23 ديسمبر، 2024 8:20 م

ظاهرة الاتصال اللغوي الشفوية – 2

ظاهرة الاتصال اللغوي الشفوية – 2

” دراسة في الأسس النفسية والفسيولوجية والاجتماعية للمنظومة الكلامية “

ثانياـ أوليات وشروط عملية الاتصال اللغوي :

تنتمي قدرة الاتصال اللغوي إلى الصفات المكتسبة, وهي مقتصرة على النوع الإنساني بشكل خاص. أن التكلم والاستماع إلى ما يتحدث به الآخرون, والقراءة والكتابة, تشكل جميعها إحدى النشاطات الرئيسية اليومية لكل فرد في الحالة الاعتيادية. أن جوهر عملية الكلام هو إرسال واستقبال المعلومات, وكلاهما يتصل بالجانب الفسيولوجي, ولكنهما عملية واحدة من منظور اجتماعي( عملية تخاطب أو اتصال ). إنها عملية ممكنة عندما يجيد كل من المرسل والمستقبل نفس اللغة.

إن اللغة هي حصيلة الرموز أو الشفرات التي يستخدمها مجتمع معين, والتي يجب على كل فرد أن يستوعبها كي يفهم الآخرين, ويكون هو الآخر مفهوما أيضا. واللغة هنا هي نظام ذو درجتين. وتشمل الدرجة الأولى: الرموز المستقلة ـ المفتوحة( الكلمات وعلاقاتها التركيبية ), وغير المستقلة ـ المغلقة والتي نعني بها الصفات التطريزية والتي تنفذ في الموضوع الشفوي بشكل إيقاع ونبر ونغم, وفي الموضوع المكتوب أو الموحى به من خلال علامات الترقيم, وكذلك اصغر الوحدات اللغوية( الفونيم ) والتي تنفذ في الموضوع الشفوي من خلال الأصوات, وفي الموضوع المكتوب من خلال الأحرف, وفي الموضوع الموحى به, على سبيل المثال نظام المورس من خلال توليف لنقط وقواطع؛ وأخيرا أصغر وحدة صرفية مغلقة نسبيا. أما الدرجة الثانية من اللغوي فتشتمل على منظومة الأسس القواعدية والتي على أساسها يبنى الموضوع من الرموز المستقلة ويكون مفهوما باعتباره الحلقة الرئيسية في عملية الاتصال اللغوي.

وفي الوقت الذي تطورت فيه اللغة تاريخيا باعتبارها ظاهرة اجتماعية ثقافية فأن نشاط الكلام بحد ذاته هو ذو أبعاد فسيولوجية ـ تشريحية. واللغة هنا ذات صفة تجريدية, لأن الكلمات والأسس القواعدية لا تشير إلى الأشياء والظواهر بالذات ولكن إلى تصنيفاتها التجريدية أو إلى مجمل العلاقات التي تربط بينهما( كعلاقة الفاعل والمفعول والعلاقات المكانية والزمنية وغيرها ).

إن عملية إرسال المعلومات تكون ممكنة من خلال الكلام, والكتابة أو أشكال أخرى. ولكل نشاط من هذه الأنشطة قناة ملائمة ومحددة لنقل المعلومات تنسجم مع هيئة وطبيعة الموضوع المحدد. ففي عملية التكلم مثلا فإن المعلومات تنتقل عبر القناة النطقية ـ السمعية حيث ينفذ فكر المرسل من خلال أجهزة الكلام في هيئة موضوع شفوي يتم استلامه بواسطة آذان المستقبل وتباعا إلى قشرته الدماغية حيث يفهم بهذا القدر أو ذاك من الدقة. أما نتاج عملية الكتابة فهو الموضوع المكتوب ( رسالة, جريدة, كتاب ), حيث يجري هنا نقل المعلومات في هذه الحالة عبر القناة الكتابية البصرية. وفي الأشكال الأخرى ذات الصفة التأشيرية أو الإيمائية( لغة الإشارة, لغة المكفوفين” طريقة برايل ” وألف باء المورس وأشكال أخرى )  فإن المعلومات تنتقل عبر القناة المومى والموحى بها ـ السمعية, والبصرية واللمسية.

