ظاهرة تسريبات البصمة الصوتية: سلاح التسقيط السياسي وتأثير تداعياتها على الناخب العراقي؟

ظاهرة تسريبات البصمة الصوتية: سلاح التسقيط السياسي وتأثير تداعياتها على الناخب العراقي؟

العلوم التقنية الحديثة وتعريفها  بشيء من التبسيط غير المعقد بخصوص البصمة الصوتية (Voiceprint) هي تمثيل رقمي أو تحليل الخصائص الصوتية الفريدة لفرد ما، والتي يمكن استخدامها لتحديد هويته أو التحقق من شخصيته. تُعتبر البصمة الصوتية بمثابة “بصمة بيومترية” تعتمد على السمات الفسيولوجية والسلوكية للصوت البشري. وفهمها بشكل علمي وتقني، وتتكون من خصائص تشريحية فريدة للجهاز الصوتي للإنسان، مثل حجم وشكل الحنجرة، الأحبال الصوتية، تجويف الفم، والممرات الأنفية. هذه العوامل تؤثر على تردد الصوت الأساسي مثل بصمة الإصبع، فإن البصمة الصوتية فريدة لكل شخص بسبب الاختلافات في التشريح والسلوك، حتى بين التوائم المتطابقة. ومع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة الإشارات، أصبحت البصمات الصوتية أكثر دقة وموثوقية. ويتم تطوير أنظمة متقدمة للتعرف على الصوت في بيئات معقدة، مع التركيز على تعزيز الأمان ضد التزييف وتحسين تجربة المستخدم.

في الوقت الذي تستعد فيه العراق لإجراء الانتخابات البرلمانية المقررة في ت2 2025، تتصاعد حدة وتيرة ظاهرة “التسريبات الصوتية” والتي باتت تشكل أداة بارزة في المعركة السياسية بين الكتل والأحزاب. هذه التسريبات، والتي تكشف بمعظمها عن حوارات خاصة لسياسيين بارزين، وعن محادثات خاصة وصفقات فساد مشبوهة، تخص وزارات ومؤسسات حكومية وحتى شراء أصوات فإنها لم تُعَد مجرد فضائح عابرة، بل باتت سلاحاً يُهدد استقرار العملية الديمقراطية ويزيد من أزمة الثقة بين الناخب والنظام السياسي والتي ما تزال تثير جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية، وأعادت فتح ملفات الفساد، الابتزاز، والرشوة والمحسوبية والتلاعب بالرأي العام، ومما يثير تساؤلات حول تأثيرها على الناخب العراقي وسلوكه الانتخابي. وهذه التسريبات سوف تتصاعد حدة هذه الظاهرة الخطيرة وتستعر قبل أسابيع من أجراء الانتخابات البرلمانية , وقد شهد العراق موجة غير مسبوقة من التسريبات الصوتية التي تستهدف قادة سياسيين ومسؤولين حكوميين. على سبيل المثال، في حزيران 2025، انتشرت تسجيلات منسوبة لمدير مكتب محافظ بغداد السيد “عبد المطلب العلوي”، تكشف عن مفاوضات مع مجموعات هكرز للتجسس على خصوم سياسيين، مما أثار ضجة كبيرة في حينها وكذلك، تسريبات سابقة عام 2022 نسبت إلى “نوري المالكي”، زعيم ائتلاف دولة القانون، تضمنت هجوماً لاذعاً على خصوم سياسيين مثل السيد “مقتدى الصدر”، مما زاد من حدة التوتر بين الفصائل السياسية. هذه التسريبات ليست مجرد حدث عابر، بل أصبحت جزءاً من استراتيجية “التسقيط السياسي” التي تهدف إلى تشويه سمعة الأحزاب والمرشحين قبيل الانتخابات. فإن هذه التسريبات “شكلت محفزاً لتسريبات مضادة”، مما يشير إلى تحولها إلى حرب إعلامية شرسة مفتوحة على مصراعيها وتستخدم فيها الأحزاب والكتل التسجيلات لضرب خصومها وتعزيز مواقعها لدى الناخب.. وفي هذا السياق، سوف نحاول قدر الإمكان أن نستعرض أبعاد هذه الظاهرة، دوافعها، وتأثيرها على الناخب العراقي.

