سأستذكر اليوم آخر موضة من موضات الدناءة.. وأحدث صيحة من صيحات التبجح.. وأبشع صرعة من صرعات الوقاحة والصلافة.. تلك التي سمعناها ورأيناها على إحدى القنوات المسمومة قبل شهور، والتي كان بطلها اسم انضم الى عالم العجائب والغرائب التي تحدث في عراقنا الجديد، اسم وظيفته العزف المنفرد على آلات مقيتة لاتمت بصلة الى الخلق والغيرة والشرف، وغيرها من القيم والمبادئ التي من المفترض ان تتوافر في الانسان نصف السوي وربع القويم على أقل تقدير، اسم مسبوق بحرف الدال ليدل على فخامته وعظمة شأنه، في حين أنه والوضاعة والخسة توأمان لاينفصلان، ذلك الاسم هو (د. طه الدليمي).
وقبل الحديث عن هذا النكرة، أود القول أن الله قد ميزنا نحن أبناء آدم، عن باقي المخلوقات واختصنا بالعديد من النعم أولها العقل وثانيها اللسان، ومايحملانه من حنكة وأفق في التفكير والتدبير والتخطيط لأعمالنا وأقوالنا وماتؤول اليه، وبهذا ما عاد البقاء في المجتمع البشري يقتصر على دور الأقوى فقط، لاسيما ونحن في عصر العلم والتكنولوجيا، فحلّت وجوبا أدوار الأصلح والأفلح والأفضل والأكمل والأتقى والأنقى والأفهم والأحكم والأقدر والأجدر مجتمعين في آن واحد وآنية واحدة من غير إسقاط أي دور منها، ليكتمل بناء المجتمع ويطّرد تقدمه ورقيه مع الزمن كمّا ومع باقي المجتمعات نوعا. ومن المؤكد ان هذه الخصائص كلها علينا التمسك بها ونبذ أخريات قد ورثناها او تعلمناها بشكل خاطئ ودخلت قاموس حياتنا، لاسيما إذ سبق اسمنا حرف الدال..
اليوم في عراقنا أرى ان جميع هذه الأدوار موجودة بشكل كامن داخل كل فرد سوي من أفراده، بكل شرائحه وقومياته وطوائفه وعشائره، وبامكانه بذرها على أرض الواقع، شريطة ان تكون تلك الأرض خصبة ومهيأة لاستقبالها. باستثناء نفر ليسوا من الصلاح والفلاح بشيء لأنفسهم او لأخوانهم العراقيين او للبلاد. ومن سوء حظ العراقيين عقب تحريره من براثن النظام السابق، ان يكون لهذا النفر موطئ ومقعد وحقيبة، وبالتالي تكون لهم كلمة وموقف وقرار. وهم ألد أعداء العراق قلبا وصلبا ونوايا، حيث يتدرعون بحجج الوطنية والحرص على مصالح البلد وفي الحقيقة هم يتأبطون له شرورا، ويرتدون زي الصديق والمحب. ومنهم من قبع في بلد جار -كالأردن مثلا- ليمارس من هناك أفعاله المشينة بحق العراق والعراقيين، ويثبت عداءه لهم بأساليب متنوعة.
ما فعله طه الدليمي في لقاء متلفز هو أقرب الى التقيؤ منه الى التصريح، وقد وضح فيه بعقلية فذة أفضت عن تحليل مجتمعي لفئة تسكن سواد العراق مذ عهد السومريين والبابليين، وصنعت العجلة على يدها، وخط أول حرف بواسطة أناملها، وسُنت أوائل القوانين والأعراف، ثم جاء الإسلام متوجا عقيدة هذه الفئة، فانضوت تحت لوائه، وآمنت بالله واليوم الآخر وبكتابه وبرسوله وآل بيته الأطهار، وسكن ابن عم نبيهم وأخوه وصنوه الامام علي بن أبي طالب أرض الكوفة، وصار إمامهم بعد أن رأوا فيه روح الإسلام وقمة معتقداتهم الحقة والصحيحة، فانتهجوه نهجا وصار اسمهم (شيعة علي)، وهم فخورون بانتسابهم لهذا الطود الشامخ.
لقد قال طه الدليمي عن شيعة علي:
“أنهم ليسوا بعراقيين او عربا وانما هم الذين جاءوا من ايران وباكستان، وتوطنوا شرق دجلة وهم الشروگية”..!
وأضاف هذا الـ (فلتة) أن سكنة شرق بغداد “دخلاء”. وبتحليل ميثولوجي قال: “إن سر عشق الشيعة للزعيم عبد الكريم قاسم يكمن في ان الزعيم هو من اسكن هؤلاء الدخلاء شرق بغداد ومنحهم الهوية، ذلك أن والدة الزعيم “شروگية”..!. ولفت الانتباه الى معلومة رياضية عن ديموغرافية هؤلاء الـ “دخلاء” مقارنة مع من أطلق عليهم الأصلاء فقال: “السنة كانوا يشكلون 95% من مجموع سكان بغداد في حين يشكل الشيعة 5% فقط”. وختم -وكان ختامها (زفت)- حيث قال: “لقد تنامت عند الشيعة الدخلاء عقدة من السنة الأصلاء” وفق مبدأ “عقدة الدخيل من الأصيل”.. كما أسماها.
ولا أظن أن تعليقا على هذا الكلام التافه يفي بالغرض، ولولا إجلالي واحترامي لقارئ سطوري هذه لملأت المقال سبابا وقذفا وشتائم موجهة للفايروس طه الدليمي في استذكاره.