يتواجد غالبية التركمان في شمال سوريا بمناطق حلب واللاذقية، ويسمّون ضمن السجلات العثمانية باسم “تركمان حلب”، وتركمان الشام للتركمان الذين يقطنون دمشق، في حين أن من يقطنون حلب والرقة يقال لهم “تركمان جولاب”أما تركمان منطقة اللاذقية، فيقال لهم “تركمان باير بوجاق”، نسبة إلى مرتفعات “بايربوجاك” (جبل التركمان) شمال اللاذقية..
باير بوجاق Bayir Bucak هي المنطقة الشمالية لـمحافظة اللاذقية في الساحل السوري. وهي من أجمل المناطق الطبيعية في سورية على البحر المتوسط. وأهلها من التركمان السوريون. ويقع جبل التركمان في الشمال الشرقي منها. وقد اشتهرت هذه التسمية مع تسمية باير Bayir التي تطلق على ناحية ربيعة بشمال منطقة اللاذقية في محافظة اللاذقية. بسبب العادات التركية التي يتميز بها أهل هاتين المنطقتين. حيث تقام حفلات المصارعة المرافقة لأعراس أهالي هذه القرى.
لكل شعب من شعوب العالم التقاليد والعادات الخاصة به التي تميزه عن الباقين، وكثيرًا ما تكون تلك العادات وليدة حكايات شعبية، أو تكون أسطورة يتناقلها الأحفاد عن أجدادهم، فيتمسكون بها خوفًا من ضياعها في ثورة الحضارة المرعبة،وبرغم الثقافات التي انتقلت الى سوريا مؤخرًا في تقاليد الزواج وأعرافه ما زال الكثير يذكر عادات وتقاليد الزواج لدى التركمان في سوريا قديمًا والتي بدأت تلك العادات تتغير تدريجيًا في المجتمع مع تغير الأزمان، فكان من أهم عادات وتقاليد الزواج لدى تركمان سوريا عامة السائدة آنذاك ، أن تأتي النساء الكبار من قبل أهل العريس حتى ترى العروس وإن أعجبتهم يتفقون على التفاصيل التي تخص الزواج وما إلى ذلك، ثم يجتمع الرجال من أهل العريس ويجهزون أكبر تجمع من وجهاء العشيرة او العائلة ليذهبوا للخطبة بما يسمى بالوقت الحالي “المشية بالعربي ” وكلما كان عدد الرجال فيها أكثر، علا شأن الشاب الخاطب هيبة وتباهى أهل العروس بذلك. ومن ثمّ بعد الاتفاق بين الطرفين تبدأ الطقوس المتعارف عليها بإحضار جهاز العروس “النيشان” مع المهر المتفق عليه، ثم عقد النكاح ليلة الزفاف ويقيم أهل العريس العارضة بانتظار العروس، فأجمل ما يميز عادات وتقاليد الزواج ليلة العرس,حيث يستمر العرس التركماني في الباير والبوجاق يومين متتاليين ، يبدأ مساء يوم الأربعاء بعد غروب الشمس وينتهي صباح يوم الجمعة بعد الساعة الثانية ، وقد تستمر حتى الساعة الخامسة إن كان هناك مصارعة تركمانية .
مساء يوم الأربعاء تذهب النسوة إلى بيت العروس مع ثلة من الرجال من أقارب العريس ، حيث يقمن بالغناء والرقص ووضع الحنة على يد العروس وتسمى هذه الليلة ليلة الحنة ، إلا أنها لاتطول كثيراً ، حيث أنهن يعيدن أدراجهن حوالي الساعة الحادية العاشرة .
وفي اليوم الثاني يتم التحضير مبكراً لكل شيء ، وعادة يذبح الذبائح لإقامة الولائم ، وبعد العصر يذهب الجميع لاستحضار العروس ، فتصف قافلة السيارات ، ويقوم راعي الحفل أو من ينب عنه بإعطاء التعليمات للجميع بالتمهل والتعقل والسياقة الهادئة وعدم الاستعجال ، ويبدأ المسير بإطلاق العنان للمزامير السيارات والدرجات النارية التي تصم الآذان وتشق عنان السماء ، فالكل يسرع ، والكل يسابق الكل ، خلافاً للتعليمات التي صدرت قبل قليل ، إلا أنهم لايسبقون سيارة العروس ، وعندما يصلون إلى منزل العروس يقيمون حفلة صغيرة لاتزيد عن نصف ساعة ، بعدها يتم إخراج العروس وقد أمسك بزندها الأيمن العريس ، وبالأيسر ولي أمر العروس الذي يكون والدها ، وإن لم يكن لها والد يقوم بالمهمة أخوها الكبير أو عمها ,فتخرج من دارها التي كانت تعيش فيه طيلة حياتها، إلى بيت العريس حيث ستبدأ الحياة الجديدة التي تنغمس بنشوة الاحترام والالفة والبساطة.
