18 ديسمبر، 2024 11:08 م

طوباس..حلم أخضر لا يغيب

طوباس..حلم أخضر لا يغيب

مدننا هي جزءٌ منا، من حياتنا، من هويتنا، تشبه قطعةً من روحنا ونحمل ملامحها كتذكارٍ منها يرافقنا حتى نهاية العمر، فنراها إن نظرنا في مرايانا ونسمعها في حواراتنا ونعيشها في تفاصيلنا فهي أقرب إلينا من أنفسنا وتسكن تحت جلدنا وإن لم نراها، ومن لم يرى (طوباس) سيحبها عندما يستمع لقصتها، فهي أجمل من حلم، شفافةٌ كطيف، ناعمةٌ كنغمة نوتتها فلسطينية، تقع في جنوب شرق مدينة جنين وشمال شرق مدينة نابلس وتقع بمحاذاة نهر الأردن..

يعود أصل تسميتها إلى بلدة (تاباص) الكنعانية والتي تقع حالياً على أنقاضها ومعناها الضياء أو البهاء، وعرفت أيام الرومان بإسم (ثيبس)، أما اسم (طوباس) فأطلقه عليها العرب بعد دخول المسلمين إليها..

وأهمية موقعها تأتي كونها صلة وصل بين محافظة جنين وبين الأردن، ولأنها نقطةٌ مركزية بالنسبة إلى كل الضفة الغربية وتشكل مع منطقة أريحا وغور فلسطين الذي يمتاز بجودة أرضه ووفرة مياهه وصلاحيته لزراعة الكثير من المزروعات، واعتاد أهالي (طوباس) والأغوار الشمالية على العمل في الزراعة بسبب مساحاتها الزراعية الواسعة والتي تشتهر بمحاصيل الزيتون والبصل والخضروات واللوزيات وهي من أكبر المدن الفلسطينية، وقد حصلت نهضة شاملة في تطوير التعليم وازدياد بناء المدارس فيها لمواكبة التطور واحتياجات المدينة باستثناء منطقة الأغوار الشمالية التي يمنع الإحتلال الإسرائيلي إنشاء أي بناءٍ فيها..

ومن أشهر معالمها الأثرية:

١- خربة يرزا: تقع شرق طوباس قرب (وادي المالح) بها آثار مدينةٍ قديمة تعود إلى العهد الكنعاني وكهوف بها قبور بداخلها نحتت بالصخر، وتشتهر بشجر الخروب والسريس إضافةً إلى أراضٍ زراعية خاصة بأهالي طوباس..

٢- تل الردغة: وهو عبارة عن تل أنقاض وآثار جدران مبنية بالحجارة وبقايا معاصر من البازلت، وإلى الغرب تقع مقبرةٌ رومانية وبوابةٌ مبنية بالحجارة..

٣- خربة جباريس: بها جدران أبراج متهدمة وأساسات وأعمدة وأرض مرصوفة بالفسيسفاء، وناووسٌ مكسور وعتبات أبواب عليا ومدافن منقورة في الصخر..

٤- سلحب: تقع في شمال (طوباس) وللشرق من قرية (عقابة) وخربة (كشدة)، وتحتوي على أنقاض أبنية وتشمل (تل الحمة) وهو عبارة عن تل أنقاض به آثار جدران ومدافن منقورة في الصخر، وكانت تقوم على هذا التل قرية (حمات) الكنعانية..

٥- خربة الغرور: ويوجد فيها بقايا حظيرةٍ مستطيلة وبرج ومدافن وصهاريج وأساسات وطريق رومانية وفي جنوبها الشرقي تقع (مخاضة أبو سدرة)..

٦- خربة عينون: لعلها تحريف لـ (عين نونا)، وهو اسم سرياني بمعنى عين السمكة، وتحتوي على أنقاض قرية وجدارن عقود ومقام وصهاريج وأحواض سلالم وصخور منحوتة ونقر في الصخور..

٧ – خربة أم القباء: ويوجد فيها بيوت قديمة ومغارات، وكانت هذه المنطقة مليئةً بالسكان حتي بداية السبعينات من هذا القرن، وقد عمل سكانها بالزراعة والرعي..

٨ – خربة الموبرة الغربية: وهي قريبة من خربة أم القباء وفيها بيوت قديمة ومغارات وآبار مياه وأشجار، وقد تم هدمها من قبل السلطات الإسرائيلية بفعل المناورات العسكرية مما أدى إلى رحيل سكانها إلى مدينة طوباس بسبب خطرها عليهم وحرق مزروعاتهم بإستمرار عدا عن تجريف الأراضي، وقد عمل سكانها في الزراعة وهي محاذية لمنطقة سمرة ولا تبعد عن نهر الأردن أكثر من ٧ – ٨ كيلومتر..

ولا يمكننا إغفال الحديث عن استهداف الإحتلال الإسرائيلي لطوباس منذ احتلال الضفة الغربية، فقد تم بناء مجموعة كبيرة من المستوطنات الإسرائيلية ومعسكرات تدريب جيش الاحتلال والتي نهبت أكثر من نصف مساحة أراضيها، خصوصاً بعد إعلانه عن خطته لضم منطقة الأغوار والتي تمتلك أهمية كبيرة بسبب خصوبة أراضيها وثرواتها واحتوائها على المخزون الإحتياطي الإستراتيجي للماء وموقعها القريب من الأردن ونهر الأردن، دون أن ننسى إضافة العديد من الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش فيها والتي تجعل حياة الفلسطينيين أكثر صعوبة..

وتبقى (طوباس) حلماً فلسطينياً أخضراً زاخراً بإرثٍ حضاري وتاريخي عريق يتشابك مع جمال الصورة التي سكنت المخيلة وتتمنى أن تتحول إلى واقع ٍ قابلٍ للعناق، يحن إليها القلب ويتمنى أن يشم عطرها ويمتع عينيه بالنظر إلى جمالها وكأنها لم تغب يوماً..