23 ديسمبر، 2024 5:56 م

طواغيت والسقوط المهين

طواغيت والسقوط المهين

 وعن غرة أنتفضت الشوارع العربية كالسيل العرم جارفة كل الطواغيت الذين أحاطوا أنفسهم بهالة من النعوتات الحسنى المفروضة غصبا منها على سبيل المثال ( حامي الأمة , فارس الأمة , القائد المغوار , القائد الأوحد , باني الأمة , مجد الأمة … ألخ ) من العبارت التي لا يشاركهم فيها أحد والتي كانت قد أصابت الشعوب العربية التخمة من كثرة تكرارها ليل نهار وعبر كل ما تيسر للطواغيت من شبكات للنشر طيلة سني حكمهم المخابراتي الجائر الذي زرع الرعب والفساد والطائفية والحرمان والعوز والخداع والدجل والرذيلة تلك التي زركشها وجملّها زورا بغشاء العزة والصدق والسهر على أمن المواطنين بينما في الخفاء كان سيف العبودية مسلط على رقاب المجتمع …
    اليوم أن زيف حماة الأمة وفوارسها بأهتزازا أركان عروشها وبأنقشاع هالة المكر والخداع برز للملأ وحشيتهم الحقة ممزقة لياس الحملان الذي ستّروا خلفه دجل شعاراتهم الجوفاء على الصعيدين القطري والقومي التي  حشوا بها كتب المدارس وفي الشوارع وعلى اللافتات وحتى في المنام لكن في الواقع وعلى الأرض لم يكن سوى سراب في سراب حيث لا وحدة عربية ولا تحرير فلسطين ( طريق الوحدة ) ولا رمي أسرائيل في البحر ناهيك عن سياسة الأمن الغذائي العربي وستراتجية الوحدة الأقتصادية العربية وسلاح نفط العرب للعرب كلها كانت للصرف الأعلامي وألهاء الشارع العربي المسكين بها أو زجه في حروب مفتعلة بينما الطواغيت كانت تلعب بخيرات ومقدرات البلد على هواها متحججة بأن كل شيء في أيادي أمينة وهذا يعود بذاكرتي ألى ما كنت يوما قد سمعته من أصدقاء سوريين حينما قالوا بأن حكومتهم لا توجد فيها وزارة للنفط !!! والسبب كون ذلك المعدن ( الذهب الأسود ) هو في أيادي امينة طيلة أكثر من أربعون عاما ؟؟ ( ومن غير تعليق رجاءا ) … وأما  المضحك المبكي هو بخصوص  السلاح الذي رصدوا له مليارات الدولارات ومن قوت الشعب المحروم من أبسط متطلبات العيش تحت طائلة تحرير ما هو عربي مختصب أو حماية الأراضي العربية وحدودها من شرور الأعداء أو ستراتيجية الدفاع العريي نراه اليوم يوجه ومن دون وجل ولا حياء نحو صدور  الأبرياء من المواطنين ليحولوا البلد ألى مستنقع من الدماء , بينما الذي كانو يكنون له العداء  زيفا أو زورا  , تراه متربعا وكله قدرة وقوة وجبروت على عرش داوود وسليمان لم يتزحزح من مكانه قيد أنملة …
    وبنظرة سريعة ألى الشخصيات الطاغوتية التي نصبت ذاتها فرسان على شعوبها أو على أمة العرب ومن دون أن ينتخبها أحد نرى ميكافليتها ( ميكافيلي صاحب كتاب الأمير ) ومنذ أعتلائها سدة الحكم عنوة وحتى ساعة الأذلال والسقوط  دخلت بثلاث مراحل , الأولى هي مرحلة الفارس الذي تقلدوه أجمعين وبعقلية رجعية كونه من شيم القيادة والرجولة كما عرفت داخل مجتمعات البداوة العربية علاوة عما في طياته من معان أخرى , لكن حقيقة تلك الفرسان كانت على العكس تماما فقد كانوا كواسرا على شعوبهم لا بل وذئاب عطشى للدماء وهذا ما تلمسناه في المرحلة الثانية والتي هي مرحلة القائد المدمر ( الفاني ) وبالفعل قد أستخدموا كل وسائل القوة والبطش والهلاك كما ولم يترددوا على استخدام آلاتهم الحربية من طائرات ورشاشات ومدافع ضد المساكين العزل الذين قالوا كلمتهم الفصل ( لا ) للطواغيت بعد اليوم وتدميرهم للبنية التحتية وكل مرافق الدولة وقطاع الخدمات وترك الباب