19 ديسمبر، 2024 12:26 ص

ظاهرة العنف في العراق بين الارهاب والعنف السياسي – قراءة في اقصاء العقل العلمي

ظاهرة العنف في العراق بين الارهاب والعنف السياسي – قراءة في اقصاء العقل العلمي

(المسؤول وصانع القرار في العراق كمن وقع في كومة خيوط كلما حول فك خيطاً شده الخيط الاخر)
المفارقة الغير العجيبة في البلدان النامية او التي تعيش في مرحلة انتقالية  و  التي تطمح ان تخرج من دوامة عدم الاستقرار ، بانها تغفل او تتغافل عن ركن مهم وخطير جدا ، في تحقيق ما تصبو اليه ، وهو اعتماد التفكير العلمي  الممنهج او اشراك العقل العلمي في حل مشاكلها من خلال تشجيع ودعم الكتاب والمفكرين واهل الابداع ومراكز الابحاث والدراسات في ان يكون لهم راي في تحليل ودراسة المشاكل ووضع الحلول لها، لكن ما يحصل هو العكس حيث نجد غياب لدور المعرفة اكثر في هذه المرحلة الانتقالية ويحارب الراي العلمي ولايسمح ان يكون له دوراً في تشخيص المشاكل ووضع الحلول ، مما يجعل  عملية صنع القرار في هذه البلدان تتتصف بالسطحية والتخبط  وكلما حاول المسؤولون العمل على حل المشاكل يجدون انفسهم امام مشكلة اكثر تعقيد كانت نتاج للقراراتهم السابقة بحيث يكون المسؤول وصانع القرار كمن وقع في كومة خيوط كلما حول فك خيطاً شده الخيط الاخر، مما يعقد المشكلة ويطيل الحل ، وتجد البلد تعيش في ازمة مركبة  تصبح مزمنة يصعب حلها والخروج منها .
 وابرز المشاكل او الازمات المستعصية التي يعيشها  العراق ، تتمثل في استمرار  البلد عموما يعيش حالة من التازم العام في مجمل نواحي الحياة، واذا كانت هذه الازمة ليست وليدة مرحلة من مراحل نشوء الدولة العراقية منذ اكثر من ثمانين عاماً، فانها الان تبرز في اعظم تجلياتها ، حيث يعيش البلد  في دوامة عدم الاستقرار المستمرة ،والتي اخذت تفرض حتميتها على صانع القرار والشعب بحيث اخذت تشكل ظاهرة مستمرة يصعب الخروج منها، وظاهرة العنف التي  يعيشها العراق  بصورتها العلنية  منذ اكثر من ثمانية سنوات هي  واحدة من تلك الظواهر التي كانت نتاج مراحل  طويلة من عدم الاستقرار والتغييب المتعمد للعقل العلمي  ، حيث شكل العنف بكل صوره حالة عاشها المجتمع العراقي لعقود طويلة  فالانقلابات العسكرية والصراعات الداخلية والحروب الخارجية  كلها  اسهمت في ترسيخ كثير من بنى العنف في المجتمع العراقي، وخلقت سيكولوجية الحل العنفي في التعامل  مع المشاكل ، هذا العنف  الذي لايسهم في تقديم حلاً للمشكلة وانما في تأجيلها وتفاقمها مع مرور الزمان وتعقد الظروف،لذلك بعد انتهاء كل مرحلة من مراحل التي عاشها المجتمع العراقي بفعل انقلاب او تغيير خارجي او داخلي نجد هناك كم هائل من المشاكل التي تظهر بقوة  وتحتاج الى حلول سريعة  مما يدفع الى اعتماد  الحلول الاستثنائية  لتعامل معها دون حلها مما يولد مشاكل اخرى ، هذا مع اهمال لدور العقل العلمي  في حل هذه المشاكل، من هنا  تاتي الحلول الاستثنائية لتعقد المشكلة ولا تقدم لها الحلول.
   وازمة العنف التي يعيشها المجتمع العراقي واحدة من تلك الازمات التي لايزال التعامل معها يرتكز الى  الحل الاستثنائي البعيد عن التحليل  العلمي المعمق.واذا ما اردنا ان نقدم قراءة عن حالة العنف التي يعيشها المجتمع  العراقي سوف نجدها الان تعيش في صورتها العنيفة بين الارهاب السياسي الداخلي والمدعوم خارجيا والعنف السياسي  الذي يمارس من قبل القوى السياسي في التعامل فيما بينها .فالارهاب المدعوم من الخارج والمنفذ من قبل الداخل يستخدم العنف ضد المواطنين و البنى اليشرية والمادية للدولة في مسعى لفرض اجندته في العراق   هو يلتقي مع  قوى  داخلية التي توظف هذه الحاجة الخارجية لتحقيق اهدافها  ومصالحها الخاصة ، فيبرز تحالف بين  الخارج والداخل في سلوك هذا النوع  من العنف لتحقيق مصالح كل منهما،في مقابل هذا النوع من العنف نجد العنف السياسي الذي يمارس بين القوى السياسي في تصارعها على السلطة والثروة في البلاد، فالكثيرمن هذه القوى لم تألف بعد العلاقة السلمية والاليات الديمقراطية  التي تحكم التنافس السياسي  الديمقراطي ، لذا نجدها تلجىء الى العنف كوسيلة لتحقيق ما تصبو له من مصلحة ،  بحيث نجد هناك علاقة واضحة بين ممارسة العنف والعلاقة بين القوى السياسي فكلما توترة العلاقة بين هذه القوى كلما زداده العنف السياسي  في البلد، ما يجعل العملية السياسية تعيش حالة من عدم الاستقرار، والمشكلة الاخرى ان البعض من القوى السياسية لها ارتباطات بالقوى التي تنتهج الارهاب لتحقيق اهدافها وذلك عن طريق توظيف الارهاب  ايضا في تصارعها السياسي، مما يجعل من العنف السياسي حالة معقدة تجمع بين الارهاب والعنف السياسي.
وهنا لابد ان نؤشر الى ظاهرة مهمة ان بين الارهاب والعنف السياسي في العراق مستويات واشكال متعددة من العنف ،فهنالك عنف الدولة والعنف الاجرامي المنظم والعنف الاقتصادي والعنف الاجتماعي والعنف الدين والعنف العرقي والعنف الطائفي والعنف الثقافي والعنف الرافض للراي الاخر ,العنف التربوي ، وعنف التقاليد والعادات والعنف الرمزي ..الخ  من اشكال العنف التي يعيشها المجتمع العراقي ،والذي اسهمت في تمزيق البناء النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية..الخ، للمجمع العراقي، مما يجعل المجتمع يعيش حالة من التأزم والضياع المزمن ، والذي يتطلب جهود كبيرة وطاقات وامكانيات بشرية ومادية وزمن لوضع الحلول لها، لكن المشكلة الكبيرة لاتزال  عملية الاقضاء لدور العقل العلمي ودور المؤسسات البحثية في المشاركة في دراسة ووضع المعالجات العلمية لظاهرة العنف في العراق، حيث لانجد اي دور للجامعات التي تعتبر اهم مراكز الابحاث في المشاركة في دراسة ومعالجة ظاهرة العنف في العراق، كذلك لانجد اي اهتمام من قبل المؤسسات السياسية او الامنية بموضوع البحث العلمي ،مما يجعل حلولها بعيدة عن الواقع ولايمكنها معالجة مشكلة العنف،مما سهم ذلك في تعقد المشكلة .