23 ديسمبر، 2024 4:11 ص

طه الجزراوي.. قائد الجيش الشعبي.. والوجه الجامد لنظام صدام

طه الجزراوي.. قائد الجيش الشعبي.. والوجه الجامد لنظام صدام

ـ عصبي الحركة.. مكفهر الوجه.. أحد الشقاوات المجرمين.. تحصيله الدراسة المتوسطة.. يصفه طارق عزيز بأنه (غير مثقف).. لا يتوانى حتى من قتل أبيه.. ارتكب عشرات مجازر الإبادة الجماعية.. صفى كل من يقف في طريقه.. مبالغ في الحذر.. وخوف من المبادرة.. وهو الوجه الجامد لنظام صدام.
ـ جسارته أثبتت إعجاب صدام به.. فكان أول المنقلبين على أحمد حسن البكر.. وأول المحرضين لصدام لينال من الذين اعترضوا على تسلم الأخير قيادة الدولة والحزب.
ـ يتصف بقدر كبير من الخبث المعجون بالجبن.. فمن بقيً مع صدام من قيادات الحزب كانوا جميعاً من المشهورين بضعف شخصياتهم وبجبنهم وخوفهم من القائد الأوحد.
ـ آمن بأن عمليات القمع وحدها تدعم بقاء النظام واستمراره.. لا تقلقه أية معارضة لنظامه.. لأنها حسب تعبيره (لو جمعت كلها في كيس ووضعت في مجرى ساقية فلن تؤثر فيه).. لكنه يتخوف كثيراً من تنامي نفوذ الآخرين من داخل الطاقم الحاكم فقد يفقد مواقعه.. على حين غرة.
– وصفه صدام ب (الشخصية الواضحة).. ومن ذلك النوع من الأشخاص الذين لا يتحدثون عن أنفسهم باستمرار.. ذلك يذكرنا بإصداره سلسلة من الكتب عن صدام بلغت 23 كتابا !!.. لم يكتب هو كلمة واحدة منها !! ولم يكتب ولم يتكلم عن نفسه كلمة واحدة في تلك الكتب أو في غيرها.
ـ زج بالفتيان والطلبة وكل الأعمار خارج الخدمة العسكرية في قواطع الجيش الشعبي.. خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988).. فخسر العراق مئات الآلاف من ورود أبنائه.. بانتصارات وهمية.

السيرة والتكوين:
ـ ولد طه ياسين رمضان الجزراوي في قضاء سنجار بمحافظة الموصل العام 1938.. من أم تركمانية وأب كردي.. في حين يدعي إنه (عربي.. وينتسب للعباسيين).. كانت أسرته فقيرة الحال.. فوالده بستاني ترك البستنة.. وافتتح له محلاً صغيراً لبيع اللعب والحلوى لأطفال المحلة.
ـ يلقب نفسه بالجزراوي الذي أخذه من جزيرة ديار بكر.. التي تمتد حتى الموصل.. تحصيله الدراسة المتوسطة.. اشتغل موظفاً صغيراً في احد البنوك.. ثم تطوع في السلك العسكري.. وأصبح برتبة نائب ضابط.
ـ انضم الى حزب البعث أواخر العام 1958.. وبعد انقلاب 8 شباط 1963 رقيً الى رتبة ملازم أول.. وبعد إقصاء عبد السلام عارف للبعثيين في تشرين الثاني العام 1963.. جرد الكثير من البعثيين من رتبهم العسكرية.. وفرضت الإقامة الجبرية عليهم.. وكان الجزراوي وصلاح عمر العلي وآخرين من ضمن المبعدين إجبارياً إلى مدينة الناصرية.

الفرصة الذهبية:
ـ لعب دوراً في القضاء على جماعة عبد الرزاق النايف في انقلاب 30 تموز 1968 عبر دوره في السيطرة على وزارة الدفاع.
ـ بعد انقلاب 17 ـ 30 تموز 1968.. تقلد رتبة رائد في الجيش.. وأصبح مسؤولاً عن التعذيب والاستجواب والتحقيق في قصر النهاية.
ـ كان من المحسوبين في البداية على خط الرئيس احمد حسن البكر.. وبعد أن رأى آخرين ينافسون صداماً يتساقطون أو يختفون في ظروف معلومة بالنسبة له.. فبين الحذر والولاء للبكر أم لصدام.
ـ الجزراوي أكثر (الرفاق) حباً للسلطة فكان متعطشاً لها.. مما جعله يدرك إن مصيره مرتبطاً بصدام.. الذي كان آنذاك نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة.