وفي السياق التاريخي ومن خلال أول التسريبات في حينها، التي كانت في شهر أب من عام 2012 ومن خلال شريط فيديو مسرب تسجيل صوتي رديء يخص عن اجتماع بين زعيم القائمة العراقية “أياد علاوي” ونائب رئيس الجمهورية المتهم بالإرهاب في حينها “طارق الهاشمي” والتقط بكاميرا مخفية في مكتب الأخير موجة من السجال السياسي والتراشقان الإعلامية بين القوى المؤيدة للحكومة أو المعادية لها والتي اتهمت الأجهزة الأمنية بتسريبه ودعتها إلى الالتزام بالمهنية والوطنية والتحقيق في حقيقة تسريب الأشرطة ومن يقف وراءهاوإذا وضعناها في السياق السياسي وفي ظل أزمة ثقة عميقة بين الناخب العراقي والنظام السياسي. والذي يعاني العراق من انخفاض مستمر في نسب المشاركة الانتخابية، حيث لم تتجاوز 41% في الانتخابات الأخيرة، وفي بعض المحافظات انخفضت إلى أقل من 30%. هذا الإحباط الشعبي يعكس استياء الناخبين من الفساد المستشري، الوعود الانتخابية الشعبوية، وسيطرة القوى التقليدية على المشهد السياسي ولكن دون تغيير يرجى منها . وأن التسريبات الصوتية، التي غالباً ما تكشف عن صفقات مشبوهة أو خطابات طائفية، تزيد من هذا الإحباط. ومنها تسريب صوتي منسوب لقيادي في “عصائب أهل الحق” كشف عن تهديدات بطرد أعضاء لا يحدثون بطاقاتهم الانتخابية، مما يشير إلى محاولات للتلاعب بالاصوات. كما أن تسريبات أخرى، مثل تلك المنسوبة الى تدريسي أكاديمي في جامعة أهلية تابعة لقيادي في “الإطار التنسيقي”، أظهرت محاولات لشراء أصوات الطلاب وعائلاتهم مقابل تسهيلات أكاديمية ونجاحهم في المواد الدراسية الراسبين فيها.

أن تأثير التسريبات الصوتية على الناخب العراقي قد تكون بطرق متعددة شخصية ونفسية , ومن أهمها على سبيل المثال وليس الحصر:

 *زيادة وتعزيز الاستقطاب السياسي والطائفي : مثل تلك المنسوبة لنوري المالكي، أثارت ردود فعل متباينة. فبينما أثارت غضب أنصار التيار الصدري، حيث تم استغلالها من قبلهم لتعبئة قواعدهم الشعبية أكثر من السابق والذين خرجوا في تظاهرات احتجاجية عام 2022، هذا التباين يعكس كيف تستغل الأحزاب التسريبات لتعبئة قواعدها الجماهيرية الشعبية، مما يعمق الانقسامات الطائفية والسياسية.  

*تعزيز تفاقم فقدان الثقة: تكشف التسريبات عن ممارسات غير أخلاقية، مثل الابتزاز أو شراء الأصوات، مما يعزز شعور الناخب بأن العملية السياسية فاسدة وغير عادلة. وإلى أن “عمليات بيع وشراء الأصوات موثقة، لكن دون عقوبات حقيقية”، مما يقلل من مصداقية الجهات الرقابية مثل مفوضية الانتخابات. والصفقات المالية أو التهديدات، مما يعزز شعور الناخب بأن النظام السياسي فاسد وغير شفاف ولعلى ما سرب عن الناب ياسرصخيل، صهر نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون (1) الذي يقول في حديثه:” الفقير كاتله الضيم اطيه بطانية مبرده وما يصدك أبيع صوته والحجي حيل زعلان منكم الحجي أبو أسراء والى أخر التسجيل والذي يذكر فيها الخوف من دخول مدينة الصدر للترويج لقائمة نوري المالكي”.وكذلك ما تناقلته وسائل إعلامية ومنصات مواقع التواصل الاجتماعي، تسريبا صوتيا نسب لكبير مستشاري رئيس الوزراء عبد الكريم فيصل وهو يتحدث عن تسلمه رشوة، وفقا للتسجيل. وجاء في التسجيل المنسوب للفيصل “أبو طه حبيبي مو مثل ذيج تخليني اتعب واركض بيها وتالي تجيبلي فقط مليون دولار.. وتروحون تعطون للوزير كم مليون. (2) وأضاف في التسجيل المنسوب “ممكن تشوفون أي معمل وضبط امورك وانا اطرحه فرصة استثمارية على رئيس الوزراء لأن أبو مصطفى (رئيس الوزراء) لديه توجيه على القطاع الصناعي بس تكون الشغلة جيدة وبها فائدة زينة”.

*التأثير على القرار الانتخابي: وفقاً لاستطلاعات الرأي، وبحسب دراسة علمية موثقة مثل تلك التي أجرتها مؤسسة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عام 2018، فإن 50% من الناخبين الذين صوتوا لتحالف “سائرون” اتخذوا قرارهم في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، مما يشير إلى أن التسريبات القريبة من موعد الاقتراع قد تؤثر بشكل مباشر على خيارات الناخبين، خاصة غير المنتمين للأحزاب التقليدية.

