معركتنا اليوم باختصار هي بين الفاسدين والفاسدين فليس هناك بيننا من هو خالي الوفاض من الفساد ولذلك نجد الجميع أيضا يدعي أنه يريد الإصلاح ..فبلا شك أن كل الأحزاب المشاركة في السلطة بعد 2003 أوغلت بالفساد بأنواعه المتعددة وجردة سريعة لملكية هذه الأحزاب من بنايات وأراض ومقرات وعجلات وما لقادتها وشخصياتها والتجار المرتبطين بها والقنوات الإعلامية والصحف وعدد العاملين في مؤسساتها والرواتب التي تدفع لهم والمكاتب التي افتتحتها في الوزارات والمؤسسات الحكومية ولعدد منتسبيها الذين أصبحوا وزراء ووكلاء ومدراء ورؤساء أقسام وغيرهم سيخرس كل لسان جاهل أحمق بأن حزبه أو تياره أو حركته أو كتلته لم توغل بالفساد بكل أنواعه وصنوفه..
ومما لا شك فيه أيضا أن هذا الفساد لايقتصر على كبار المسؤولين أو حواشيهم بل هو متغلغل في نفوس أغلب موظفي الدولة ولذلك نرى إن أبسط معاملة لمواطن ستضعه في حيص بيص ولف ودوران ولن تنتهي معاناته إلا برشوة هذا الموظف أو ذاك ..فالفساد أصبح داء مستفحلا في دوائر الدولة كلها لافرق بين تنفيذ أو قضاء أو تشريع..
ولايقتصر الفساد على الدولة والحكومة والمؤسسات الرسمية بل هو متغلغل أيضا في المؤسسات غير الحكومية جلها وفي منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية العاملة في العراق والمؤسسات التعليمية الأهلية والمؤسسات الصحية والنقابات والاتحادات ..
ولامناص بعد ذلك من أن نكتشف أن الفساد أصبح مغروسا في كل موظف حكومي أو أهلي وعند كل صاحب صنعة أو حرفة مثل النجارين والبنائين والفلاحين والتجار والمقاولين والأطباء والمهندسين وعمال النظافة والمعلمين والمحامين والقضاة والقصابين وأهل الخضار وغيرهم من أهل الصنائع والحرف .. ولا ينجو من هذا الداء إلا ثلة قليلة أسعفتها تربيتها وإباؤها ونقاء سريرتها وكم منهم من عانى من هذا الفساد والفاسدين لأنه هو التيار الكبير الذي يطغى على كل من يريد الوقوف بوجهه أو يسلم من التلوث به ..إنه الطوفان الذي لن يبقي لبلادنا سوى التخلف والجهل والفوضى ولن تنفع في محاربته لقلقة اللسان وحشرجة الصدر واللافعل .. فلا غرو اننا سنبقى أمة فاسدة حين نسمح للجهل بالتغلغل فينا وسنبقى أمة فاسدة حين نترك الفاسدين يحركوننا يمينا وشمالا فنصيب البقة ونخطئ الجمل وسنبقى أمة فاسدة حين يقل انتاجنا وعملنا وتكثر ثرثرتنا ولغوتنا فتصغر في عيننا الإنجازات لنطلق عليها (زرق ورق) وتكبر في عيننا التوافه لنسميها إنجازات وسنبقى أمة فاسدة حين يصبح النفاق مجاملة والصدق مذمة وسنبقى أمة فاسدة حين نعيش في الماضي لنجتره بسبب وبلا سبب ولانفهم الحاضر ونعيد رؤيتنا له ولانخطط للمستقبل فنبني لأجيالنا لكي يبنوا لأجيالهم..
فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين .. فهل من مدكر ؟