الكثير من المسلسلات العراقية التي عالجت مسألة التفاوت الطبقي والاجتماعي، ولكنها في نفس الوقت افضت على هذا الموضوع بعدا حيوياً، جعل المشاهد يتعاطف معها كونها سلطت الضوء على قضية من صلب واقع المجتمع وحاولت الولوج إلى اغواره العميقة.
مسلسل (طيبة ) الذي حاول أن يجد لنفسه مكاناً في قلب المشاهد العراقي،ويعيد لهم بعض المتعة الدرامية التي خلفتها مسلسلات حفرت أسمها في ذاكرة الزمن برغم من مرور سنوات طويلة. فكرة المسلسل قائمة على الحالة التمرد التي تعيشها فتاة تحاول ان تنسلخ من واقعها الاجتماعي نحو عالم جديد فيه الكثير من المغريات والبهرجة.هذا الموضوع عولج مرات عديدة من خلال جملة من الافلام والمسلسلات. ولكن برغم تكرار الفكرة فان الإداء والحوار المؤثران جعلهما يذوبان كالسكر مع فكرة التكرار. ولو عدنا إلى الوراء قليلاً إلى فترة تسعينيات القرن الماضي لوجدنا مسلسل (هستيريا) من تأليف احمد هاتف وإخراج جمال عبد جاسم قد تطرق إلى قضية نفسها، وهي الاختلاف الطبقي وسلط الضوء على قصة الحب تعترضها مشكلة الصراع الطبقي والاجتماعي، حيث تفاعل أغلب العراقيين مع (سجاد) و(غسق) ايقونة العشق الذي تحدى كل العقبات،واستطاعت دموع (غسق) تمارة محمود وهدوء وثبات (سجاد) حكيم جاسم أن يكسرا كل القيود التي وضعها الأب القاسي صادق علي شاهين في طريقهما.
في حين نجد مسلسل (طيبة) بطولة هند نزار وتيم التميمي وإخراج اياد نحاس وتأليف محمد حنش، لم نجد هذا التأثير حيث كان الاداء بارداً، والحوار فيه الكثير من التكلف حتى وصلت العدوى إلى الممثلين المخضرمين الذين كان يمكن أن يلعب عامل الخبرة في بث الروح الى المسلسل ويعوضه بعض رونقه الذي فقده.
هناك بعض الملاحظات التي تسجل على مسلسل (طيبة ) منها: ان البطلين لم يكونا بحجم القيام بهكذا دور، بل كان يسود ادائهما بعض الرتابة، وسطحية مشاعر الحب، وعدم الانغماس بالدور إلى درجة هيام الصوفي، لذا كان الأداء فيه نوع من برد للمشاعر، لاسيما (وسام) الذي حاول ان يجهد نفسه، ولكن لكل مجتهد نصيب. وأيضاً هناك بعض التجاوز على القيم الاجتماعية، وألا كيف يفسر ان تعلن فتاة براءتها من أمها وأبيها لمجرد دخولها الى عالم غير عالمها الذي تنحدر منه فضلاً على أن الحب مهما كانت علامات وجده لا تدفع بنت من اسرة محافظة فقيرة ان تخترق خلوة شاب في شقته متحدياً بكل وقاحة السيطرات البشرية التي وضُعت امامها.
ومن الملاحظات التي يمكن ان تسجل على المسلسل هو المجلس التحقيقي الذي أقامتهُ الكلية في حادثةٍ وقعت خارج اسوار الكلية وفي حفلة خاصة حيث لايمكن أن يحاسب الطالب على موضوع خاص ولا يمكن فصله.
أجواء المسلسل فيها نوع من المبالغة والفخامة والبهرجة التي لم تألفها المسلسلات، وكأننا نعيش خارج العراق وكان بالأجدر ان يغلب العام على الخاص. من الامور المسلم بها عن الاعم الاغلب ان العراقي يمتاز بالفطنة وسرعة البديهية في تحليل المواقف بحيث لا تمر عليه شاردة ولا واردة دون تمحيص، ولكن في المسلسل الصورة مقلوبة لمجرد كلمات يطلقها مجرم ولص يمكن ان تعيد العلاقات الى سابق عهدها كما حصل مع (سعد) و خطيبته التي كشفت خداعه وزيفه بالجرم المشهود .
اداء بعض الممثلين المخضرمين الذين اقحموا انفسهم في المسلسل على حساب تاريخهم الفني، كان غير مقنع كما في مشهد ضياع البنت الصغرى لـ( محمد هاشم) حيث لم يتصرف كأب وهو يسمع بضياع فلذة كبده. ولابد من الاشادة ببعض الممثلين كما في شخصية (سعد) الذي اتقن دور الشر، وبرع فيه فضلاً على أن المسلسل أشار إلى قضية مهمة وهي جحود الابناء اتجاه الاباء. وأخيراً نهاية المسلسل هي بمثابة مكافأة للكذب والخداع والبرءاة من الأسرة والعالم الذي تنمني اليه (طيبة )، وفي حين دفع (سجاد) في ( هستيريا ) حياته ثمن حبه،وشتنان مابين الاثنين! نهاية تقليدية كأن البطلة ملاك مظلوم ساهم الاهل في التجني عليه،واخرى مأساوية على طريقة ثنائيات العشق العربية التي نقرأها في التاريخ .
السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن ان يسجل مسلسل (طيبة ) اسمه في قائمة المسلسلات العراقية المتميزة، ويمكن مشاهدتها بعد عشر سنوات مثلا ؟ الجواب يأتي سلبياُ بكل صراحة ،عكس (هستيريا ) لو تم عرضه الآن فانه سيكون محط اعجاب وتأثير كأنه يعرض لأول مرة.عالج مسلسلا (طيبة) و(هستيريا) فكرة صراع الحب والطبقية ولكن فشل الاول ونجح الثاني بسبب الاداء المتميز وحرفية الممثلين.