* استخدام التقنية المطورة وراء التسريبات: ومن خلال تحديات الأمان، وتثير مدى ما برعه به الأجهزة الحديثة المستخدمة ومن خلال جودة التسريبات الأخيرة مخاوف جدية بشأن اختراقات أمنية. وإلى أن جودة الصوت العالية في بعض التسجيلات تدل على إن هناك عمليات اختراق لشركات الاتصالات، مما يعني أن السياسيين والمسؤولين عرضة للتجسس المستمر.

وفي محاولة للحد من التلاعب الانتخابي، فرضت السلطات العراقية عقوبات قانونية على شراء الأصوات، ولكن هذه الإجراءات الشكلية قد تكون غير مجدية مع صعوبة تطبيقها على أرض الواقع وبسبب غياب التنفيذ الفعلي والإرادة الحقيقية. كما أن مفوضية الانتخابات، التي اتخذت إجراءات مثل استخدام بصمات الأصابع العشرة للتحقق من هوية الناخبين عام 2021، تواجه انتقادات بسبب عجزها عن معالجة التلاعب المنظم بالأصوات.

حيث نشاهد يوما بعد يوما تسريب جديد لمسؤول حكومي أو شخصية قيادية حزبية أو وزراء ونواب ومسؤولين والتي سوف تتسارع وتيرة انتشار التسريبات الصوتية ضمن المشهد السياسي العراقي، مما يثير تساؤلات عميقة حول دوافع هذه الظاهرة وتوقيتها الحساس، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني 2025. وأن هذه التسريبات، التي غالباً ما تكشف عن تفاصيل صراعات سياسية خفية وصفقات سرية، تُسهم في تعميق انعدام الثقة بالنظام السياسي وقياداته. هذه الظاهرة لا تقتصر على التأثير على الرأي العام وتوجهاته السياسية، بل تُفاقم التعقيدات في المعادلة السياسية العراقية، وتُلطخ سمعة الدولة على المستوى المحلي والدولي، مما يزيد من تحديات بناء نظام ديمقراطي شفاف ونزيه ومستقر.

لذا يجب العمل بكل جهد ولان المعادلة التي تصطدم بين أجراء انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة أم مزيد من الفوضى؟ ولتكشف لنا ظاهرة التسريبات الصوتية في العراق عن عمق الأزمة السياسية وفقدان الثقة بين الناخب والنظام. وبينما تستخدم الأحزاب هذه التسريبات كسلاح للتسقيط السياسي، فإنها تعمق انقسامات المجتمع وتزيد من إحباط الناخبين في العملية الانتخابية، مما قد يؤدي إلى عزوف أكبر عن المشاركة في هذه الانتخابات. وللخروج من هذه الدوامة والحلقة المفرغة، يحتاج العراق إلى إصلاحات جذرية تشمل تعزيز استقلالية القضاء، فرض عقوبات صارمة على التلاعب الانتخابي، وتطوير آليات حماية البيانات لمنع التجسس والتسريبات. ودون ذلك، ستبقى التسريبات الصوتية سيفاً مسلطاً على العملية الديمقراطية، تهدد استقرار العراق السياسي وتزيد من تعقيد المشهد قبيل الانتخابات البرلمانية والتي قد تكون محفوفة بالمخاطر وحتى تتطور إلى صدام مسلح بين الكتل والأحزاب والمرشحين للانتخابات تحت ستار التزوير وبالأخص في المناطق والمدن الريفية التي تشهد فيها الأعراف العشائرية سطوتها أكثر من سطوة الحكومة. وهذه التسريبات، التي تُغذي الاستقطاب وتُعمق فقدان الثقة، تهدد بزيادة العزوف الانتخابي، خاصة بين الشباب الذين يشكلون 60% من السكان. لاستعادة ثقة الناخب، يحتاج العراق إلى إصلاحات شاملة تشمل تعزيز استقلالية القضاء، تطوير آليات التحقق من التسريبات، وتشديد العقوبات على التلاعب الانتخابي. دون ذلك، ستبقى التسريبات الصوتية سيفاً مسلطاً على الديمقراطية الناشئة، تهدد استقرار البلاد وتُعيق بناء نظام سياسي يعكس إرادة الشعب العراقي.

[email protected]

(1)

https://www.tiktok.com/@fmf4004/video/7512348989711306006

(2)

https://www.youtube.com/watch?v=Kd2cvaOWODo

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات