23 ديسمبر، 2024 11:17 م

التصحر ظاهرة تسترعي اهتمام الجميع خاصة القائمين على وزارة الزراعة والمهتمين بهذا الشأن– والقادم الى العراق جوا سيلاحظ هذه الظاهرة بوضوح ويرى مدى اتساع التصحر على حساب الاراضي الزراعية الخضراء — فالعراق الذي كان يسمى بأرض السواد من كثرة البساتين والمساحات الزراعية الخضراء والتي من كثافتها كانت تترائ الى العين من بعيد وكأنها سوداء اللون— أنحسرت فيها تلك الربوع الخضراء ولم تصمد امام الزحف الخطير لآفة التصحر التي ابتلعت آلاف الهكتارات من الاراضي دون رحمة والاسباب كثيرة منها الجفاف وقلة الامطار وجفاف الاهوار والدور الخطير لدول الجوار في السيطرة على كمية المياه المتدفقة في الانهار المشتركة—أضافة الى ضعف ادارة القائمين والمسؤلين على هذا الملف وعدم وجود الارادة الحقيقة في التصدي لهذه الظاهرة—-
والان لدينا آفات اخرى من التصحر واذا كانت تلك الظاهرة نستطيع التغلب عليها ارى من الصعب التصدي لظواهر اخرى من التصحر — فهناك تصحر في التعليم فآفة الجهل استطاعت من قطع اشواط كبيرة والتغلب على مساحات التعليم والانتصار عليه في اكثر من جولة فأنتشار التدريس الخصوصي والتهرب من المدارس اصبح حديث اليوم للعوائل العراقية كما ان العراق بحاجة الى اربعة الاف مدرسة اما ظاهرة التزوير وانتشار الرشى فحدث ولاحرج— وهناك تصحر في الصحة فالامراض المنتشرة في عراق اليوم لا حصر لها وهي آفة خطيرة خاصة مع انعدام البرنامج الصحي والثقافة الصحية التي تكاد تكون مبهمة للكثير من طبقات الشعب بدليل وقوف طوابير من الناس امام المضمدين تاركين الاطباء المختصين خلف ظهورهم—- وهناك تصحر في التعاليم الدينية السمحاء والتراجع الكبير للقيم الحقيقة امام اشباه الاميين الذين تزيوا بلباس اهل الدين والزهادة وانحرفوا بالاتجاه الخاطئ الذي اصبح هو الاصل بينما الدين المحمدي الاصيل اصبح مهجورا يعاني الغربة من قلة سالكيه— التصحر في الاخلاق والفضائل التي أنحسرت امام الهجوم الكاسح للرذيلة والفحش التي اصبح الانسان يمتدح بها ويعاب عليه التمسك بالقيم والمبادئ الحميدة وأصبح الاستهزاء والاستخفاف بالمثل والقيم شائعة ويقرب صاحبها لظرافته بل قل لسخفه وتفاهته— اما الهجرة الرهيبة لذو الكفاءات من مهندسين واطباء وشعراء وكتاب وادباء وغيرهم ولد فراغا كبيرا وفسح المجال للاميين والمزورين ان يملئواالفراغ( وانا اؤمن بنظرية ملئ الفراغ) ويستقطعوا مساحات كبيرة جدا من الثقافة العراقية والارث العراقي ويتسيدوا على المشهد العراقي في ظاهرة اسميها تصحر ثقافي وعلمي لا نظير له على مدى التاريخ العراقي—-
وهناك ظاهرة اخرى خطرة جدا وهي ظاهرة التصحر الاجتماعي الذي اصاب المجتمع العراقي بكل فئاته فالتراجع الكبير للمدنية العراقية امام التصحر البدوي شيء يجعلنا نتوقف عنده كثيرا — فشيخ العشيرة (في اغلب الاحيان متخلف وجاهل) يقود جموع من المثقفين والنخب لاحتياجهم اليه في ظل تسيد الثقافة البدوية والعشائرية على المجتمع العراقي — فالمجتمع الان يتداول مصطلحات تداولها اجدادنا قبل مئات السنين من قبيل( الفصل والعطوة والكوامة) وغيرها—والغريب انصهار الكفاءات والنخب في بودقة العشائر وتبعاتها مكرهين بسبب الواقع المفروض وغياب سلطة القانون—-
هذه نبذة سريعة من آفات التصحر الذي يشهده عراق اليوم والتي ساهم فيها ودعمها من حيث يعلمون او لا يعلمون الكثير من ابناء هذا الشعب سواء بالطبقة السياسية او الدينية او الاجتماعية وحتى النخب العلمية والثقافية فالجميع يتحمل المسؤولية—
واذا لم تتظافر جميع الجهود في التصدي لهذه الآفات وظواهر التصحر فعلى العراق السلام
اللهم اني بلغت—- اللهم فأشهد