مناصبه:
ـ عضو المكتب العسكري لحزب البعث.. العام 1969.
ـ رئيس المحكمة الخاصة.. مطلع العام 1970.
ـ وزيراً للصناعة.. (آذار العام 1970 حتى العام 1976).
ـ أسس الجيش الشعبي العام 1970.. وفي أوائل العام 1974 أصبح قائداً عاماً للجيش الشعبي.
ـ أعيد انتخابه للقيادة القطرية لحزب البعث مطلع العام 1974.
ـ وزير التخطيط وكالة.. كانون الأول / العام 1974.
ـ عضو القيادة القومية لحزب البعث.. العام 1977.
ـ النائب ألأول لرئيس الوزراء.. إثر تولي صدام حسين رئاسة الجمهورية.. في 17 تموز العام 1979.
ـ نائب رئيس الجمهورية منذ آذار 1991.. حتى سقوط النظام في 9 نيسان 2003.
ـ تسلم ملف (النفط مقابل الغذاء والدواء.. العام 1995).. وما ترتب في هذا الملف من فساد.. ورشاوى.. وتوزيع كابونات النفط حتى الى الراقصات والمغنيات العربيات.. على حساب جوع ومرض الشعب.

جرائمه:
ـ بدأ التاريخ العملي للجزراوي مع حفلات التعذيب الشنيعة للمعارضين في معتقل قصر النهاية بعد انقلاب 8 شباط 1963.. بمعية الجلادين البعثيين أمثال: ناظم كزار.. وعلي رضا باوه.. وحسن المطيري.. وداود الدرة.. وسعد بن المطربة وحيدة خليل.. وجبار لفتة.. وفرج الأسود.. وسالم ألشكره.. وسعدون شاكر.. وخالد طبره.. وعمار علوش.. وفاضل الأعور.. وغيرهم من عتاة الشقاوات والمجرمين.
ـ كان الجزراوي يشرف – عبر أفراد جيشه الشعبي – على إعدام الهاربين من الخدمة العسكرية في ساحات العاصمة بغداد والمحافظات.
ـ كشف عادل مراد عضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني: إن أهم المعلومات التي حصل عليها حزبه لدى القبض على طه ياسين رمضان بعد 2003 اعترافه بمساهمته في جرائم إنسانية بشعة أفضت الى مقتل أكثر من 10 آلاف مواطن من الكرد الفيلين تم احتجازهم مطلع الثمانينات في السجون بعد نفى عوائلهم الى إيران بذريعة التحدر من أصول إيرانية.
ـ أكد طه الجزراوي لمحققيهم انه كان يقوم بتزويد الأجهزة المختصة في صناعة الأسلحة الكيماوية بما تحتاجه من بشر التجارب.. وان هذه الأجهزة وبعد الانتهاء من تجاربها كانت تقوم بإعدام من بقيً منهم على قيد الحياة.. ودفنهم في مقابر جماعية.

