19 ديسمبر، 2024 12:28 ص

ظاهرة العمالة الاجنبية في العراق (4)

ظاهرة العمالة الاجنبية في العراق (4)

لاستشراء ظاهرة العمالة الاجنبية والسائبة في العراق اسباب عدة ؛ ومنها :

1-  رخص اجور العمال الاجانب والغرباء مقارنة بالعراقيين , باستثناء العمال الاجانب الذين يعملون في قطاعات النفط والامن وغيرها فان اجورهم كبيرة جدا واعلى من اجور العراقيين اصحاب الكفاءات امثالهم بأضعاف مضاعفة .

2-  تحمل العمال الاجانب والغرباء لمختلف ظروف العمل بل وانتهاكات حقوق الانسان احيانا بخلاف العمال العراقيين الذين قد يتذمرون من سوء ظروف العمل او من صاحب العمل نفسه احيانا .

3-  انعدام المشاكل الاجتماعية والقانونية بالنسبة للعمال الغرباء مع صاحب العمل ؛ وذلك لابتعادهم عن اوطانهم وعدم تواصلهم مع المحيط الخارجي , وجهلهم بأوضاع البلد , وخوفهم من الترحيل والتسفير ؛ بخلاف العمال العراقيين الذين قد يرفعون على صاحب العمل دعاوى قانونية وعشائرية وغيرها … ؛ فقد يتعرض العمال الوافدون لاستغلال من قبل أرباب العمل، وقد يفتقرون إلى حماية قانونية تُكفل حقوقهم في بعض الأحيان .

4-    اتقان بعض العمال الغرباء لبعض الكفاءات والمهن , والتي يفتقر العامل العراقي اليها .

5-   تتميز العمالة الوافدة باستعدادها للعمل لساعات مطوَّلة الأمر الذي يخدم تطلعات القطاع التجاري وغيره ,   كما يسهم العمال الوافدون الذين يديرون المحلات التجارية الصغيرة للبيع بالتجزئة في تعزيز نوعية المعيشة في المناطق المختلفة عبر فتح محلاتهم لساعات متأخرة وفي بعض الحالات على مدار الساعة , وان كان بعض العمال العراقيين لديهم استعداد للعمل بنفس النظام والوقت .

6-  كثرة العمالة الاجنبية في العراق ؛ جعلت صاحب العمل في العراق يمتلك عدة خيارات تصب في صالحه , بخلاف العمالة الوطنية ذات الاسعار المحددة  والمؤهلات المعروفة .

7-  تتقبل العمالة الاجنبية مختلف الاعمال وتقديم الخدمات ؛ بخلاف العمالة الوطنية التي لا تحبذ عمل النساء العراقيات ك خادمات في البيوت مثلا , اذ أن الكثير من العراقيين يعتبرون “توظيف عمالة نسائية للعمل داخل المنازل، لا سيما في ما يعرف باسم التدبير المنزلي، أمر غير مقبول.” لذلك ، يتم جلب العاملات من الخارج بأعداد كبيرة لتلبية الطلب المحلي المرتفع .

8-  انتشار الرشاوى والمحسوبيات وعدم تطبيق القوانين , والتسهيلات التي تقدمها عصابات الجريمة في شمال العراق ؛ شجع العمالة الاجنبية على القدوم , وكذلك ظروف العمل الجيدة , والرواتب والاجور المجزية , ومعاملة الناس الحسنة , والتهرب من الضرائب .

 

ولهذه الظاهرة الكثير من النتائج السلبية والاثار الاقتصادية والتداعيات الاجتماعية , والتي منها :

