قناعات ذات أسوار عالية, فالرأي ما يراه الشخص المقدس وغيره كلها أباطيل.

وهذا المرض قديم ويحتاج لجهود جبارة ترتبط بالتربية والتعليم, ونشر ثقافة النقد والتعقل والاحترام, وإزالة صور الخوارق عن الحياة الواقعية, فكلنا بشر ولا وجود ل(لسوبرمان) أو أي وكيل عن السماء, فمن يدعي هذه الأمور هو مجرد دجال يسعى لاستغلال جهل الناس, وعلى الناس أن تتعامل مع الحكام والقادة ورجال الدين على أنهم بشر مثلنا, والاهم العمل على إزالة الطبقة السياسية الحالية, لأنها عمدت على دعم عوامل الجهل خلال 15 عاما لكي تدوم أيام سعدها.