محكمة الجزراوي:
في 21 كانون الثاني ١٩٧٠ أعلن عن اكتشاف مؤامرة رجعية.. وشكلت لذلك محكمة خاصة برئاسة طه الجزراوي وعضوية كل من ناظم كزار مدير الأمن العام.. وعلي رضا عضو القيادة القومية.. ومنحت المحكمة صلاحيات لمحاكمة العشرات من العسكريين والمدنيين.. وبالأخص شخصيات سياسية قومية معروفة بتهمة التآمر على الثورة.
الحقيقة أن السلطة علمت بالمؤامرة من خلال عدة أشخاص احدهم كان حسن الخفاف.. فقد ورد في مذكرات وزير التخطيط الأسبق جواد هاشم حيث يقول إن: “حسن الخفاف موظف بسيط في مديرية التقاعد العامة.. وله في الوقت نفسه عيادة لتركيب الأسنان.. وهو أبن خالتي ومتزوج بسعدية صالح جبر.. ابنة رئيس الوزراء العراقي المعروف في العهد الملكي.. وبالرغم من القرابة التي تربطني بالخفاف.. ألا إننا لم نكن متقاربين لا فكرياً ولا في العمل السياسي.. ولم أكن قد التقيتُ به لسنوات طويلة.. ألا أنه زارني في أوائل كانون الأول العام ١٩٦٩.. في مكتبي بوزارة التخطيط .. تلفتً يميناً ويساراً.. وقال بصوت خافت ومرتجف أن الاجتماعات تعقد بداري بمدينة المنصور.. وأنا عندما ألتقيكً هنا لا أخاطبك كقريب ليً فحسب.. بل كمسؤول لاتخاذ الإجراء اللازم.. وكل ما أريده.. هو أن أعطى الأمان وأن يسمح ليً بالسفر الى الكويت للعمل هناك.. واخذ يذكر أسماء العاملين في هذا التنظيم.. وهم: العقيد المتقاعد عبد الغني الراوي.. العقيد المتقاعد صالح مهدي السامرائي.. الملحق العسكري في بيروت في العهد الملكي.. النقيب فاضل الناهي.. ومرافق البكر المقدم فاضل البراك”.
ويضيف جواد هاشم في مذكراته: “هزتني خطورة تلك المعلومات.. فاندفعتُ حال خروج ابن خالتي الدكتور حسن الخفاف الى الرئيس البكر لنقل تلك المعلومات إليه.. وصلتُ القصر ظهراً ودخلتُ مكتب الرئيس.. وما أن بادرتُ بالحديث عن الموضوع حتى هبً البكر مقاطعاً: “هذا موضوع تآمر وعسكر.. اذهب حالاً لمقابلة الرفيق أبو عدي (صدام) لبحث الموضوع معه”.. وقادني عبر ممر داخلي الى غرفة صدام.. وما أن انتهيتُ.. حتى قال ليَ صدام: “أرجو أن تشكر الدكتور حسن”.. وسحب من درج قريب مبلغ ٢٠٠ دينار.. وطلب مني أن أسلمها الى الدكتور حسن.. واطلب منه أن يتعاون مع أبي رعد (سعدون شاكر) مدير مكتب العلاقات العامة.. وهو جهاز المخابرات آنذاك.. ليضعوا لاقطات لتسجيل ما يدور في اجتماعات المتآمرين”.
التقيتُ أبن خالتي في صباح اليوم التالي في مكتبي في الوزارة.. سلمتهُ المبلغ.. وأبلغتهُ تقدير صدام لمبادرته.. وضرورة تعاونه في وضع اللاقطات في داره.. كان تجاوب حسن الخفاف كاملاً.. وفي يوم لاحق زرته في داره.. حيث طمأنني الى أن أدوات الإنصات مثبتة.. وكل شيء على ما يرام.. كان تقديري في ذلك الوقت.. أني قد قدمتُ خدمة الى الحزب والثورة.. وإن حسن الخفاف قد أمن على حياته بهذا التعاون مع النظام”.
وجاءت ساعة الصفر: الثامنة مساء يوم ٢٠ كانون الثاني ١٩٧٠.. وفتحت بوابة القصر الخارجية.. ليدخل السامرائي وزمرته.. ويستقبلهم البراك.. الذي استطاع اختراقهم.. مرحباً بهم مؤكداً لهم أن البكر معتقل في إحدى غرف الطابق الأرضي (السرداب).. ودخل الجميع صالة الاستقبال الكبرى.. وما إن وقعت عينا العقيد صالح السامرائي على صورة البكر المعلَّقة في الصالة.. حتى صاح بأحد جنوده.. يأمره بإنزال الصورة.. وفجأة دخل حرس القصر القاعة.. لإلقاء القبض على المتآمرين.. حاول السامرائي المقاومة.. وجرى تبادل لإطلاق النار.. فقُتل جنديان من حرس البكر.. ولم تطل المقاومة.. كما لم تطل محاكمة السامرائي.
لقد أثبتت الأيام كم كان جواد هاشم مخطئاً في تقديره.. فعلى الرغم من قيام الخفاف بإفشاء أسرار المحاولة والتعاون مع السلطة.. فقد ورد اسم حسن الخفاف في الوجبة الثانية من الذين نُفد فيهم حكم الإعدام.. ويضيف جواد هاشم قائلاً: عندما استفسرتُ من صدام عن ذلك.. ردً بكل بساطة قائلاً: لقد حدث “خطأ”.. لم أستطع تداركه في الوقت المناسب.. وهكذا أُعدم حسن الخفاف من جراء “خطأ”.