1-  تشجيع الظواهرالاجتماعية السلبية كالتحرش الجنسي والاغتصاب ونشر الموبقات والثقافات الاجنبية , باعتبار سهولة فعل هذا الامر مع الخادمة الافريقية من دون تعرض الفاعل للعواقب والعقوبات المعروفة فيما لو اعتدى على عراقية من باب المثال ؛ ولعل في التجربة المصرية وما جلبته من ويلات على العراق , وكذلك العمالة العربية في منطقة البتاويين , من اكثر الشواهد على ذلك … ؛  اذ تكمن مخاطر العمالة الوافدة  بخرق منظومة القيم الاجتماعية السائدة في البلد وتؤثر في قوة وتماسك المجتمع، لأن هؤلاء العمال الوافدين يختلفون في دياناتهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى نشر وترويج للانحلال الأخلاقي والفساد أو ترويج المخدرات والمسكرات ونشر الصور والأفلام غير اللائقة، إضافة إلى المساعدة في بعض عمليات الاتجار بالبشر أو جرائم التجسس والابتزاز الالكتروني … الخ ... ؛ واكدت  بعض الدراسات ان اقامة العمالة الوافدة في الاحياء السكنية الخاصة بالمواطنين وقيامها ببعض الممارسات المغايرة للقيم والعادات المحلية سيؤديان الى قيام حالات الصدام والمواجهة بين المواطنين الرافضين لهذا الواقع والوافدين الممارسين له ؛ كما حصل بين العمالة المصرية والجماهير العراقية في عقد الثمانينات من القرن المنصرم .

2-  أن لهذه الظاهرة آثاراً وتداعيات خطيرة على المجتمع العراقي سواء  كانت اقتصادية أم اجتماعية، إذ أدت إلى تزايد معدلات البطالة بسبب زيادة حجم العمالة الأجنبية الوافدة سواء كانت (ذكوراً أو إناثاً) ما أثر في قلة فرص العمل التي من الممكن أن يحصل عليها العمال العراقيون، وهذا سيزيد من معدلات البطالة التي ستؤدي إلى دفع الشباب إلى الهجرة خارج البلاد أو إلى الإدمان على المخدرات أو الانحراف أو ممارسة بعض أنواع الجرائم للحصول على الأموال.

3-  أن وجود هذه العمالة الاجنبية والغريبة يؤدي إلى زيادة نسبة التحويلات المالية إلى خارج البلاد، وأن هذه التحويلات تؤدي إلى استنزاف خطير لموارد العراق المالية وفقدان العملة الصعبة والسيولة النقدية … ؛ اذ تعمل هذه الظاهرة  على استنزاف  مدخرات العراق , وتضيع  فرص استثمارها وطنيا ، وعدم إمكانية إعادة توظيف الأموال في الدورة الاقتصادية للعراق .

4-  لهذه الظاهرة تداعيات سياسية خطيرة , اذ تتفشى البطالة في العراق … , وعلى مدى العقد الماضي ، شهدت معدلات البطالة الرسمية ارتفاعًا مستمرًا، حيث وصلت إلى 14.2 بالمئة في عام 2021… ,  وأثار نقص الوظائف احتجاجات شعبية في العام 2020 ، بما في ذلك المظاهرات الجماهيرية المناهضة للدولة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ولا يزال هذا الأمر يسبب اضطرابات اجتماعية في البلاد... ؛ و من المرجح أن تؤدي الضغوط الديموغرافية إلى تفاقم التحديات التي تواجهها السلطات المحلية والحكومة المركزية ,  اذ تتوقع وزارة التخطيط أن يرتفع عدد سكان العراق من 41.1 مليون نسمة حاليًا إلى 51.2 مليونًا في عام 2030، مما يخلق شحًا إضافيًا في الوظائف… ؛  من ناحية أخرى، يزداد التنافس على التوظيف بسبب وجود العمالة الأجنبية.

5-  ومن الاثار الاقتصادية القاسية على المواطنين العراقيين , مزاحمة العمالة الوافدة للعمالة الوطنية في سوق العمل وقبولها بمستوى متدن من الاجور يتناسب ومستوى الاجور السائد في بلدانها، مما يشكل عامل ضغط سلبي نحو انخفاض اجور المواطنين العراقيين ، وحدوث مصاعب اقتصادية في مواجهة متطلبات المعيشة وتفاقم ظاهرة البطالة والفقر بين المواطنين … ؛  وتسببت تلك الهجرات القانونية وغير القانونية للعمالة الاجنبية والغريبة بزيادة الضغوط على فقراء وشباب العراق  .

6-  الضغط على الخدمات التي توفرها الدولة وعلى مرافق البنية التحتية , و زيادة الضغط على السلع والخدمات , واستخدام المرافق العامة دون مقابل أو بمقابل رمزي ، خاصة ان العديد من الخدمات (الصحة، الكهرباء والماء وغيرها) المدعومة من الحكومات للتخفيف من الاعباء المعيشية على المواطنين اساسا، يؤدي الى تحمل الدولة تكاليف اضافية  .