وبناء على ذلك يمكن تلخيص عناصر عملية الاتصال اللغوي بالأبعاد الأربعة الأساسية الآتية:

1 ـ اللغة, وقد ذكرنا ذلك في الشرط الأساسي لحدوث عملية الاتصال.

2 ـ المعلومات, وهي ما نرغب في نقله عبر عملية الاتصال. وهنا لدينا خيارات لأشكال متعددة من الموضوعات: المكتوبة, والشفوية والإشارية الإيمائية.

3 ـ نقل المعلومات من خلال قنوات تتفق مع صيغة الموضوع, أذن من خلال قنوات: التكلم, والكتابة أو أشكال موحى بها, إلى آخره.

4 ـ استقبال المعلومات والذي ينسجم مع شكل الإرسال, أي الاستقبال: السمعي, والبصري, واللمسي إلى آخره.

كما يجب التأكيد هنا أنه ولغرض توصيل المعلومات لا يكفي فقط إنتاجها. كما أن عملية الترميز أو التشفير لا يمكن النظر إليها بصورة منعزلة. إن عملية إرسال المعلومات واستقبالها تعتمد على العوامل الآتية:

1 ـ إن عملية الإرسال ممكن ظهورها عندما تكون الرموز اللغوية معروفة لدى المستقبل. إن التشفير أو الترميز وفك الرموز يتطلب نظاما رمزيا واحدا لدى أطراف عملية الاتصال . أن الجزء الأكبر من خزين رموز المستقبل والمرسل يجب أن يكون مشتركا. هذا الشرط يبدو محققا في لغة الأم, باستثناء عملية التعلم. أما في عملية الاتصال بلغة أجنبية فإن هذا الشرط يرتقي إلى مستوى المشكلة. كما أن عملية الترميز لا تبلغ ماذا يجب أن تكون, لأن أي عملية لغوية ـ صوتية يجب أن يتوفر فيها عنصر استمرارية الفكر. وكذلك فإن نفس الفكرة يمكن التعبير عنها بمختلف اللغات بواسطة خزين مختلف من الرموز, وخلافا لذلك فإن عملية الترجمة لن تكون جيدة.

2 ـ إن المرسل يجب أن يمتلك الإمكانية لتشفير أفكاره ومشاعره بطريقة تمكنه من توصيلها للمستقبل بمساعدة خزين محدد من الرموز والتي يمتلكها المستقبل أيضا.

3 ـ إن المستقبل يجب أن يمتلك القدرة على فك رموز المعلومات المشفرة, أي إعادة بناء أفكار ومشاعر المرسل. إن عملية إعادة التشفير ليست عملية استسلامية خاملة وإنما على العكس تتطلب نشاطا. إن عملية الاستماع عملية معقدة ومتعبة, ولذا فإن ضبط نشاط المتابعة عند المستقبل ممكن في حالات نادرة.

4 ـ إن الرموز المنتجة من قبل المرسل يجب أن تكون صالحة للإرسال. كما يجب استخدام قناة مناسبة للتوصيل أو النقل لكي نستطيع الحد من التشويش إلى اقل ما يمكن. وكما هو معروف التأثير غير المناسب للكلمة في أوضاع غير مواتية.

5 ـ إن الاتصال في الحياة اليومية لا يشمل الظواهر المجردة, وإنما يشمل في اغلب الأحيان الظواهر الملموسة. إن اغلب الأفكار تنشأ عن حالات واقعية, والمرسل يجب أن ينقلها إلى حالات واقعية أيضا, ومن هنا ينشأ الافتراض التالي: إن المرسل والمستقبل يمتلكان خزينا مشتركا من المعاناة والإدراك, وخلافا لذلك فإن عملية إيصال المعلومات تصبح عملية شكلية وصماء, وهذا ما يحصل أيضا !!!!.

يتبع الحلقة الثالثة…..