آلية عمل المحكمة الخاصة:
آلية عمل المحكمة وكيفية التحقيق مع من ألقيً القبض عليه.. ذكرها أحمد ألحبوبي في كتابه (ليلة الهرير في قصر النهاية) قائلاً: “وقفنا وسط الصالة ننتظر.. ومرت لحظات وإذا بمجموعة من عسكريين ومدنيين يخرجون علينا من غرفة جانبية ويتجهون نحونا.. وسمعتُ الحارس الذي قادنا الى هذه القاعة يقول: (هذا سيادة رئيس المحكمة لحد يتحرك).. واتجهت أنظارنا نحو رئيس المحكمة وكان يتقدم المجموعة.. وإذ به ضابط برتبة رئيس أول.. اسمر اللون يميل الى الصفرة.. مربوع القامة ممتلئ الجسم حاسر الرأس.. يتدلى من وسطه مسدس.. هذا إذن رئيس المحكمة الخاصة الذي سيحاكمنا.. هذا هو طه الجزراوي! وقف غير بعيد من دائرتنا ووقف بجانبه وخلفه مجموعة من الأفندية والضباط.. مرت لحظات والكل ينظر الى رئيس المحكمة ونطق أخيراً: موجها كلامه إلينا “اسمعوا..انتو مشتركين بالمؤامرة القذرة اعترفوا أحسن إلكم.. أمامكم ربع ساعة حتى تعترفوا.. ومصير اللي ما يعترف مثل هذوله.. اللي شفتوهم.. الآن معدومين بالساحة”.
وهكذا جيء بالأشخاص على وجبات وبدقائق معدودة يصدر حكم الإعدام بهم وينفذ فوراً في الساحة .. ويبدو إن الحكم صدر عليهم مسبقاً حتى قبل اعتقالهم.. وإنما جيء بهم الى هنا للتنفيذ فقط.. وما يعلن في الإعلام الحكومي هو كذب في كذب.. فليس للمحكمة أي وجود.

– القمع الدموي لانتفاضة 1991:
ـ يرتبط اسم طه ياسين رمضان بأعمال قمع الشيعة أثناء انتفاضتهم ضد النظام العام 1991.. فقد أنيطت بالجزراوي القوات التي تولت قمع الانتفاضة من بغداد الى النجف وكربلاء والحلة والديوانية.. لقد اشرف على عمليات قتل وإبادة للكثير من المواطنين.. وبالأخص في النجف والحلة.. ولعل الأحياء من المشاركين في تلك الانتفاضة يتذكرون مشاهد الجزراوي.. وهو يجمع المواطنين ورجال الدين ويأمر بقتلهم أو التنكيل بهم.
ـ يروي اللواء الركن نجيب ألصالحي في كتابه (الزلزال).. إن الجزراوي كان مهووساً بتنفيذ الإعدامات بنفسه ضد كل من يؤتى به إليه من المدنيين.. حتى تعرض لتوبيخ الفريق الركن ماهر عبد الرشيد مراراً بدون أن يتجرأ على الرد عليه لأسباب معلومة.
ـ روى شهود عيان كانوا على مقربة من طه الجزراوي لحظة تكليفه بقمع الانتفاضة الشعبانية في الحلة.. إن الجزراوي أمر بإعدام عدد من الشباب المشاركين في الانتفاضة.
ـ رغم ما قدمه من خدمات إجرامية.. وقد تلطخت يداه بدماء المئات من الأبرياء والعزل.. فقد صعق بتعرضه إلى توبيخ وإهانه شديدتين من لدن حسين كامل الذي وصمه بالجبن والتردد خلال المؤتمر القطري الثامن للحزب بعد ألانتفاضه بشهرين.. ولم ينبس ببنت شفه أو يجرؤ على مواجهة حسين كامل ومعه سبعاوي الذي شاركه الهجوم.
ـ إن ما شفع لطه الجزراوي هو: التأريخ الطويل والولاء غير المشكوك به مطلقا لصدام.. فقام الرئيس صدام بـإعفائه من منصبه كنائب أول لرئيس الوزراء.. وتعيينه بمنصب نائب رئيس الجمهورية.
ـ قيامه بقتل الآلاف من الأكراد في مدينة حلبجة.. حيث قام الطيران العراقي العام 1988.. بإلقاء مواد كيميائية على حلبجة.. بإشراف طه ياسين رمضان.