7-  التأثير على الهوية الوطنية والثقافة العراقية , فقد تسبب هذه العمالة الغريبة  خللا كبيرا في التركيبة السكانية بسبب زيادة اعدادها ومن شأنها أن تؤثر سلبًا في مجتمعنا في المستقبل القريب في جوانب تمسّ الهوية، والانتماء والولاء، والأمن النفسي والاجتماعي، وغيرها... ؛ لاسيما وان قوانين التجنيس العراقية سهلة وتصب في صالح الغرباء والدخلاء , ولنا تجربة مريرة مع الذين تم تجنيسهم من الغرباء والدخلاء منذ تأسيس الدولة العراقية المعاصرة عام 1920 , اذ تحكم الغرباء والدخلاء بالعراق , بل واضطهدوا المواطنين الاصلاء , ولا زالت اثار هذه الظاهرة مستمرة الى هذه اللحظة .

8-  الاضرار بالصناعة الوطنية , اذ ان  ركون العديد من ارباب الأعمال الحرفية والمهنية إلى العمالة الوافدة يؤدي إلى نشوء الاتكالية وتكريس النظرة الدونية إلى العمل الحرفي أو المهني ؛ مما يلحق الاضرار الفادحة بالصناعات الوطنية والحرف المحلية … ؛ بل تستطبن هذه الظاهرة  الغزو المبطن لنفسية وقدرات الشعب المضيف حتى يصبح الشعب اتكالياً يوكل أعماله إلى العمالة الوافدة  ويكتفي بالجلوس خلف الطاولات.

9-  المخاطر الامنية , اذ قد يتسبب هؤلاء العمال الاجانب والغرباء بالعديد من المشاكل الامنية , كالارتباط بالمخابرات الدولية وتنفيذ العمليات الارهابية او ممارسة الجريمة المنظمة وغيرها .

10- الآثار الأخلاقية : إذ إن لكل أمة وشعب ما يميزه عن غير سلوكا وأدبا وقيما وأخلاقا، وهذه الشعوب -اي شعوب العمالة الوافدة-  تأتي بما اعتادت عليه من ممارسات، فتؤثر في المحيط الجديد – البلد المضيف-  خاصة إذا اختلطت بالسكان، وطال مكوثها في البلاد ، وهذا التأثير السلبي في الجوانب الأخلاقية بدا وضحا جليا في عدد من الممارسات التي ما كان العراقي الاصيل  يعرفها من قبل , ولكنه قد تأثر بموجات الهجرات للعجم وسبايا وخدم  ومرتزقة وعبيد الاتراك العثمانيين , واخر التأثيرات السلبية على الامة العراقية مجيء العمالة المصرية والعربية .

تتباين معالجات وحلول  ظاهرة العمالة الوافدة في العراق ,  بين من يقع على عاتق الحكومة ومؤسساتها وادواتها السياسية ، وما يقع على عاتق المجتمع واصحاب المشاريع والاعمال والمواطنين  … ؛ ومنها :

1-  الدعوة الشعبية لمطالبة الحكومة العراقية  بإلغاء فقرة التجنيس للأجانب والغرباء من القانون ,  وتشريع قوانين جديدة  فيما يخص  العمالة الاجنبية ؛  بما يحفظ سلامة الهوية العراقية ونسب المكونات الاجتماعية في العراق , وعدم التلاعب فيها او تعريض امن العراق وثقافة الامة العراقية للخطر بسبب تجنيس الغرباء , وتوفير فرص العيش الكريم لهم ؛ فما تمتع دخيل وغريب في العراق الا بما جاع وحرم منه مواطن اصيل … ؛ فإثراء هؤلاء الغرباء على حساب سكان العراق الاصلاء … وكذلك الحفاظ على ثروات العراق ودفع عجلة التمية الاقتصادية وتنشبط العمالة الوطنية … ؛ لذا أصبح لزاماً على الدولة اتباع سياسات وخطط وبرامج ناجحة  لتنظيم هذه الظاهرة ومعالجة تداعياتها واثارها السلبية .