وحين تتراءى العروس من على البعد تبدأ النساء والفتيات بالغناء على النحو التالي :geline bak geline, kınalar yakmış eline أي انظر إلى العروس ، إلى العروس لقد وضعت الحنة في يديها ،أما لباسها فهي لباس الزفاف البيضاء تزينها الحشمة والسترة والوقار .
ويعود الموكب بطريق غير الطريق الذهاب لكنه بنفس العادة من التزمير وصريع الدراجات إلى أن يصل الموكب سالماً إلى انطلق ، فيصطف المسير وينزل الجميع إلا أن العروس تأبى أن تنزل ، فهنا يستدعى والد العريس ،ويقولون له : إن العروس تأبى أن تنزل من السيارة ، تريد أن تهب لها هدية ما ، وإلا ستبقى حيث هي ، فماذا تقول ؟ فلا يملك المسكين وقد أرهقته الأعباء والمصاريف إلا أن يقول : انزلي يا بنتي انزلي لقد وهبت لك شجرة الزيتون كذا ، ويسميها ، أو العجلة كذا ، أو العنزة ….وهكذا وفعلاً هذه الموهوبات تصبح ملكاً لها . وبعد نزول العروس بقليل يستدعى أحد مشايخ القرية لعقد القران .
فهنا تكون الشمس قد أزفت بالمغيب وراحت تودع الأفق الشرقي مخلفة وراءها هالة حمراء قرمزي اللون رائعة الجمال فوق صفحة البحر اللازوردي، كل من يراه يتذكر أنه سيودع الدنيا هكذا دائراً ظهره لكل شيء إلا أن العروسين ساهيان عن المنظر المتأنق ، فلهما شأن يغنيهما .
وفي هذه اللحظة تجهز موائد الولائم ، ويأكل من يجد في نفسه رغبة بالطعام وخصوصا من كان من خارج القرية .
وبعد الانتهاء من الطعام يبدأ الحفل ، ويكون عادةً في ساحة مفتوحة حيث يصطف الجمهور المتفرج حول الساحة على شكل حلقة ويبقى داخلها كل من يشارك في فعاليات الحفل وتعزف الموسيقى ، ويرنم الغناء التركماني والعربي ، وتكون الجوقة الموسيقية إما طبلاً وزمراً أو فرقة موسيقية تركمانية يؤتى بها من مدينة حلب ، وهناك على نطاق ضيق أعراس تتم بإحضار فرق دينية التي تعزف الأناشيد والمدائح النبوية .
أثناء الحفل يتم عقد دبكات حيث تشبك الأيدي يبعضها البعض ويتم التحرك يميناً بثلاث خطوات متتاليات والخطوة الرابعة تكون تراجعاً نحو اليسار وتعزف الموسيقى الراقصة ، وهكذا يستمر الاحتفال بين دبكة وغناء ورقص إلى ساعة متأخرة من الليل ، أما إن كان هناك مصارعة فإن الحفل يستمر حتى طلوع شمس يوم الجمعة .
وتجدر الاشارة بانه لا تختلف باير بوجاق عن أعراس في قرى التركمان في مدينة حمص وحماه وحلب وخاصة تلك المطالب التي تكون للعروس قبيل نزولها من السيارة بعد الزفة في بيتها الجديد (سابقا كانت الزفة على ظهر الجمل او الحصان ) ويزيد عليها ضرب العجينة التي تقدمها (الحماية) للعروس لكي تلقي بها على باب الدار فإن التصقت يا للفرحة وإن لم تستطع العروس أن تلصق بها تبدا النسوة بالاهازيج أي أن إلتصاق العجينة في باب الدار تعني التصاق العروس ببيتها الجديد وهكذا توارث الابناء من الاباء والاجداد هذه العادات القديمة علما هذه العادات موجودة لدى التركمان اينما كانوا في وطن الاجداد تركمانستان ولدى تركمان صحرا في ايران وافغانستان وفي الكثير من المناطق في تركيا .
رغم حركات الهجرة التي تعرَّضوا لها، فإنهم تمكَّنوا من الحفاظ على التقاليد والموروثات العامة التي ورثوها من الاجداد. طبعا في الفترة الاخيرة أصبحت عادات وتقاليد الزواج لدى التركمان مختلفة تمامًا الآن، حيث تحولت الزفة من ركوب الجمل والحصان إلى اقتناء السيارات الحديثة، وحتى انحصرت الزفّة لجلب العروس بسيارة واحدة فقط والذهاب بها إلى بيت العريس، أو إلى قاعة الزفاف التي يجتمع فيها المدعوين من أقارب العروسين والأصدقاء، والفارق الكبير في أعراس الأجيال القديمة والآن، وصل للمجالات المتعلقة بالتكاليف، فاليوم يُحسب للخطوبة والعرس والحفلات، والأمور التي تطلبها العروس ألفَ حساب، فأصبحت الأعراس الآن بشكل عام مجرد تفاخرًا لدى البعض بالأمور الشكلية بعيدا عن بعض العادات والتقاليد القديمة واصبحت الاعراس أكثر كلفةً عن الماضي بكثير .