23 ديسمبر، 2024 10:02 ص

ظاهرة غش الأدوية

ظاهرة غش الأدوية

انتشرت ظاهرة غش الدواء على الصعيد العالمي وخصوصا في العقود الاخيرة مما يوجب التعامل معها على أنها ليست جريمة امنية فقط ولكنها جريمة بحق الانسانية وجريمة اقتصادية فالدواء كمنتج يجب عدم اعتباره منتجا تجاريا فحسب وذلك لأن للدواء مميزات خاصه تجعله مختلفا عن أي منتج صناعي او زراعي اخر حيث أنه :
1- مادة مؤثرة على حياة الانسان فاذا اختفت من الاسواق ليس سهلا تبديلها بمادة اخرى.
2-لايمكن للانسان استبدالها بمحض ارادته بل بوصفة طبيب وليس كالغذاء حيث يمكن للانسان ان يستبدله حسب مزاجه ورغبته.
3-الدواء ليس منتجا عاديا ولا يمكن انتاجه بسهولة الا من قبل مختصين وفي مصانع وظروف خاصة , بينما الغذاء ينتج ليس فقط في المعامل ولكن في البيوت والمطاعم والمحلات والمزارع وهكذا.
4-الدواء يخضع للغش كأي مادة اخرى ولكن الغش فيه قد يودي بحياة الناس و يقتلهم او يذهب بصحتهم بدلا من أن يشفيهم.
5- أن ظاهرة الغش في الادوية اصبحت شائعة على مستوى العالم وكلما كانت البلدان اكثر تطورا استطاعت ان تقوم بأجراءات صارمة لمنع دخول الادوية المغشوشة.
يمكن تعريف الأدوية المغشوشة: بأنها تلك المواد التي تباع تحت مسميات غير مرخص بها من قبل السلطات المختصة المخولة بذلك, والغش قد يتضمن العلامة التجارية للمنتج( براند) والاسم العلمي(الجنريك), حيث يموه شكل المادة ومصدرها بطريقة تبدو للناظر أنها أصلية .
والمنتج المغشوش قد يتضمن غشا فيما يلي :
أ- عدم وجود المكونات الدوائية الفعالة
ب- وجود المكونات الدوائية الفعالة بكميات غير كافية منها
ج-وجودها بكمية غير محسوبة بدقة أي اكثر من المفروض
د-تبديل تاريخ انتهاء المفعول لمنتج منتهي المفعول
ه-غلاف الدواء مزور أي الغلاف مقلد للاصلي
يعتبر غش الادوية مشكلة عالمية كبيرة لكونه شائعا في الكثير من بلدان العالم ولا يعرف الحجم الحقيقي للمشكلة , وذلك بسبب صعوبة تتبع الغش لكونه مشكلة كبيرة وتجارة عالمية تدخل فيها مافيات ودول.
ان مقدار إنتشار الادوية المغشوشة يتراوح بين أقل من 1% في البلدان المتقدمة وحوالي 30% في البلدان النامية حسب تقدير منظمة الصحة العالمية وقد تصل الى 50% في دول افريقيا حسب بعض المصادر.
وقد يؤدي غش الادوية الى موت جماعي للمرضى كما حدث في نيجيريا عام 1995 بسبب دواء يستعمل كمضاد حيوي لالتهاب اغشية الدماغ وكان مزيفا مما ادى الى موت المرضى الذين استعمل في علاجهم . وكثيرا ما نشاهد كاطباء عدم فعالية الادوية في شفاء المرضى كما في المضادات الحيوية او تردي وضعهم الصحي مع استمرار الاستخدام او عدم تسكين الألم بالنسبة للمسكنات او عدم خفض درجة حرارة المريض او عدم فائدة المعقمات والمطهرات مما يؤدي الى زيادة نسب التلوث في الردهات وصالات العمليات .
تشكل ظاهرة غش الادوية مشكلة للطبيب والصيدلي والدولة وللمريض ,فعدم اكتساب المريض الشفاء يؤدي الى التشكيك في عمل وكفاءة الطبيب ,كما يؤدي الى القاء اللوم على الصيدلي لأنه الشخص المسؤول عن صرف الدواء, ويؤدي الى ضياع موارد الدولة المالية في استيراد ادوية غير مفيدة بل مضرة تستنزف موارد الدولة وتؤدي الى وفيات او اضرار الى المرضى ,كما تؤدي الى التشكيك في كفاءة ونزاهة اجهزة الدولة المسؤولة عن استيراد الادوية او فحصها او مراقبتها في المذاخر والصيدليات.
