23 ديسمبر، 2024 6:46 م

ظليمة المواطن العربي بين الثوابت الإنسانية والمتغيرات السياسية

ظليمة المواطن العربي بين الثوابت الإنسانية والمتغيرات السياسية

أولاً : ظليمة المواطن المصري ـ المواطنون أنموذجا ـ
الدولة الفاطمية هي سلالة شيعية، تنتسب للفرقة الإسماعيلية من الشيعة، حكمت تونس، ومصر، والشام وعلى فترات في ليبيا والجزائر، والمغرب – لكن ليس بشكل مباشر وإنما عن طريق أمراء من أهل السنة كانوا تابعين للدولة الفاطمية بشكل سياسي لا عقدي – وأجزاء محدودة من غرب الجزيرة العربية وصقلية وكان لها نفوذ قوي في شمال السودان عبر إمارة الكنوز، بين عامي 909و1171 م.
العاصمة : القيروان: 909-920 م، مهدية، تونس920-973 م، القاهرة: منذ 973 م.
تأسست الدولة على جيوش قبيلة كتامة التي تعتبر أقوى قبائل أمازيغ الجزائر.
سلك الفاطميون مسلك العباسيين عند تأسيس دولتهم فمهدوا لدولتهم بالدعوة إلى الفكرة الشيعية في الجزائر والمغرب مصر واليمن، وأصبح لها أتباع وأنصار بكل من هذه البلاد، بل استطاعوا أن يستميلوا وزراء العهد الأخير للأغالبة، وكان داعي دعاتها في المرحلة الأخيرة قبل قيام دولتهم أبو عبد الله علي بن حوشب الشيعي، فعمل على نشر الدعوة للعبيديين الفاطميين في غرب شمال أفريقيا منذ سنة 280 هـ ثم شمال إفريقيا بكاملها سنة 289 هـ.استطاع أبو عبد الله أن يحشد جيشًا من أتباعه ويواجه دولة الأغالبة في حروب امتدت حوالي خمس سنوات حتى سنة 296، والتي استطاع فيها أن يقضي تمامًا على دولة الأغالبة.وامتد نفوذ الفاطميين في ذلك الوقت إلى أكثر أجزاء بلدان شمال أفريقيا حتى أصبحوا أصحاب السلطان المطلق في جميع الجهات الواقعة غرب مدينة القيروان.المؤسس عبيد الله المهدي(909-934م) نجح صاحب دعوته في القضاء على دولة الأغالبة وحمله إلى السلطة، معتمدا في ذلك على جيوش قبيلته كتامة البربرية في الجزائر ، ثم اختطّ مدينة المهدية بإفريقية (تونس الحالية) وجعل منها عاصمة له، إلا أن الفاطميين وحلفاءهم بعد ذلك زحفوا إلى المشرق وأسسوا القاهرة مع رابع خلفاء العبيديين المعز لدين الله الفاطمي، ولم يتبق منهم في الجزائر والمغرب وتونس إلا القليل. توسعت الدولة الفاطمية على حساب الخلافة العباسية استولى الفاطميون على شرق الجزائر ، ثم تونس، ثم ليبيا ثم صقلية التي بقيت في حكمهم حتى 1061 م. سنة 969 م استولى المعز(953-975م)  على مصر وبنى مدينة القاهرة بقيادة جوهر الصقلي .دخل الفاطميون في صراع مع العباسيين للسيطرة على الشام. كما تنازعوا السيطرة على شمال إفريقية مع أمويي الأندلس. كما تمكنوا من إخضاع الحجاز والحرمين ما بين سنوات (965-1070م). ازدهرت التجارة ونما اقتصاد البلاد ونشطت حركة العمران أثناء عهد العزيز بالله الفاطمي (965-996م) ثم الحاكم بأمر الله الفاطمي (996-1021م) وفي عهده انشقت عن الإسماعيلية طائفة من الشيعة.آخر الخلفاء وهو العاضد لدين الله الفاطمي وقع تحت سيطرة القادة العسكريين الأيوبيين. قام صلاح الدين الأيوبي وانقلب على الدولة الشيعية. تولى الوزارة منذ 1169 م، وأعاد الخلافة العباسية سنة 1171 م. وأعاد ذكر الخليفة العباسي.كان للفاطميين أثر كبير في التاريخ الإسلامي بشكل العام والمصري بشكل خاص، حيث تقدمت العلوم والفنون في عهدهم وكانت القاهرة حاضرة زمانها يفدها الطلاب من أنحاء العالم للتزود بالعلم والمعرفة وبنيت بها دار الحكمة والأزهر وانتشرت الكتب وجعل المال من أجل الشعراء والأدباء، وارتبطت الكثير من العادات والتقاليد والطقوس بالدولة الفاطمية في مصر حيث ما زال التأثير الفاطمي يظهر في مصر أثناء شهر رمضان والأعياد.وتميز العصر الفاطمي بالاهتمام بالأعياد والاحتفالات ونرى المقريزي يمعن في وصف الاحتفالات والمواكب الخاصة بالخلفاء.انتعشت في العصر الفاطمي كافة الحريات العقائدية الموحدة ، بحيث عاد أقباط ويهود مصر إلى الظهور على مسرح الأحداث من جديد باستثناء السنوات الأخيرة من عهد الحاكم بأمر الله ، فإنَّ باقي العهد الفاطمي كان عهد حريات للأقباط واليهود وبعضهم وصل إلى أرقى مناصب البلاط الفاطمي .كانت المساجد مراكز ثقافية وعمل العزيز بالله علي تحويل الجامع الأزهر إلى جامعة يدرس فيها الفقه الشيعي إلى جانب فقه المذاهب الإسلامية الأخرى، والعلوم .. من لغة وطب ورياضة، ووفر الفاطميون للطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم الإسلامي المسكن والملبس، و أنشأوا بالأزهر مكتبه ضخمه بها مخطوطات في جميع العلوم . كما اتخذ الفاطميون من قصورهم مراكز لنشر الثقافة الشيعية بصفه خاصة وألحقوا بها مكتبات تحتوي الألوف من الكتب .. مثل مكتبة القصر الشرقي ، التي أنشأها الخليفة المعز لدين الله. ويذكر المؤرخون أن الآلاف من الكتب تعرضت للحرق والنهب إبّان انقضاء حكم الفاطميين على يد الأيوبيين، ومن الشواهد المتصلة أن ما يعرف في مصر الآن بـ(تلال الكتب) إنما هو في الأصل المكان الذي جمعت فيه كتب ومخطوطات الفاطميين فأحرق معظمها وتـُرك الباقي لتغطيه الرمال وتدفنه. يذكر المقريزي أن الأيوبيين عندما سطوا على القصور الفاطمية ونهبوها كانوا ينزعون الجلود التي تغلّف المخطوطات ويتخذون منها أحذية ً.وتذكر الروايات أن صلاح الدين الأيوبي قد وجه جنوده إلى القتل الجَماعي للفاطميين ، من رجال وأطفال ونساء، لدرجة بقر بطون الحوامل حتى لا يلدن شيعياً من الفاطميين في مصر.
وينتهي حكم صلاح الدين الأيوبي .. ويأتي حكم المماليك .. ويأتي العثمانيون .. ويأتي الفرنسيون .. ويسقط الملك فاروق .. ويموت محمد نجيب .. ويموت جمال عبد الناصر.. ويقتل أنور السادات .. ويسقط حسني مبارك .. ويعود الأيوبيون مرّة أخرى تحت ظلال السلطة الجديدة !!!
فتم قتل القيادي الشيعي المصري حسن شحاتة مساء الأحد على يد مجموعة من السلفيين داخل منزل أحد أتباعه بحي الهرم بالجيزة، وذلك بعد حصار المنزل عصر يوم 23/تموز/2013 احتجاجاً على قيامه ببناء ((حسينية شيعية)) في بيته لنشر المذهب الشيعي .

وكان القيادي الشيعي يجتمع بعدد من الشيعة بمنزل أحدهم بمنطقة زاوية أبو سالم قرب الهرم، إلا أن مجموعة  ـ يعتقد أنهم من التيار السلفي ـ حاصرت المنزل ونشبت اشتباكات بين الطرفين، حوصر خلالها المجتمعون داخل المنزل، وتم حرقه على من فيه، مما تسبب في حدوث إصابات ووفيات بما فيهم الداعية الإسلامي الشيعي حسن شحاته (رحمه الله) .
والحالة هذه : والمواطن العربي يعاني الأمرّين ، جرّاء المتغيرات السياسية في وطنه ، دون أن يكون له الحق بالتمتع في الثوابت الإنسانية ، التي أهمها حرية التفكير ، وحرية الإعتقاد .
وكأنه لا يمتلك الحق الإنساني من أن يعتقد أو يؤمن بتنظيم سياسي ، أو دين ، أو مذهب يقتنع بصلاحيته لقيادة الحياة التي يعيشها .
ثانياً : ظليمة المواطن العراقي ـ المواطنون أنموذجا ـ
في عام 1959 إنتشرت الحبال لشنق العراقيين ، وفي عام 1963 إنتشرت الحبال لشنق العراقيين ، وفي عام 1968 إنتشرت الحبال لشنق العراقيين ، لا لشيء غير الإيمان بحزب يختلف عن الحاكم أو المتنفذ في الدولة التي كتب الله عليه أن يعيش المواطن فيها.
لو صح القول ؛ سمعت حديثاً للسيد نوري المالكي يقول فيه أنه لا يوجد سجين واحد في السجون العراقية محكوم عليه بسبب مخالفة في الرأي أو المعتقد أو الحزب ، وهذا لو صح ـ إنشاء الله صحيح ـ فهي مرحلة رائعة جداً وصل إليها الحكم في العراق ، نتمنى أن تصدق، ولو صدقت ، نتمنى أن تستمر !..