2-  ويجب على الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ؛ وضع خطط عملية لتنمية مهارات رأس المال البشري في العراق وإيجاد طاقة بشرية مؤهلة ومدربة وبأعداد كافية لمواجهة احتياج سوق العمل العراقية ، وكذلك قيام وزارة العمل بتشكيل لجان تعمل على تطبيق سياسات التوطين وذلك من خلال إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة الأجنبية , بعد تزويدها بالخبرات والمهارات والكفاءات ولو بإرسال بعثات للخارج ... ؛ ونشر ثقافة ايجابية وتوعية عمالية  لا تستنقص من هذه المهنة او تلك او تنظر لأصحابها بدونية , بحيث يقبل العمال على ممارسة كافة الاعمال وكلا حسب مؤهلاته ومهاراته , وبالأجور التي توفر لهم الحياة الكريمة .

3-  يجب قطع دابر الفساد في المؤسسات والدوائر الامنية ولاسيما تلك التي تتعلق بالإقامة والسياحة والعمالة الاجنبية , ومحاسبة المقصرين والمرتشين والفاسدين , وتطبيق القوانين بصرامة , وذلك من خلال التشدد في اعطاء الاقامة ومراقبة مكاتب وشركات العمالة , وضبط الحدود لاسيما حدود المحافظات الشمالية , واجبارها على اتباع تعاليم وقوانين الحكومة المركزية فيما يخص القضايا الخارجية بما فيها ملف السياحة والعمالة الوافدة , والقيام بجولات ميدانية لأماكن العمل التي تتواجد فيها العمالة الوافدة والكشف عن المخالفين أو الداخلين بصورة غير قانونية وغير شرعية وكذلك ترحيل المخالفين وتطبيق العقوبات المقررة قانوناً بحقهم مع ضرورة وضعهم في قائمة المحظورين من الدخول إلى العراق ، فضلاً عن سحب رخصهم الخاصة بالعمل … ؛ بل ومحاسبة ارباب العمل , وفرض الضرائب على العمال الاجانب وكذلك شركات العمالة الوافدة و رفع تكاليف استقدام العمالة الوافدة , واجبار الشركات النفطية على تشغيل العراقيين فقط … ؛ و سن التشريعات الخاصة بتحديد مدة قصوى لبقاء العامل الوافد في العراق , وكذلك تحديد العمالة الاجنبية بعدد قليل وذو مواصفات ومهارات نادرة او غير متوفرة في العمالة الوطنية … ؛ وفرض عدة امور على العمال الاجانب تصب في مصلحة السوق العراقية وتقلل من صافي اجورهم وتحويلاتهم المالية … , و وضع قوانين أشد صرامة ضد كل متسلل أو متعاون معه أو متستر عليه من المواطنين وتطبيق ذلك بصرامة … , و التفتيش المستمر شبه الأسبوعي على هذه العمالة الوافدة  وأماكن سكنها مع محاسبة المؤجرين من المواطنين الذين تستروا عليها... , ولابد من التشدد بشان منح التأشيرات ( الفيزا)  للأجانب والغرباء  سواء جاءوا لأجل السياحة او السياحة الدينية او العمل  , ودفع مبلغ ازاءها لا يقل عن مئة دولار , وسحب الجواز وتطبيق نظام الكفالة كما هو الحال في دول الخليج ,  وتحديد اماكن تواجدهم وضرورة مراجعتهم الدورية والمستمرة لدائرة الإقامة لتزويدهم بالمعلومات الكاملة من تغيير السكن او العمل وما الى ذلك , و وضع قوانين صارمة للعمل تصب في مصلحة العراق وتحد من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة … .

4-  نشر ثقافة ممارسة الرياضة وتجنب الكسل والخمول والاتكالية , والعمل على شيوع مبدأ : اخدم نفسك بنفسك بين العراقيين , وذلك للتقليل من اعتمادهم على العمالة الوافدة والخدم الاجانب , والعمل على انشاء الحضانات والروضات النموذجية والتي تخفف الحمل  عن كاهل الاسر والعوائل في تربية اطفالهم , وكذلك تشديد الحراسات على البيوت والمؤسسات , كي يشعر المواطن بالأمن والاستقرار , ويستغني عن العمالة الوافدة كالخدم او الشركات الامنية وما الى ذلك .