الدواء المغشوش والتعرف عليه ومنعه هو من مسؤولية الجميع فالمستهلك عليه الدفاع عن صحته وحياته وماله من خلال ملاحظة تاريخ انتهاء المفعول ولون وشكل العلبة والرموز كالباركود الموجود عليها والعلامة الفسفورية وملاحظة أي اختلاف عن دوائه المعتاد وعليه التأكد من هذه المعلومات قبل اقتناء الدواء, كما عليه الانتباه الى أي اعراض غير معتادة بعد تناوله الدواء ,وعليه ايضا شراء الدواء من صيدلية مجازة ومعروفة وفي حالة التأخر في اكتساب الشفاء عليه ان يضع في اعتباره امكانية أن يكون الدواء مغشوشا.والصيدلي عليه أن يعرف أن هذه مسؤوليته ويتحمل المسؤولية القانونية والشرعية والعلمية في حالة حدوث ضرر للمريض لان من واجبه توفير دواء ضمن المواصفات العلمية وحماية صحة وحياة الناس من الغش .اما الطبيب فعليه ايضاح المعلومات للمريض ليجنبه الوقوع في الغش,واما الدولة فواجبها السيطرة على السوق ومنع وجود ادوية غير مفحوصة وغير داخلة بشكل اصولي وفحص الادوية وضبط ومحاسبة تجار الادوية المغشوشة والفاسدة.
كما ان من مسؤولية الدولة ضرورة وضع عدد من التدابير والاجراءات التي يجب اتخاذها للحد من هذه المشكلة فعلى المستوى الوطني يجب العمل على زيادة الوعى لدى المجتمع بعدم شراء الأدوية إلا من المصادر المصرح بها (مثل الصيدليات) وإعلان أسماء الأفراد والشركات التي تثبت أدانتها وتورطها في هذه الجريمة ، كما يجب وقف تجارة الأدوية من الموانئ الحرة أو عن طريق شبكة الإنترنت وذلك بزيادة التعاون بين كافة المعنيين من مصنعي وموزعي الأدوية والأطباء و الصيادلة والجمعيات المدنية لحشد الجهود لمحاربة غش الأدوية ، ويجب زيادة التعاون بين دول الجوار و التي تجمعها مناطق جغرافية واحده لمنع إنتقال الأدوية المقلدة عبر الحدود المشتركة و أيضاً التعاون وتبادل المعلومات والخبرات مع الشركات العالمية ذات العلامات التجارية لما لها من خبرات في إكتشاف الادوية المغشوشة . وتعتبر الهند والصين وباكستان ودول جنوب شرق آسيا والبرازيل والمكسيك وشيلي من أهم مصادر الأدوية المغشوشة ، ومن الامثلة الواقعية على ذلك وجدت كميات من عقار الفياجرا المغشوش في ماليزيا والمكسيك مع تقليد متقن للعلبه وتغليف الأقراص مع وجود العلامة التجارية والعلامه المائية للشركة الاصلية.
وفي العراق نواجه مشكلة كبيرة خصوصا بعد 2003 في انتشار الادوية المغشوشة والتي تباع في كل مكان من قبل غير المرخصين وعلى الارصفة,و في الباب الشرقي هناك سوق رائج للادوية غير معروفة المصدر وكما يوجد في اسواق بعض المناطق الشعبية ومن قبل باعة لا يعرفون عن الدواء شيئا حيث يقع المواطن ضحية للجهل, خصوصا أن هذه الادوية تباع في ظروف جوية سيئة وخارج ظروف الخزن المثالي. على الجانب الاخر ,يلاحظ تكرارالابلاغات عن وجود وجبات من الادوية التي ظهرت علامات على تلفها او عدم صلاحيتها بسبب ظهور علامات فيزيائية او علامات اخرى على كونها غير موافقة للمواصفات مما يؤدي الى قيام الجهات المعنية بايقاف صرفها او سحبها من المؤسسات او الاسواق لمنع وقوع الضرر على المستخدم مما يدل على نفاذها الى الاسواق دون المرور بالاجراءات الضرورية من فحص ومراقبة.
هناك برامج يمكن تنزيلها على الهواتف النقالة لفحص الباركود الموجود على المنتجات ومنها الادوية والتأكد من صحة وعدم تقليد المادة حيث يمكنها أن تعيننا على تجنب الوقوع في غش الدواء.ومع ذلك يبقى غش الدواء مشكلة دولية ووطنية تحتاج تظافر الجهود للحد من مخاطرها ومع انه من الصعوبة ايقافها ولكن يمكن وخصوصا من خلال التوعية الصحية للمواطن حول حجم الظاهرة وخطورتها ان نجنبه الوقوع في مخاطرها.