الإنسان ؛ هذا المواطن الذي قدّر له أن يولد في وطنه ، وقدّر له أن يفكـّر ، من الطبيعي أن يبحث عن نظرة شاملة للكون والحياة ، ربّما يراها في الهندوسية ، ربّما يراها في البوذية ، ربّما يراها في الإلحاد ، ربّما يراها في الدين ، ربّما يراها في العلمانية ، ربّما يراها في الإسلام ، ربّما يراها في المسيحية ، ربّما يراها في اليهودية ، ربما يراها في البروتستانتية ، ربّما يراها في الكاثوليكية ، ربّما يراها في الشيعة ، ربما يراها في السّنة ، ربّما يراها في القومية ، ربّما يراها في الماركسية ، ربّما يراها في اللا إنتماء، وربّما يُقهر على الإيمان بها لحفظ ما يتبقى لديه من عرض أو كرامة ، ثم يأتي حكم آخر يقهره على ما كان قد أقهر أن يكون عليه !!!
والحالة هذه أيضاً ؛ فلماذا تصادر الحقوق الإنسانية لبني الإنسان من قبل المتنفذين على قرارات السلطات في البلدان والأوطان ، وما هو ذنب المواطن الذي آلت إلى عقله قناعته بأن يؤمن بما يؤمن به من إعتقاد ؟!!
ثم ؛ من الذي يقرر الصلاح للأصلح ، الحاكم ، أم حركة التاريخ وتجاربه  ، سيّما أنَّ الأمور بخواتيمها .
من المؤسف حقاً ؛ أن يموت في العراق الكثير عبر التاريخ القديم والحديث ، بسبب الإختلاف في الرأي ، أو الإختلاف في العقيدة ، أو الإختلاف في المذهب ، أو بسبب الإرادات القاهرة !!! 
المشترك الشرعي الوحيد الذي يجب أن تشترك عليه العدالة في العالم هو :
(( المواطن الملعون في وطنه ، هو المواطن المجرم )) ..
المواطن الذي تلطخت أيديه بدماء الأبرياء ، وليس المواطن الذي تضمخ عقله بفكر أو معتقد !
مأساتنا ـ نحن العراقيين ـ
مرّة ً ؛ يغزونا الفرس الأخمينيون عام 539 ق.م ، فيسقطون مملكة وحضارة بابل العظيمة .
مرّة ً ؛ يغزونا هولاكو …
ذلك الذي مضى في تحقيق هدفه بالاستيلاء على بغداد والقضاء على الخلافة العباسية؛ فأرسل إلى الخليفة المستعصم بالله يتهدده ويتوعده، ويطلب منه الدخول في طاعته وتسليم العاصمة، ونصحه بأن يسرع في الاستجابة لمطالبه، حتى يحفظ لنفسه كرامتها ولدولته أمنها واستقرارها، كما رفض الخليفة الانصياع إلى ما قاله هولاكو على الرغم من ضعف قواته وما كان عليه قادته من خلاف وعداء، فضرب هولاكو حصاره على المدينة المنكوبة التي لم تكن تملك شيئا يدفع عنها قدرها المحتوم، فدخل المغول بغداد سنة (656هـ = 1258م(.حيث كانت المكتبة الكبيرة ببغداد تحتوي على وثائق تاريخية ثمينة وكتب علمية كثيرة تتراوح مواضيعها من الطب وعلم الفلك ، حيث تم تدميرها كاملة ، وقال المتبقون على قيد الحياة إن مياه نهر دجلة أصبحت سوداء نتيجة لكمية الحبر الهائلة من الكتب التي ألقي بها بالنهر.حاول العديد من مواطني بغداد الهرب ولكن تم اعتراضهم من قبل قوات المغول،وتراوحت أعداد القتلي من مائتي ألف حتى المليون قتيل. وكذلك تم تدمير المساجد، القصور، المكتبات العامة، المستشفيات والبنايات الضخمة التي استغرق بناؤها وقتاً طويلا، نهبها المغول جميعا ثم احرقوها بعد ذلك؛ تم أسر الخليفة ، وأجبر على مشاهدة دمار المدينة ، ثم أمر هولاكو جنوده فقاموا بلف الخليفة بسجاد وأوسعوه ضرباً ودهساً بالخيول حتى مات ، لأنهم كانوا يعتقدون أنه لا ينبغي أن يتم إراقة دماء ملكية .ومن كثرة القتلى اضطر هولاكو لتحريك معسكره بعيدا عن المدينة نتيجة للرائحة الكريهة التي كانت تتصاعد من الموتى والمدينة المدمرة. فظلت المدينة بعد ذلك مدمرة وخالية من السكان لعدة سنوات. وغالبا ما كان المغول يدمرون المدينة إذا ما وجدوا مقاومة فقط، أما المدن التي تستسلم على الفور عادة ما تمنح الرأفة.
مرّة ً ؛ يغزونا العثمانيون عام 1534 م
مرّة ً ؛ يغزونا البريطانيون عام 1914م
مرّة ؛ يقتلنا صدام حسين بمقابر جماعية 1991م
مرّة ً ؛ يقتلنا الإرهابيون بالمفخخات والأحزمة الناسفة  2003- ….؟!!
 لا لذنب ٍ سوى ؛ إننا ننتمي لآخرٍ مختلفٍ عن آخرٍ مختلفٍ ،عن جهلٍ أو خوف ٍ أو قناعه !!!!