لم تعد عمليات النفخ والتجميل محصورة محليا بالفيلر والبوتكس لتكبير الشفاه والصدور وتجميل الخدود،كما انها لم تعد قاصرة على التاتو والبيرسينغ فضلا عن شفط الكروش التقدمية و تصغيرالخلفيات الرجعية ونحوها، لا ،فهناك عمليات نفخ وتجميل طارئة وخطيرة آخذة بالتصاعد كبخار ماء مجتمعيا وبإطراد مقلق للغاية متمثلة بعمليات”نفخ الذات”حتى كادت أن تتفوق على نظيرتها في السوء وأعني بها”انتفاخ وتضخم الذات” والتي سنخصص لها حلقة منفردة في القريب العاجل بمشيئة الله، فبت ترى بعض المخلوقات ممن ظلت الأنظمة الحاكمة المتعاقبة ولا استثني منها أحدا لا ملكية ولاجمهورية ،لا يسارية ولا يمينية -تكفخ به وبعشيرته- فيما هو يهلل موالاة ويتراقص رغبا ورهبا بين أيدي جلاديه ورؤسائه ومستعبديه مستجديا ذلهم داعيا إياهم الى مزيد من -التكفيخ -المحلي الذي أدمنه ماسيوشيا حتى صار وكلما تنوعت صور الصفع والركل والاهانة بحقه وزادت حدتها ،كلما ارتفعت عنده حمى المديح والثناء والفرح الغامر والترنم بـ”المُكفخ “وهو يردد طربا ” ياجماعة لقد بصق عليَّ الرئيس،لقد نصَب عليَّ الزعيم ،لقد سخر مني المسؤول،لقد مخط عليَّ السيد” داعيا له بمزيد من السطوة والقوة والنفوذ والمال وبطول العمر والعافية، كيف لا وعند هؤلاء – ضرب الحبيب اطيب من اكل الزبيب – الا أن هذا المكفوخ وفي محاولة خائبة منه لتعويض النقص الهائل الذي أصاب شخصيته بمقتل وهوى بعزته وكرامته الى أسفل السافلين حتى أنه أصبح مجرد صفر على الشمال ولإرضاء ذاته المنهارة يضطر وفي ظاهرة باتت تتنامى مجتمعيا بصورة لافتة لنظر المراقبين الى إخضاع نفسه الى عملية – نفخ ذات -غير حقيقية أمام أصدقائه وأقربائه وجيرانه ومعارفه ترميما لكينونته المنهارة وتجميلا لأنفه الممرغ بالتراب رغما عنه ،حتى وصل بنا الحال الى مرحلة النفخ بمناصب وانجازات وشهادات وتكريمات -هوائية – لا وجود لها على أرض الواقع نحو :
– باركولي لقد أصبحت -خبيرا بصناعة الكبة والحامض شلغم – على يد الطباخ تيسير ابو البلغم !
– اليوم كلفت بآدمنية صفحة جديدة على الفيس بوك وبذلك صرت مديرا لسبع صفحات على السوشيال ميديا ، ليعقبها بأغنية “الاسعد مني منو ..آنه بحلم لو صحو” .
– هنئوني ايها الزملاء الاعزاء لقد صرت نائب شيف دجاج في مطعم – مندي وكشري الكراج – !
باركوا لي لقد حصلت على شهادة بدرجة خبير في فنون القيادة من معهد – صناعة القادة – برئاسة الخبير والمدرب الدولي فالصو هب بياض جرادة !
– ياجماعة سمعوني الهلاهل لقد صرت توب شيف بإعداد الفول وصناعة الفلافل !
– ان من دواعي سروري وامتناني أن أزف البشرى لأخواتي واخواني،على خلفية حضوري مهرجان – عيد الشجرة – الذي اقيم في الهواء الطلق والذي تم خلاله زراعة أول شجرة في الصحراء ايذانا بتحويلها الى – جنة خضراء – بدلا من – ارض جرداء – هذا في حال ظلت الشجرة الأولى على قيد الحياة ولم يصبها ما اصاب العراق كله من بلاء وداء ووباء وغلاء، ومن غير لقاح ولا علاج ولا دواء !
