كم (كان) عدد المعسكرات الأمريكية في العراق منذ 2003 وحتى لحظة مغادرة آخر جندي امريكي للاراضي العراقية ؟
ما هو العدد الكلي لقطع الأسلحة الأمريكية الثقلية التي تغادر العراق ؟
مع هذين السؤالين، هناك أسئلة تتوالد وتتشابك لترسم صورة المشهد البيئي العراقي بعد أكثر من ثمان سنوات من الفعاليات الأمريكية فوق الأراضي العراقية. والصورة تبدو فوضوية الألوان بسبب تضاربها وتمازجها مع الواقع البيئي العراقي الذي هو بالأساس واقع غير سار رغم إنعدام المعطيات الرسمية ولكن ما نراه ونشعر به أهم من تلك المعطيات والتي وإن تكن موجودة فانها تفتقد المصداقية لتجنب بث الرعب في المجتمع رغم أن المجتمع في غالبيته بعيد عن الوعي البيئي بمفهومه الحديث وربما أن الأرقام البيئية لا تعني لمعظم أفراده غير أرقام مملة.
هل كانت القوات الأمريكية تتبع نظام إدارة النفايات في معسكراتها؟ تلك التي تشمل عزل النفايات الخطرة ومعالجتها والتأكد من مستويات التراكيز السامة (في الحدود المقبولة عالمياً) قبل طرحها إلى الصحراء أو دفنها أو حرقها؟ هل قامت وزارة البيئة العراقية بأخذ عينات من مجرى مائي يمر بقرب من معسكر أمريكي للتأكد من عدم رمي النفايات الخطرة في المياه العراقية؟ هل طلبت وزارة البيئة العراقية أن يمثلها مهندس بيئي في المعسكرات الامريكية للتأكد من تطبيق المعايير الدولية في إدارة النفايات؟
كل هذه الاسئلة تتوالد حين لا أسمع بفقرة في خطة الإنسحاب الأمريكي تلزم الجانب الأمريكية بإزالة النفايات أو إدارة النفايات أثناء إنسحاب قواتها من قواعدها ومعسكراتها في العراق وهنا نتسائل عن دور وزارة البيئة في ضمان بيئة صحية وسليمة في العراق كله وخاصة أن عدد القواعد والمعسكرات الأمريكية في العراق (كان) أكثر من خمسمائة موقع، بمعنى أن العراق كله مغطى بالقواعد الأمريكية وعدم شمول هذه القواعد والمعسكرات الأمريكية بالمراقبة من الجانب العراقي (وزارة البيئة العراقية) يضع علامات كثيرة عن نشاط وزارة البيئة ونرجو أنها ليست فقط وزارة ترضية. ومع وجود أكثر من مليون ونصف مليون قطعة عسكرية ثقيلة ومتوسطة فأن حركتها على الأراضي العراقية أثناء الإنسحاب إلى الاراضي الكويتية تضعنا في وسط صورة قاتمة عن تأثير أوزان تلك المعدات الثقيلة على تماسك التربة العراقية وخاصة في الجنوب العراقي المعروف بهشاشة التربة نتيجة الملوحة العالية .
ثم أن هناك المكاتب الميدانية أو (الكرافانات) في المعسكرات العسكرية، ولأن الصيف العراقي في المدينة أو الصحراء هو صيف قاس على القوات الأمريكية القادمة من مدن لا تعرف الصيف، فأن هذه (الكرافانات) في المعسكرات الأمريكية (داخل العراق) كانت مزودة بطبقات من العوازل لعزل حرارة الخارج عن داخل المكتب، والعوازل التي تستخدم في مثل هذه الحالات معظمها ألياف الصوف الحجري أو ألياف الأسبستوس التي تسبب السرطان ويجب التأكد من عدم تطاير الألياف أثناء تفكيك تلك الكرافانات وتفكيك أنظمة التبريد والعزل فيها، ورغم أن أستخدام الأسبستوس قد توقف في الدول التي تتبع نظاما بيئياً صارما وشديدا وتم إستبدال تلك الألياف بمواد أقل ضررا على البيئة والصحة، لكن لا أعتقد أن الجانب الأمريكي سيتبع معايير بيئية تحدد عدم إستخدام الأسبستوس أو ضمان عدم تطاير أليافها اثناء تفكيك الكرافانات لأن تلك المعايير العراقية غير موجودة اوغير فاعلة، أو أنها غير ملزمة للجانب الأمريكي لأسباب لا نريد كتابتها لأنها قد تدفع بالمقالة إلى نقاط لا نريدها بسبب طبيعة المقالة وحساسية تلك النقاط.
