23 نوفمبر، 2024 6:36 ص
Search
Close this search box.

طوب ابو خزامة … سيد مالك .. وحصان الشطرة

طوب ابو خزامة … سيد مالك .. وحصان الشطرة

يقول المفكر العراقي والعلامة العراقي دكتور على الوردي في الجزء الاول من ( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ) كان السلطان مراد عند مغادرته بغداد قد ترك فيها احد مدافعه الثقيلة ليوضع عند باب ” القلعة ” وقد صار هذا المدفع في نظر العامة من اهل بغداد – لاسيما السنيين منهم – شبه قديس تنسب اليه الكرامات وتنسج حوله الاساطير.
اطلق اهل بغداد على المدفع ” طوب ابو خزامة ” ويعزى سبب هذه التسمية الى وجود خرق صغير في فوهة المدفع كأن منخر له , وتقول الاساطير الشعبية في تعليل الخرق ان المدفع كان في السماء عند حصار بغداد , وان الله امر جبرائيل ان ينزل به الى الارض لمساعدة السلطان مراد على فتح بغداد فنزل به جبرائيل يقوده من منخره.وهناك أساطير أخرى يتناقلها اهل بغداد حول هذا المدفع ,منها ان الاسماك التسعة المنقوشة على جانبيه , كانت قد لصقت به عند اجتيازه ” بحر القدرة ” اثناء نزوله من السماء , ومنها ان المدفع عند استقراره في الارض اخذ يلتقف التراب ويحوله بقدرة الله الى قنابل يقذف بها العدو.
وصلت الاساطير حول كرامات ” طوب ابو خزامه ” الى حد صار فيه النساء يتبركن به وينذرن له النذور ويربطن به الخيوط على منوال مايصنعن في المراقد المقدسة , وجرت العادة في بغداد ان يؤتى بالمولود الجديد في يومه السابع فيطاف به حول المدفع ويدخل رأسه في فوهته ثلاث مرات . لم يترك العوام التبرك بالمدفع الا بعد نقله الى المتحف الحربي ,فنسيه الناس اذ ذاك ونسوا كراماته .وهو اليوم يعتبر اثرا قديما لا قدسية فيه .
هذا ما حدث في بغداد عام 1639 ,أما ماحدث في مدينة الشطرة عام 2012 إن موكبا حسيني قد انشىء حصان حديديا على مقربة كما يطلق عليها “فلكة الشطرة”كرمزمن رموز ملحمة الطف الحسينية.ويروى ان امراة من اهالي الشطرة ,قد غزا عقلها هذا الحصان الحديدي في الرؤيا وهي نائمة , وقد وعدها ان يهب لها مولود جديد حرمت منه سنوات طويلة من زواجها ,فاستيقظت في الصباح الباكر واتجهت الى الحصان وهي تعده بنذرا سمينا اذا نفذ وعده الحلمي ,فتحققت المعجزة الحصانية بعدئذ ,وجاءت البشارة باسرع من البرق في السماء, وبلسان المختبر الطبي الذي اخبرها بانها تحمل مولودا جديدا,
سرت هذه المعجزة الحصانية في الأوساط الشطرية العامة ,سراء النار في الهشيم , فتهافت على الحصان الذي ركن في قلب مدينة الشطرة بالعشرات , وصلت إلى التبرك به ونذر النذور له وربط الأقمشة الخضراء والخيوط على منوال مايعملن في المراقد المقدسة.واستفحل امر الحصان الحديدي الى صناعة عادات طقوسية للحصول على ظفر هذا الحديدي ,منهاعادة ان يؤتى بالمولود الجديد في اليوم السابع , فيطاف به حول الحصان والتمسح به وكأن جبرائيل انزل به من السماء الى الارض , على شاكلة ما كانت الناس تعمل مع ” طوب ابو خزامة ” في بغداد.
 وفي الوقت الذي راحت العملات النقدية تتساقط عليه بالدينار العراقي والدولار الامريكي ,وهم يتبركون به ويقدسونه ويعلقون عليه ” التمائم ” ويمسحون به رؤوسهم وأجسادهم ويقبلونه , أقول في الوقت الذي حدث هذا وطوح إلى منفذ تجاري لجمع الأموال , تنازع عليه طرفان أو جهتين ,كل يدعي عائدية الحصان له ,ووصل الحال بهما حد التقاتل المسلح لولا تدخل الجهات الرسمية في المدينة وقررت رفع الحصان المقدس من مكانه ,فأصبح لا قيمة قدسية له .
ولعل الطرفان المتنازعات على حيازة (الحصان الحديدي ) يدركون ويعلمون جيدا ان حالهم كحال اصحاب القصة التي نتج عنها المثل القائل ” احنه دفناه سوه ” التي مختصرها :
كان رجلان من عامة الناس يعتاشان على بيع الزيت الذي يحملانه على حمار اللذان يقودانه ويتجولا به من منطقة لاخرى , وعندما أسدلت حياة الحمار إلى الأبد ومات في الطريق فحزن الرجلان حزنا شديدا لانه يوفر مصدر رزقهما الوحيد .قدحت فكرة في رأس احدهما فطلب من صاحبه ان يلجم بكائه وعويله ,مقترحا عليه ان يدفنوا الحمار ويبنوا عليه ضريح عليه قبة ونعلن إن هذا مزارا لأحد أولياء الله الصالحين ,ونشيع ان له كراماته واعجازاته فتتهافت علينا الناس للتبرك به وطلبا لقضاء حوائجهم وهم يغدقون المزار بالهدايا والاموال والنذور والتبرعات العينية المختلفة , وماهي الا ساعات قلائل حتى طوحت جثة الحمار تحت قبة مزار مهيب ,واصبح الرجلان من الوجهاء الذين يحسب لهم ألف حساب.. وما أن اختلف الرجلان على حصيلة النذور والتبرعات ,مما جعل احدهما يشك بالاخر , طفق احدهما ان يشير إلى القبة , أن يحلف ويقسم بكرامات صاحب القبة المقدس ويبرأ من التهمه , الا ان صاحبه التفت اليه متعجبا وقال له : احلف بمن يارجل
” مو احنه دفناه سوه ” .
هذه القصة تشبه إلى حد بعيد , قصة الطرفان المتعاركان على حصان الشطرة الحديدي ,وكان لسانهما يقول ” مو احنه صنعناه سوا “
  ولم يحتكر “طوب أو خزامة ” القدسية له بعد فتح بغداد وشاركه فيها رجل اسمه “كنج عثمان” وكان هذا الرجل قائد عثماني جاء الى العراق قبل مجيء السلطان مراد ,تصحبه قوة من الجيش ,فاحتل الحلة والرماحية وكربلاء والنجف , ولكنه مات قبل فتح بغداد ,فنقلت جنازته بعد الفتح الى بغداد ودفنت قرب السراي..وظن أهل بغداد انه من الذين استشهدوا في المعركة ,وانتشرت بينهم الأساطير عنه وعن كراماته ,فقيل انه كان عند فتح بغداد يحمل راية أمام السلطان مراد فقطعت يداه ولكن الراية ظلت تمشي وحدها من غير ان يكون لها احد يحملها ,ولم تسقط الراية الا بعد ان شاهدها احد الناس ودهش لمنظرها العجيب .
وكما يقول علي الوردي , وقد صار قبر “كنج عثمان” مزارا ,فبنيت عليه قبة واتخذت له سقاية للماء . وفي عام 1720 جدد بناء القبر الوالي المشهور حسن باشا وكتب على شباك قبره المطل على الطريق ما نصه ( الا ان اولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون .رئيس الشهداء كنج عثمان .وقد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة 1133هه ) .
ومن الأساطير الشعبية التي حدثت في مدينة الشطرة في التسعينات من القرن الماضي حول كرامات ” سيد علي ” وقدراته الاعجازية في إحياء الموتى وشفاء المرضى والبرصان واستنطاق الحجر.. ” سيد علي ” هذا الذي شيد له مرقدا شرق مدينة الشطرة قد قتل اثر خلاف بينه وبين رجل آخر في منطقة ” الفتاحية ” الفقيرة.
وعندما انتشر الطاعون في سجن ” ابي غريب ” الشهير في بغداد ومات قاتل ” سيد علي ” انتشرت بين عامة الناس الأساطير التي ما انزل الله بها من سلطان , عنه وعن كراماته الخارقية ,فقيل إن اضوية متوهجة تنبعث من المكان الذي قتل فيه..وقيل إن قاتله قد أنزلت السماء عليه شياطين فخنقته شر خنقة وهي تصرخ “الثار لسيد علي ” ,وعليه فقد شيد له مرقدا شرقي مدينة الشطرة ,واستحال إلى ” سيد علي المقدس ” والسادن الخرافي الأعظم الذي تنذر له النذور وتربط به خرق الأقمشة الخضراء ويحنى جدرانه بالحناء لأنه الشفيع الأكبر في علاج المرضى وتزويج العوانس ومفتاح الرزق وباب سماوي من أبواب قضاء الحوائج.
وفي الحرب العراقية- الإيرانية ,دعمت الأجهزة المخابراتية والحزبية لنظام صدام حسين ,صناعة العقلية الشعبية ل ” سيد مالك ” في محافظة الكوت ,كاسطورة نمت في عقول البسطاء والرجل الذي يحقق المعجزات ,فقيل انه بسط عباءته على جسر الكوت ,فكانت هذه العباءة من الخارقية مامنعت الطائرات الإيرانية إن تصيبه بقذائفها المدمرة ..وقيل إن ” سيد مالك ” القديس الذي تنسب له الكرامات الخارقية ان عباءته تنتقل في جبهات قتال الحرب العراقية –الإيرانية , لان لها كرامات تحقق الانتصارات العسكرية وتمنع القوات المعادية من تحقيق أي مكسب على الأرض !
هذا النسج الأسطوري من الأقاصيص دفعت عوام الناس إلى التهافت عليه بالمئات لزيارته وهو حي يرزق للتبرك به وتقديم النذور إليه والتوسل به لشفاء المرضى واستدرار الرزق ودفع الشر وكشف أسماء السراق من الذين سطو على بيوتهم ,سيما ولما يقرر سيد مالك الخروج من صومعته الكهنوتية والخروج لسماع حوائج الناس ,فان الوافدين أليه ينحنون ويطأطأون رؤوسهم تعظيما لجلالته وجلالة سلطانه الروحي .
دعم أسطورة ” سيد مالك ” من قبل نظام صدام حسين في صناعة ولي فاشل من اولياء النظام المستبد,قد تورط بها أحزاب إسلامية تهيمن على المشهد السياسي والحكومي للعراق الجديد , حيث روجت في الانتخابات البرلمانية الأولى تحذيرات جازمة إلى عوام الناس الشيعة بان من لم ينتخب قائمة ” 555″ فان الله سيصليه بنار جهنم لا محالة ويحرم النظر في وجهه والحديث معه وحتى الصعود واياه بحافلة ركاب واحده ..وان الزوجة التي لا تصوت لقائمة السماء “555 ”  فهي لاتحل لزوجها وعليه تطليقا لكي يتحاشى عقوبة السماء والعكس صحيح ..وان من كان في بيته رجل طاعن السن , وعلى أبواب الموت ,فعليه حمله ببطانية حتى ولو كانت رثة إلى صناديق الاقتراع تنفيذا لامر المرجعية , وهذا مجاف للحقيقة لان المرجعية لم تقل ذلك وأعلنت بأنها تقف على مسافة واحدة من الجميع .
والأكثر كارثية من ذلك إن غالبية عوام الشيعة قد امتثلوا لهذه الخزعبلات والترهات وصدقوا بها ,لأنهم اعتقدوا في بواطنهم , إن قائمة (555) هي مزار لولي عظيم من أولياء الله وعليهم طاعته وطاعة خزعبلات أحزابه وانتخابها دون سواها .وهنا اتساءل وفق هذه المعطيات الكارثية , أليس بحاجة إلى نظام ديمقراطي يتناسب وثقافة مجتمعاتنا المنحطة ؟ وهل نصدق ان ثمة برلمان وحكومة منتخبة باصوات شعبية تعي جيدا ما تنتخبه ؟ وهل ثمة تنافس شريف في ظل عقلية شعبيه تتجاذبها الخرافة والأسطورة ,وترسم الأساطير والخزعبلات مستقبلها ؟
هذه العقلية العامة البسيطة أضحت كذلك عرضة للضحك على ذقونها واللعب على أوتارها العاطفية في الهواء الطلق ,فكان لجلاوزة تجار “الشورجة” و ” جميلة ” صولات وجولات في مرابعهم ,فقد أطلقوا أكذوبة مصطنعة , لما تكدست أكياس نبات ” الحناء ” في مخازنهم ومتاجرهم لانعدام او ضعف الإقبال عليها وشعروا بانهم سيتكبدون خسائر تمس بالشيء الهين على ارباح السحت الحرام الفائقة , وقالوا ان طاعون سيجتاح العراق ويقضي على ارواح الاطفال , ومن لم يحني أطفاله بنبات الحناء سيهلك أطفاله جميعهم وقد اعذر من انذر , داعمين اكذوبتهم هذه باكذوبة اخرى ,بان المرجعية تدعوا الى ذلك..فنفدت ” الحناء ” من الأسواق في ساعات قلائل , ومن كان حظه عاثرا ولم يحصل على ” الحناء ” فقد اسود وجهه وراح يضرب اخماس باسداس وهو في حيص بيص من امره .
وذات التجار العتاة قد اطلقوا ذات التحذيرات المزعومة ” الماش ” و ” الهريسه ” وندري ماهو ماهي المادة التجارية المرشحة في قابل الايام التي يفترسون بها جيوب عامة الناس من البسطاء .

أحدث المقالات

أحدث المقالات