– يسرني الاعلان عن حصولي على منصب سفير سفراء السلام العالمي من منظمة”أحباب السلام الدولي” ومقرها بروكسل .. لقد وقع علىًّ الاختيار كخبير خبراء حقوق الانسان من منظمة “سلميون بلا حدود” ومقرها باريس لأكون ممثلها في العراق وشمال افريقيا والشرق الاوسط ..تم تعييني مندوبا لمؤسسة الثقافة الدولية الانسانية المتخطية للقارات في عموم المدن والقرى والمحافظات…صرت ممثلا لجمعية”ماوراء البحار”لصناعة الحرير وتربية المحار..وهلم جرا ،كل ذلك مشفوعا بشهادات – كوبي بيست،زرق ورق – الكترونية فوتو شوب تغص بالاختام والتواقيع والشعارات الملونة لمنظمات لاوجود لها ، وكل ما تقوم به تلك المنظمات الكارتونية هو رفع صورة هذا الشخص واسمه الكترونيا لإضافة اسم شخص آخر مكانه مع وضع صورته مقابل مبالغ مالية وفي بعض الاحيان مجانية لإصطياد المغفلين، وهكذا الاف الشهادات التي تتطاير ذات يمين وشمال ولاقيمة لها مطلقا ،هذا اضافة الى شهادات الدكتوراه الفخرية الالكترونية من جامعة – بقلاوة -الهولندية ..كلية – كنافة – الكندية ..معهد الهندسة الالماني – لتلميع النحاس وتنظيف الاواني – ..الاكاديمية الاوكرانية لمنح العالي من الشهادات – في فنون الراشديات والجلاليق والبوكسات -، وذلك في ظاهرة فوضوية وعبثية دخيلة على مجتمعنا المبتلى حاليا بكل أنواع الافات والامراض والملوثات ، نعم لقد اضطررت في السطور الانفة الى العبث بمسميات هذه المنظمات وعناوينها تلافيا للترويج لها، مع أن أسماءها وأسماء من يتصدرون مواقعها ويديرونها معروفة للمراقبين علاوة على من يروج لها ويتباهي بالحصول على شهاداتها أمام الناس، ولا شك أن أخطر ما في هذه الكنى والالقاب والشهادات – المضحكة – التي تمنحها تلكم المؤسسات – الشبحية – تكمن في أن حملتها يقودون حاليا ويترأسون عشرات الجمعيات والمؤسسات والمنظمات والمعاهد – الفضائية – المفلسة التي تعتاش على – الفخفخة الفارغة – وعلى بيع الهويات والشهادات للمنتسبين لا اكثر، بعض هؤلاء من المغفلين وبعضهم من عشاق الاستغفال ،فيما بعضهم الاخر يروم ويبيت النية بدوره للضحك بهويته ومنصبه وشهادته – الكلك – التي يعلم يقينا بزيفها على ذقون كل من حوله وبذات الاسلوب الماكر، بل وهناك من يعد العدة منهم حاليا لدخول الانتخابات المقبلة بها ما يعني ان جيلا جديدا من الفاسدين والمفسدين والمخادعين سيقود العراق الى الهاوية قريبا جدا على خطى سلفه طيلة 17 عاما في حال لم يتم تدارك الكارثة وفضحها على الملأ والعمل على كبح جماحها قبل ان تستفحل وتتحول الى وباء قاتل اسوأ من كوفيد – 19 !
اليوم وانا اقرأ وأتابع كل هذه -النفخ الذاتي – العجيب وغير مسبوق للذات المنهارة عموما على عشرات الصفحات لأناس يدركون في قرارة أنفسهم بأنهم صاروا وفي ظل الاوضاع المرتبكة في عموم العراق مجرد -طز وفش – لأقف حائرا ومذهولا إزاءها ، لقد وصل الحال ببعضهم واذا ما مات شخص معروف بكورونا أو بغيره وتم نعيه على منصات التواصل أن ينبري مسرعا للتباهي مستغلا الفجيعة بوفاة الموما اليه معلقا” لك لا ..لك هذا نسيبي ..هذا قريبي ..هذا زميلي ..لك مع الاسف، قبل يومين كان عازمني على باجة ..ايباه البارحة كان يمي بالبيت ..هذه صورته معي قبل 40 سنة عندما كنا تلامذة في إبتدائية العطاء المختلطة..ايييه كلنه على هالطريق ” أملا بأن تتحول بعض تعزيات اصدقاء الصفحة اليه فيصير محط انظارهم ولو للحظات يخدع بها نفسه !
وأقول لهؤلاء وأمثالهم ” اما أن تأتي بما يخدم الأمة ،الدين ،المجتمع ،الشعب ،البلد ،المدينة ،الحي،المنطقة،المحلة ،الزقاق ،فعليا وواقعيا وعمليا وحقيقيا ولو بالحد الادنى، وإما أن تصمت نهائيا – وتسد حلكك – لأن الناس مو غشمه ، ولأن الناس – لعبانة نفسهه حيل وكلش – من الفاسدين والمفسدين والمرتشين والمزورين ومنتحلي الصفة والكلاوجية والهتلية والسرسرية ممن اوصلوا العراق الى نقطة الصفر واللاعودة وساروا به الى حافة الهاوية والانهيار الشامل الكامل، فلا تصير كلاوجي وهتلي ومرتد لأقنعة تهريج مثلهم ، ولاتبع دينك وضميرك بدنيا غيرك لأجل مديح – طياري- والفت انتباهكم الى ان الرجال الحق قولا وفعلا وكلما خدموا مجتمعهم أكثر، كلما تواضعوا اكثر وخجلوا من انفسهم اكثر واكثر وتواروا عن الانظار خشية التقصير والقصور وخوفا من الوقوع في حبائل السمعة والشهرة والرياء والمراء وكتموا ما يقومون به من انجازات فعلية وعمل للخير حقيقي يصب في الصالح العام ، بخلاف رجال الفوتو شوب ونفح الذات ممن صاروا كنافخي الشفاه والخدود بالبوتكس والفيلر غايتهم التجميل الصناعي لا اكثر ،ولأن نفخ الذات والتباهي بإنجازات حقيقية ملموسة يعد أمرا مكروها على وفق التقاليد والأعراف الحسنة ، فما بالكم بالتباهي ونفخ الذات على لا شيء اطلاقا ؟! أودعناكم اغاتي.