مفتوحا لأيواء الزمر الأرهابية وأشاعة الفتن الطاففية والمذهبية وجر البلاد نحو الهاوية مصرين على عدم ترك حجرا على حجر وتشريد أو تهجير الملايين من المواطنين كل ذلك من أجل أضعاف الشعوب وبلدانهم ومن جميع الجوانب التي يحرص هذا المدمر المشرف على الزوال تقديمها على طبق من ذهب لأعوانه وهو في أعلى مراحل التخبط والوحشية  … أما المرحلة الثالثة والأخيرة في حياة الطاغوت هي مرحلة ( الأذلال والسحل ) والتي هي مصير كل من عاث في البلاد فسادا وهذا ما نراه وحتى الساعة عن نهايات حياة الامير الذي أعتلى العرش بواسطة السيف وبالسيف ها هو اليوم يهلك قابلا على نفسه كل أشكال الأهانة والأذلال كون ديدنهم هوذا , حيث لا تتملكهم روحية التنازل المشّرف أو الألتجاء الى طاولة الحوار والتفاوض النزيه حقنا للدماء وحفاظا على ماء وجوههم , لكن وكما هو ملاحظ لا حل وسط لديهم وأن مائدة الحوار لا مكانة لها في قواميسهم وتعنتهم  هو السبيل الأوحد كي يكون سببا للأذلال والسحل في الشوارع أو اخراجهم كالجرذان من تحت الأرض أو على سدية الموت المذل داخل أقفاص المحاكم …
    السؤال هو لم كل هذا الأصرار  على التشبث بكرسي الأمير ؟ وكلهم على يقين بأن الأنتفاضات أو الثورات زاحفة على كل الأقطار العربية لا محال وصار أمرا واقعا وضرورة حتمية لا بد منها , فلماذا لا يستفيدون من عبر الذين سبوقوهم بالاذلال ويصونوا كرامتهم هذا أذا كانت لهم كرامة بالأحتكام ألى العقل الذي يعتبر الخيار الأسلم الواجب اتباعه للخروج بأقل الخسائر حفاظا على كرامة دولهم وعز شعوبها قبل أن تصل ألى حافة الهاوية … لماذا لا نجد زعيما عربيا أستجاب ألى مطاليب شعبه الأبي وبالأساليب الحضارية ؟ ألا وتراه شاهرا سيفه معلنا عن جهاده ضدهم وكأن طريق الوحدة يمر عبر جثامين الأخيار من شعوبهم لا عبر فلسطين التي كانوا يتمشدقون بها ليل نهار كمسمار جحا  لتمرير دناءاتهم .. 
    أخي القارئ أن المستنبط من عمل واقع الطواغيت خلال الأعوام التسع الأخيرة من القرن الواحد والعشرين هو عجب العجائب خاصة مع أقتراب أو دنو عروشهم من مرحلة الخطر , حيث يصنفون الأرهاب ضمن خانة المقاومة والصرعى فيهم يرفعونه ألى منزلة الشهيد بينما شرفاء المقاومة الحقيقيين الذين يذوذون عن تراب الوطن ضد الطواغيت ويروون بدمائهم الزكية تراب أوطانهم يصنفونهم بالخونة المارقين , والكل يتذكر حال العراق وفترة لما بعد سقوط الصنم أصبح سوق لتسويق الأرهابيين من قبل دول الجوار هؤلاء الدخلاء الذين عاثوا في أرض الرافدين دمارا وفسادا كانو في نظر مموليهم مقاومة وقتلاهم المجرمين وفق الأعلام المغرض شهداء , وأما الأبرياء من العراقيين والجهاز الأمني ورجال الشرطة المدافعين عن تربة العراق الذين كان العشرات منهم يسقطون غدرا كل يوم على أيادي الزمر الأرهابية, لم يكونوا وفق حسابات أعلام تلك الدول سوى او مجرد قتلى لا أكثر ..
   ختاما , ما نراه  اليوم في اكثر البلدان العربية الأيلة حكامها الرجعيين ألى السقوط بأنه اي الحكام يسطفون ومن دون حياء بجانب الزمر الأرهابة لدرء خطر الثورات الشعبية العارمة ذلك الغضب الساطع القادم الذي بأصراره يكتب نهاية للأرهاب وللطواغيت الذين لا خيار لديهم أما الأستسلام وأما السحل  , وأن أرادة الشعوب هي التي ستقرر مصير ومستقبل دولها آملين بأن تحسم الأمور  أولا وأخيرا للكلمة الحرة وحقوق المواطنة أيمانا منا بفلسفة ديمومة الشعوب  …

ملبورن 
[email protected]