أين كانت تـُحرق نفايات المعسكرات الأمريكية؟ وهل تلك المحارق صممت بحيث أن إنبعاثاتها تكون بعيدة عن المدن والمناطق السكنية العراقية؟ هل جرى بحث إتجاه الرياح في تصميم والمصادقة على تصاميم تلك المحارق؟ فالمعلوم أن روائح حرق النفايات تملأ الأحياء السكنية في المدن العراقية التي تكون على مسار واحد من إتجاه الريح الآتية من المعسكرات الأمريكية، وهي روائح تشير (للمختص) إلى وجود نفايات سامة في هذه المحارق أو نفايات عضوية من مخلفات المستشفيات الميدانية، وأعتقد أن زيارة فريق علمي مختص من وزارة البيئة العراقية إلى المواقع التي (كانت) فيها القوات والمعسكرات الامريكية ستظهر مدى تطبيق الجانب الأمريكي للمعايير الدولية في إدارة محارق النفايات، فان كانت مطبقة، نستطيع الإستفادة من خبراتها وتصاميم تلك المحارق، وإن كانت غير ذلك، تستطيع وزارة البيئة العراقية رفع قضايا بيئية ضد القوات الأمريكية في المنظمات البيئية العالمية أو جعلها قضية للبحث العلمي للوصول إلى حلول تطبيقية لمعاجلة مخلفات القوات الأمريكية.
ثم..هل قامت وزارة البيئة العراقية بنصب محطات مراقبة جودة الهواءAir Quality Monitoring Station AQMS بالقرب من معسكرات القوات الأمريكية بالعراق؟ هذه المحطات تكون متنقلة وتقوم بقراءة نسب الملوثات الموجودة بالهواء من إنبعاثات غازات تلوث الهواء أو دقائق صلبة صغيرة الحجم (أقل من عشرة مايكرون) والتي تدخل إلى الرئة فتتسبب في مشاكل صحية، وتستطيع الوزارة زيادة معطيات هذه المحطات بإضافة Modules والتي قد تكون مواد كيمياوية عضوية متطايرة VOC(والتي تأتي اكثرها من المنظفات المذيبات وهي مواد تستخدم بكثرة في القواعد العسكرية) او إنبعاثات الغازات الهيدروكاربونية نتيجة حركة المعدات الثقيلة ، ولكن كل ذلك يتطلب بالأساس وجود معايير عراقية لجودة الهواء، وإن لم تكن موجودة فأن الأساس القانوني والمرجع العلمي هو المعايير الدولية العالمية.
كان على القوات الامريكية أن تقدم تقرير التأثير البيئي لإنسحابها من العراق Environment Impact Assessment EIA لدراسته من الجانب العراقي والبرلمان العراقي بلجنة متخصصة ووضع آليات السيطرة Control Measures ولكن لا أعتقد أن الجانب العراقي قد طالب بمثل هذا التقرير من الجانب الأمريكي لدراسته والمصادقة عليه قبل حركة المعدات والقوات الأمريكية من قواعدها بإتجاه الكويت. فلو أن العراق قد فعل ذلك، لكان قد جمع بيانات بيئية ثمينة كانت تكون مصدرا في أي دعاوى بيئية مستقبلاً ضد الممارسات البيئية الخاطئة التي أتبعتها القوات الأمريكية بالعراق، غير أن من يتعامل مع العراق هو الجانب الرابح أبدا على حساب العراق بسبب سوء الإدارة العراقية في الخدمات وعمودها الأساسي الحالة البيئية، فالبيئة في العراق تحتاج إلى تخصيصات هائلة وبحوث علمية ودراسات جامعية توازي سوء حالتها التي تقربها من مستويات كارثية خاصة في الجنوب العراقي ، وحقيقة الحالة هي كارثة غير معلنة ولكن قريباً سنسمع صيحات إعلانها.
* خبير في الإدارة البيئية