عندما تقع المرأة في الخطأ لأول مرة ، ربما يصبح الخطأ فضيحة وتخجل المرأة من فعلتها وقد تحاول مداراتها او التوبة عنها ..أما عندما يتكرر الخطأ وتقدم عليه بكل جرأة فلن يحمل صفة الفضيحة بل الفساد ولن تخجل منه لأن نقطة الحياء تكون قد سقطت الى لاعودة …
في واقعنا السياسي ، تكررت الفضائح التي يرتكبها المسؤولون فحملت صفة الفساد وسقطت نقطة الحياء الاخيرة من جباههم فلم يعد احد منهم يخجل من سلوكياته …وبعد ان كان الفساد غير ظاهر بشكله الفاضح ويمكن ان يقابل باستنكار اذا اكتشف أمره ، تحول الآن الى جزء لاينفصل عن النظام …
قبل عام تقريبا وفي لقاء معه ، قال مسؤول عراقي رفيع المستوى ان الفاسد لايترك اثرا وراءه ولادليلا ضده فليس هناك احد يشهد لصالح المتضرر خوفا من ضغوط الاحزاب والشخصيات المتنفذة التي تحمي الفاسدين فقد يتم تهديد القضاة او رجال الأمن لتنطفيء جذوة الفتيل قبل اشتعاله وهكذا اصبحت السلطة ذاتها غطاءا للفاسد وتم تمرير عشرات الصفقات الفاسدة والعمليات القذرة تبعا لذلك وفي كافة المجالات والوزارات ومفاصل الدولة .. ولأن انعدام السلطة يحدث الفساد وانعدامها بدرجة مطلقة يحدث الفساد المطلق كما يقول احد المفكرين فأن وجود الفساد تحت غطائها يعني اليأس المطلق من الاصلاح !!
منذ سنوات واخبار (عاجل ..عاجل ) تحمل لنا يوميا اصنافا مختلفة من طبخات الفساد فهناك قروض بترليونات الدنانير حصل عليها مسؤولون للدولة مقابل عمولات خاصة لهم ، واجهزة سونار مخصصة لكشف المتفجرات لم تعدو كونها اجهزة لكشف فاعلية منظفات الغسيل ، وهناك مليارات من الدولارات التي انفقت على مشاريع وهمية ومهرجانات ومؤتمرات خائبة ، وهناك مصارف مهمتها غسيل الاموال ، وصفقات استيراد اسلحة فاسدة ، واغذية لاتصلح للاستخدام البشري وادوية منتهية الصلاحية عدا الاموال التي تنفق على سفرات وايفادات المسؤولين
وعملياتهم الجراحية والتجميلية ، لدرجة اننا لم نعد نستغرب الفساد بل النزاهة ولم تعد اخبار (عاجل ) تثير فينا الدهشة بقدر نظافة يد مسؤول ما من صفقة ما تخص وزارته او مؤسسته ..لذا وحين اعلن عن كشف وزارة الداخلية عن تجهيز وزارة الصناعة للقوات الامنية بدروع لمواجهة الموت غير مطابقة لمواصفات المتانة والجودة ومصنوعة من القماش و(البليت ) ، لم نستغرب التضحية بالقوات الأمنية وتجريدهم من دروع ربما تحميهم وهم يواجهون خطر الموت يوميا من أجلنا بل ادهشنا كيفية تمرير مثل هذه الصفقات بسهولة في وزارتين مهمتين الاولى صنعت والثانية وافقت على المواصفات رغم ردائتها ..صحيح ان وزارة الداخلية اعلنت عن معاقبة اللجنة المسؤولة عن تمرير هذه الدروع والحكم على افرادها الا اننا تعلمنا درسا بليغا من صفقات الفساد السابقة وهو ان اللجنة ليست المسؤولة الاولى والاخيرة بل هي حلقة صغيرة ضمن حلقات اكبر واكبر وان الصغار لايمتلكون الجرأة على ارتكاب الفساد مالم يحميهم الكبار ويمنحوهم غطاءا لتمرير فسادهم …
واذا كانت احدى الشركات الكندية قد اقنعت الصين ببيع هواء نقي معبيء لها لتواجه مشكلة تلوث الهواء ووافقت الصين على استيراد آلاف العبوات لتحل مشكلتها الخطيرة رغم اعتراض بعض الخبراء الذين يرون بأن تنقية الهواء افضل من استيراده ، فنحن نواجه مشكلة اكبر وهي ان مسؤولينا باتوا يستوردون لنا ويصدرون لنا هواءا فاسدا سمم حياتنا وجعلنا نتابع اخبار (عاجل ..عاجل) دون ان نندهش ..او حتى نستنكر!!