إن علماء الاجتماع يرون ان التسول واحد من ابرز الامراض الاجتماعية وبالتالي يضعونه في مصاف “الظاهرة” الاجتماعية التي قد لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات. وقد تبرز هنا بعض الخلافات حول هذا التوصيف في عدة جوانب, ربما ابرزها ينصب على وصف الحالة بأنها “مرض” وعلى قصر الصفة الاجتماعية وحدها على وصف الظاهرة. هل معنى ذلك ان التسول يمكن ان يكون “ظاهرة ثقافية” مثلا, او “ظاهرة سياسية” او اقتصادية او غيرها؟ الذي قد يساعدنا على تصور الامر ,وأن نتأمل اولاً رؤية “المتسول” نفسه لهذه الممارسة.
إن التسول هو طلب المعونة كالمال والطعام من عامة الناس وإستعطافهم بعبارات واساليب متعددة , وهو من الوسائل التي تجلب للمتسولين المال دون عناء بمجرد تكلمهم عبارات مُعينة, وإرتدائهم لثياب ممزقة فيمارسون التسول كمهنة لهم. إن تعاطف الناس معهم, وتقديم المساعدة لهم يرفع نسبة دخلهم مما يجعلهم يقبلون على التسول بشكل كبير, وبالتالي تنتشر ظاهرة التسول وتزداد يوماً بعد يوم .
تعتبر ظاهرة التسول بجميع مفاصلها وبالمفهوم العام الواسع من ابرز المخاطر الجسيمة في المجتمع وكأحد اشكال التخلف الاجتماعي والمبنى على عواطف تدفع المتسول لما يحصل عليه من منفعة دون ان تكلفه متاعب العمل مستغلا عاطفة عموم الناس وخاصة في مجتمعنا العراقي, بالرغم من ان الدعم الاجتماعي والحكومي غير معطل لوجود صناديق متعددة الأغراض والأهداف إلا أن ذلك لم يمنع من إمتهان التسول وممارسة هذه الظاهرة والتي يعتبرها المتسول مهنة مربحة دون ان يدرك ابعادها الجرمية لما تخفيه هذه الظاهرة من تنمية الحس الجرمي وبناء العلاقات المشبوهة المخلة بالآداب العامة مع استمرار خرق النسيج الاجتماعي وإنتشار الفساد بأنواعه المختلفة والتسيب الأسري وفقدان الروابط الاجتماعية وتنمية الجريمة والمساعدة على توفير مقومات نضوجها لغياب الرقابة المباشرة مع وجود تعايش فئات خارجية مختلفة الأطوار والفئات العمرية دخيلة تستخدم تحصيل أموال عن طريق التسكع والإستجداء وإستدراك عطف الناس وتقوم بتشغيل أطفال ونساء وفق برنامج معد لهذا الغرض وتستغلهم في تحقيق أهداف شريرة متعددة الأهداف وبالتالي سيؤدي الى إدامة النخر المحوري للمجتمع من عدة اماكن يختارها الأعداء.
وعلى الرغم من ان هناك العديد من الدراسات التي تناولت ظاهرة التسول سواء في المجتمع العراقي او في المجتمعات الاخرى في العديد من الجوانب, الا ان الجوانب الامنية لهذه الظاهرة مازالت بحاجة الى المزيد من الدراسات كي تتضح العلاقة بين انتشار ظاهرة التسول في المجتمع والناحية الأمنية فيه وبناءاً على ذلك فإن محاولة استقصاء الجانب الأمني لظاهرة التسول التي لم تحظ بالبحث الكافي كما حظيت به بعض الجوانب الاخرى ,لذا وجب التركيز على دراسة هذه المشكلة دراسة معمقة وإيجاد الحلول المناسبة لها من قبل اناس مختصون لتحديد مسبباتها وذلك من خلال:
معرفة المشكلات الأمنية المترتبة على ظاهرة التسول في المجتمع العراقي من خلال التعرف على انواع هذه المشكلات وتحديد حجم انتشارها.
معرفة الأبعاد المرتبطة بضبط ظاهرة التسول في المجتمع العراقي ومكافحتها من خلال التعرف على الأنظمة التي تحكم هذه الظاهرة والإجراءات الحالية المتبعة لضبطها ومكافحتها.
معرفة الابعاد المرتبطة بالوقاية من ظاهرة التسول في المجتمع العراقي والحد منها من خلال التعرف على معوقات مكافحة هذه الظاهرة والإجراءات الوقائية والعلاجية المقترحة للحد منها.
ان ايجاد الحلول لظاهرة التسول كمشكلة مجتمعية نواجهها , نجد إن الحل موجود في ديننا الاسلامي الذي لم يترك اي أمر إلا وضع له علاج فالخمس والزكاة هي التي تحمي مجتمعاتنا من التسول الذي سببه الأساسي الفقر والحاجة فلو إن كل شخص مقتدر أخرج زكاة وخمس ماله لما ذاق أحدا الجوع , ففي زمان الخلافة الاسلامية تم تقديم المعونة اللازمة لجميع المحتاجين مما جعل الجميع يعيشون في إكتفاء دون الحاجة لطلب العون من الآخرين , وكان هذا لا يقتصر على المسلمين بل شمل النصارى واليهود أيضا.