هز صباح يوم الاثنين 17 كانون الثاني 2012 انفجارين قوييين بسيارتين مفخختين مدينة طوزخورماتو مستهدفة احداها محلة تنكي (تنكي محله سي) والاخرى لاتبعد عن الاولى الا مسافة قريبة ولكن في منطقة اخرى (يهوديلر سوقاقي)، تزامن هذين الانفجارين مع الاتفاق الذي اعلن بين الاقليم والمركز حول ايقاف التراشقات والتصريحات الاعلامية المتشنجة التي صدرت عن الطرفين عقب تشكيل قوات دجلة وتحديدا بعد تحركات قواتها للمناطق (المتنازع عليها) واخذت تنتشر في مناطق كركوك وطوزخورماتو وديالى.
الخسائر مثلما في كل مرة من التركمان 100% وهذا ما تعودنا عليه من خلال تحديد اماكن الانفجارات التي شهدتها المدينة مسبقا، فالذي يريد ان يشكك ويقنع بعض المتوهمين في الدولة العراقية وبعض ضعاف النفوس من القيادات بالهوية المزيفة لعائدية المدينة فاليذهب الى سجل الوفيات قبل ان يذهب الى النفوس والطابو ليتعرف فقط على عدد وقومية الضحايا الذين سقطوا جراء العمليات الارهابية والسيارات المفخخة التي انفجرت في المدينة منذ 2003 فجميعهم من التركمان .
السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح من المستفيد من الانفجارات؟ لماذا لم تشهد المدينة اية عمليات ارهابية خلال الفترة التي انشغلت فيها الاقليم مع حكومة المركز حول المناطق المتعددة التسميات ( المنتازعة، المختلطة، المستقطعة، كردستانية خارج كردستان …الخ) لماذا لم يتم استهداف المناطق الكردية داخل المدينة؟ لماذا لم يتم اختطاف اي كردي او عربي من المدينة؟ اسئلة اخرى كثيرة تطرح نفسها لكننا في صدد الاخذ بقسم منها لمناقشتها لعلها تسعفنا وتدلنا على الطريق الذي نستطيع من خلاله الحفاظ على ارواح تركمانية تزهق كل يوم.
للذين ليس لديهم إلمام بجغرافية المدينة اود ان اوجز قليلا عنها، فالانفجارات التي استهدفت المدينة جميعها وبدون استثناء كانت الجهة الغربية من طريق المقبرة (ان صح التعبير ان اسميها هكذا) لان لا اسم لها، وهو طريق اشبه بالحولي يربط شمال المدينة من بداية (خاني كولي ) من الجنوب الشرقي، الى الجمهورية بمفرقين الاولى المركز القديم، والثانية قرب مبنى القائمقامية، في الجزء الشمال الشرقي من الطريق الجهة الشرقية من الطريق يمثل اقل من ثلث المدينة مساحة يسكنه الاقلية الكردية وهي المنطقة المسماة (ينكي داملار) اي البيوت الجديدة نسبة الى حداثة المنطقة البعيدة نسبيا عن المركز، تستمر لتلتقي مع محلة الجمهورية وهي التي تم تاسيسها بعد مجئ عبدالكريم قاسم للحكم واعطى مساحات في الكثير من المدن الشمالية لتسكين الاكراد فيها وسمي حينها (بالجمهورية).
على الرغم من ان المدينة تابعة اداريا الى محافظة صلاح الدين الا انها تدار كأنها مدينة تابعة للاقليم عسكريا وسياسيا نوعا ما، فوجود الاحزاب الكردية في مباني كانت تابعة لحزب البعث من مقرات فرقة وشعبة، ودائرة الامن، ودائرة المخابرات الصدامية تشغلها عناصر امنية وحزبية كردية، فضلا عن نقاط السيطرة، اذن كيف يتم ادخال المفخخات داخل المدينة وتحديد اماكن الاستهداف التي جميعها تركمانية، وهل يعقل عدم علم الاجهزة الكردية بتلك العمليات؟
قبل مجئ قوات دجلة، المواطنين التركمان وحتى السياسين والقادة التركمان كانوا يحلمون بتواجد عسكري من المركز في كركوك وطوزخورماتو منذ السقوط،، ونحن نعلم علم اليقين بان بعض من القياديين والسياسين التركمان المتواجدين في بغداد كانو على اتصال مستمر مع رئيس الوزراء نوري المالكي لارسال قوات الى المناطق التركمانية، فوصول هذه القوات كانت نصرا لجهود اولئك. ولكن الذي حصل هو أنه حين جاءت تلك القوات فأنها إصدمت بواقع مرير، فقد فوجئت ومعها المثقفين والمواطنين التركمان بموقف التركمان الحيادي والرافض فيما بعد لتواجد تلك القوات! في الوقت الذي راى فيه الجانب الكردي بان تواجد تلك القوات ليست في مصلحتها، والسبب واضح لا يحتاج الى جهد لتفسيره، فوجود الحكومة المركزية بشكل مكثف في تلك المنطقة سيعكر بكل تأكيد الجو والخطط الموضوعة من قبل الأكراد في إدارة المنطقة سياسيا وإقتصاديا وديموغرافيا لصالح مخططاتها القومية.
لقد تعلمت الاجهزة الامنية الكردية دروسا في غاية الاهمية من القوات الامريكية، وخاصة في التعامل مع طوائف وقوميات العراق وفق اجندة موضوعة لتفريق التآلف الطبيعي بين فئات الشعب العراقي، وتفتيت قوة المجتمع في صراعات محلية مضنية لا منتصر فيها ولا خاسر سوى صاحب السياسة السيئة القديمة (فرق تسد)، ليقتل أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة بعضهم البعض وخلق إستقطابات هجينة لا مصلحة للمواطن العراقي فيها.
نقولها بصراحة الى كل من يهمه مستقبل الوجود التركماني في العراق، وفي مقدمتهم من يدعون قيادة العملية السياسية التركمانية أو المشاركين فيها بشكل أو بآخر. كفى وكفى وكفى لهذه اللامبالات، كفى وكفى وكفى للمواقف الخانعة، كفى وكفى وكفى للإنحناء لرغبات تركيا وغيرها من الدول والجهات التي لا يهمها سوى إستخدام الورقة التركمانية لمصالحها القومية دون أي مراعاة لمصير ومستقبل هذه الفئة التي لا ذنب لها سوى أنها مسالمة، لا تساوم على حقوقها القومية والوطنية. اعلمونا أيتها الأحزاب التركمانية عمن تريدون التحالف معه، أخبرونا مع من أنتم وضد من! المواطن التركماني المحاصر في وطئة بين السياسات العدوانية من كل الجهات وبين لقمة العيش، لم يعد لديه الطاقة ليتحمل صبيانية بعض الاحزاب والقيادات التركمانية بعد اليوم. تحالفوا مع من تريدون، تحالفوا مع الشيطان الأكبر أو الأصغر حسبما تشاؤون، ولكن ليكن هذا التحالف من أجل الشعب التركماني ومستقبل وجوده، وليس لمصالح حزبية وشخصية ضيقة. الشعب التركماني لا يريد حقوقا من احد، ولكنه يطالب بأن لا يهضم الاخرين حقوقه، لقد سأم التركمان من هذه التجاوزات الحقيرة ضد مدنهم واراضيهم ووجودهم، ضد هذه المخططات العدوانية اللاإنسانية ضد مستقبل شبابهم ولقمة عيشهم. الى بعض القيادات المسيرة نقول ، قولوا لمن يرسم لكم الطريق بانه على خطأ، وبأنه واهم عن قصد أو بغيره فيما يرسمه لكم، قولوا لتلك الجهة أو الجهات، إن ما تشير به وتفرضه عليكم من مواقف، إنما هي أكثر عدائية ضد الشعب التركماني من سياسات الفئات المناوئة، هل فيكم من كريم لا يخاف في الحق لومة لائم، ليقول كل ذلك لتلك الجهة أو الجهات!!!
كانت تربطنا علاقة اخوية مع الاكراد، كشعبين عاشا سويا بحكم الجغرافية، لنا من بينهم الكثير من الاصدقاء نحسبهم أخوة أعزاء، شاركناهم في الاحزان والمسرات مازلنا، لا نخلط بين المخططات العدوانية للأحزاب الكردية وبين المواطن الكردي العادي الذي هو جار او صديق يهرول خلف لقمة العيش كما يفعل المواطن التركماني العادي.
في الأمس القريب كانت تركيا ترفض وبشكل قطعي مقابلة شخصية كردية عراقية حتى في مطعم كباب أو محل مرطبات، وكانت لا توفر جهدا أو فرصة إلا وتذكر الحكومة المركزية في بغداد بأن تأخذ بزمام الأمور، بل وحتى أن أحد المسؤلين الأتراك خاطب الحكومة في بغداد قائلا: عليكم أن تبينوا للأكراد حدهم!! وكانت الأحزاب السياسية التركمانية المؤيدة من قبل تركيا لا هم لها سوى التشهير بسياسات الأحزاب الكردية!! المثير في الأمر هو أن تركيا غيرت من سياستها تجاه الأكراد العراقيين، وهذا شأنها لا علاقة لنا بذلك، ونفس الأحزاب التركمانية باتت وبشكل متزامن لا تتحدث عن مواقف الأكراد وسياساتهم العنصرية في المناطق التركمانية المحتلة منذ 2003!! الأكثر إثارة في الموضوع هو أن كل ذلك يحصل في حين أن سياسات الأكراد تجاه التركمان ومناطقهم لم تتغير، وإن تغيرت فقد تغيرت نحو الأسوء والأكثر عدوانية!! والحكومة المركزية التي كان الاتراك والأحزاب التركمانية يطالبونها بالتدخل لوضع حد لتجاوزات الأكراد عندما جاء الوقت لتتولى مسئوليتها تجاه المناطق التركمانية التي هي جزء من العراق الواحد الأوحد كما كانت تسميه إلاعلام التركمانية وكتاتيبهم على الأنترنيت، أصبحت هذه الحكومة المركزية ومؤسساتها غير مرغوب فيها في المناطق التركمانية!! اية لعبة قذرة هذه التي تلعبها الشقيقة تركيا ياترى! اية أوهام هذه التي تعيش فيها بعض الاحزاب والكتل السياسية التركمانية!
التركمان اليوم بحاجة الى من يقود سفينة التركمان في البحر العراقي الهائج ويوصلها الى بر الأمان، ولكن مع هذه التبعية والإرادة الضعيفة ، فإن الوصول لبر الأمان لن يكون سهلا ولا قريبا مع الاسف الشديد.
انظروا الى سفح جبل مرسى علي، الذي اقتلع منه بعد السقوط وفي غضون دقائق رمز تاريخي عراقي وتركماني (مقام الامام علي ع )، ولم يبقي منه الأعداء سوى السارية التي كانت ترفع العلم الاخضر نسبة الى الامام علي (ع)، حتى هذه السارية وجدها الأكراد كثيرا على التركمان، فقاموا قبل اسابيع بإزالة العلم الأخضر ووضعوا بدلا عنه علم كردستان، ولولا تدخل بعض القياديين المخلصين من التركمان لدى الدولة لم ولن ينزل عنها، والعلم الكردي الاخر مازال موضوعا على صدر جبل مرسى علي وبطول اكثر من 70 متر، اي واقع مرير هذا الذي يعيشه التركمان، اية تحالفات هذه التي تورطت فيها البعض من أحزابنا والى متى!!
بسبب التفجيرات الإرهابية فإن المناطق التركمانية والتي تشكل في الغالب مركز المدينة التي يعيشون فيها، فالمناطق الأخرى الكردية والعربية تقع غالبا في محيط تلك المدن لحدائة إنشائها، فإن الأسواق التي يديروها التركمان في مراكز تلك المدن إنهارت إقتصادياتها. وهذا النموذج واضح في طوزخورماتو اكثر من غيرها. فكثرة السواتر والنقاط الأمنية أدى الى عدم تمكن السيارات من الوصول الى تلك الأسواق من جهة وبسبب الخوف من مثل تلك العمليات الارهابية من جهة إخرى، ما ادى الى بعض اصحاب الأسواق من التركمان الى غلق محلاتهم، وإنقطاع أسباب معاشهم. في المقابل انتعش اقتصاد الاسواق الواقعة في حي الجمهورية ذات الأغلبية الكرديةالتي بنيت بعد السقوط 2003، نظرا لتوفر الامن والامان فيها، فتبقى تلك الاسواق مفتوحة الى ساعات متاخرة من الليل، في حين يضطر أصحاب المحلات من التركمان في المركز من إغلاق محلاتهم في ساعات مبكرة.
خمسة افراد من عائلة واحدة سقطوا يوم امس شهداء في طوزخورماتو، رب العائلة الأب تم اغتياله بمسدس كاتم قبل اسابيع فقط، وبقية افراد عائلته لحقوا بالأب هذا اليوم بعد انهيار دارهم عليهم بسبب الإنفجار.
إننا نتسائل ومعنا كل أصحاب الضمائر أين الذين كانوا ينادون ليل نهار ويطالبون بتشكيل لجان لحماية المناطق التركمانية؟ متى ياترى سيكون الوقت اكثر مناسبة لتشكيل مثل تلك اللجان! إننا نهيب بالشباب التركمان وخاصة في طوزخورماتو الى تبني هذا الأمر وعدم إنتظار قرارت الاحزاب التي يبدوا أنها مبرمجة للصراخ وإصدار الإدانات فقط، نهيب بالشباب التركماني الى تشكيل لجان محلية من الشباب التركمان في كل محلة وكل سوق، تتحمل مسؤولية حماية التركمان وكل سكان تلك المناطق مسلحين قبل كل شيء بإرادة البقاء والصمود التي يريد أعداء الداخل والخارج بأن يكسروها لدى التركمان، ولكن هيهات، التركمان باقون في طوزخورماتو وفي قرى البيات في كركوك في أربيل في تلعفر في مندلي في كل العراق، وأعدائم الى زوال.
انفجارات طوزحورماتو اليوم وقبلها يوم امس في كركوك رسالة واضحة الى التركمان خاصة والقيادات العراقية، نعرف مضمونها، ياترى هل القيادات العراقية والتركمانية خاصة واعية لذلك المضمون؟