28 ديسمبر، 2024 8:30 ص

أعلى الفرح وأعلى الحزن اجتمعا للمرة الاولى  في لحظة واحدة تمددت على طول قراءتي العمل اللامع للروائي والشاعر احمد سعداوي “فرانكشتاين في بغداد” . ألأعلَيانِ الحزنُ والفرحُ تزاحمت اسبابهما لتشوش عليّ بعض مشاهد الرواية فاعود الى بداياتها كي استعيد تركيزي على الشخصيات والاحداث مرة اخرى واتقن تخيلي لتجسيدها  ، الفرح في اننا نقطف ثمرة طيبة نادرة من  شجرة التاريخ العراقي الخبيثة التي عادة مانحظى بحصاد شرورها ، ثمرة تثأر لأدبنا المهمش المنسي وادبائنا الكهول الآن او من رحلوا عن عالمنا  ممن قضوا اعمارهم يقتطعون من قليلهم او من رزق اطفالهم ليطبعوا اشعارهم وقصصهم  تاكيدا للحضور  وسعيا للخلود او لاسباب مجهولة ، ثأرا لكتاب عراقيين كبار استحقوا اعلى واعظم الجوائز لكن شحة تاثيرنا دوليا وعزلتنا وامراضنا السياسية حرمتهم من ذلك ، ثارا من مزبلة  قصص وروايات قادسية صدام ،والاموال التي اغدقها الديكتاتور على كتَبةٍ بائسين مزوِّرين يتقاضون مكافآت ضخمة فيما الكتاّب الذين يحترمون انفسهم يتقاسمون السندويشات في مقهى حسن العجمي، ثأرا من ذبح الحرية والدسائس الثقافية ورقابة المطبوعات ، للجُمل السرية التي نغلفها كي لاتُقرا ! ونجهد في صياغتها لنجعلها غير مفهومة ! ، ثأرا لذهولنا ونحن نحتفل بمجانين ديستوفسكي ومساطيل هيرمان هيسة وعنكبوتيات ماركيز ولعاب البرتومورافيا ولزوجة نابوكوف وسادية كافكا وثورية جنكيز ايتماتوف و و و ورهط طويل من مجانين الارض في الرواية والمسرح والشعر والسينما نحتضنهم في مقاهينا المتداعية ويومياتنا المُراقبَة ومدننا البائسة الفقيرة ،نسمع عن جوائز للادباء وعن الكاتب الذي يعيش من مداد قلمه وعوائد كتبه مع تسابق الشركات على طباعتها فيما يحمل الادباء العراقيون صناديق كتبهم على ظهورهم بعد ان يرميها الناشرون على الارصفة. فها نحن اليوم نرشح شابا برّاقا في سماوات الجوائز والشهرة والقراءة بكل اللغات ، ابننا الذي سنجعل دور النشر الظالمة الجشعة تتوسل اليه وسننشيء له حماية وادارة اعمال تدقق عقوده معها وشروطه عليها . نرشحه لجوائز النوابل العربية والخليجية والعالمية، ليس هو وحده بل جيله باجمعه الذي يثأر لابائه واجداده من شهداء الادب العراقي المهمش والمهجّر وهم يهرّبون اصواتنا كي تصف للعالم آيات الفناء والازمات التي تتناسل بين هذا الشعب المنكوب . 
 أما أعلى الحزن فهو مواجهة الحقيقة المُرّة ، حقيقة ان واقعنا وخيالنا تطابقا في وطن تحول فيه رد التحية باحسن منها الى رد الجريمة بابشع منها ، واذا كان فرانكشتيان الاصلي الذي  خلقته  “ماري شيلي” من خيالها المحض في بدايات القرن قبل الماضي وتقمص خيالها الممثل روبيرت دينيرو  وهو يجسد شخصيته في الفيلم الشهير ،  فنحن بعد  مئتي عام من كوميديا الدين والسياسة نجسده واقعا في بغداد حيث تستعاد اشلاؤنا المتناثرة خلف السدود وفي الترع والمزابل يوحدنا ظهورالشِسْمه كائنا مركّبا من مشتركاتنا، قدَمٌ له في النار كونه سفاحا والاخرى في الجنةِ كونه ضحية .
أعلى الفرح ان العراقيين كسبوا بعد السقوط بالسعداوي وجيله   حرب الابداع والحداثة والاجتهاد ضد التجهيل والتراجع والظلام ، واعلى الحزن ان خرابنا الروحي وحطامنا الجسدي واضطراب مصير بلادنا ينجعل ابداعا يسر الناظرين !