محاولات اغتياله:
ـ نجا رمضان من العديد من محاولات الاغتيال التي استهدفته.. كانت بينها محاولتان الأولى العام 1997.. والثانية العام 1999.

جريمة الدجيل:
تقع مدينة الدجيل على بعد 50 كيلومترا شمال بغداد،.. تحولت من مدينة تمتلئ بالبساتين والخضرة والجمال إلى مدينة للموت.. عندما قرر صدام حسين أن يمحوها بجرة قلم.. اثر محاولة لاغتياله العام 1982.
الواقع إن الأحداث بدأت بعد صعود صدام الى قيادة الدولة والحزب العام 1979.. حيث بدأ أول اعتقال جماعي.. وكان من بين من اعتقل أفراد عائلة محمود المجيد.. التي أخذ رجالها بالكامل.. بعد أن رفض والدهم هدية مقدمة من صدام.. عندما قال له إن هناك فقراء هم أكثر حاجة لها.. فتم اعتقاله وحكم عليه بالسجن سبع سنوات.. واستمرت الاعتقالات.. حيث تم إلقاء القبض على 1450 شخصاً من أبناء الدجيل.. التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز 4000 نسمة.. وقد رحلت الأسر والأشخاص من غير المعدومين إلى مقرات المخابرات وسجن أبو غريب.. ثم إلى صحراء السماوة.. واسكنوا في العراء ثلاث سنوات.. وهناك مات العديد منهم من شدة الجوع أو المرض أو الظروف البيئية السيئة.
كان المجمع في عهدة مديرية أمن السماوة.. وبتوجيه من برزان التكريتي تمت تجريف 16 ألف دونم من الأراضي والبساتين بتوجيه وإشراف من قبل طه الجزراوي.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. بل تمت إزالة أهم معلم من معالم مدينة الدجيل.. وهو نهر الدجيل الذي يمتد عمره إلى 2500 سنة قبل الميلاد.. وتم تبليط شارع فوق النهر.. وهو ما اعتبره أهل المدينة (حالة الأعمار) الوحيدة التي قام بها صدام في هذه المدينة.
قررت مجموعة من شباب أهل الدجيل.. لا يتجاوز عددهم أصابع اليد.. تنفيذ محاولة اغتيال صدام عندما دخل المدينة بسيارات مدرعة ودبابات وأسلحة غريبة الصنع والشكل.. لم يكن أهل المدينة قد أبصروها فيما سبق.
ويبدو إن صدام قد أعد العدة للأمر.. وكأنه يعلم بالتفاصيل التي ستحصل.. فما أن أطلقت العيارات النارية باتجاه موكبه.. حتى ردت الحمايات الخاصة به على أماكن الرمي.. وسقط من سقط شهيداً.. وبعد مدة لا تتجاوز النصف ساعة.. اعتلى صدام بناية المركز الطبي.. الذي ادخل فيه بعض أفراد الحماية لتلقي العلاج.. أثر إصابات في العملية.. هدد صدام: الانتقام أهل الدجيل.
أما عدد شهداء هذه العملية فكان (159) شهيداً.. والذين أعدموا في محاكمة واحدة (143).. وفي محاكم أخرى أعداد أخرى أيضا.. وعدد المحجوزين اثر عملية الاغتيال (612).. اعتقلوا في مديرية أمن الدولة.. وعدد الأسر المعتقلة (78).. وعدد الأسر التي قتل رجالها بالكامل (5).. وعدد الذين ولدوا في السجن (13).. وكان من ضمن المعتقلين الطفلان محمود ونجم الذين.. تم تغيير أعمارهم الى 25 سنة.. وأعدما مع الجميع.. وصودرت الأموال المنقولة وغير المنقولة.. وحفظت العقارات للبيع.. وقد شارك في عمليات الانتقام والتعذيب برزان التكريتي.. وطه الجزراوي.. وسمير الشيخلي.

حكايتي.. مع طه الجزراوي
في منتصف العام 1981 عينتُ (أنا.. د. هادي حسن عليوي).. مديراً لمكتب مجلة الأسبوع العربي والدولي في بغداد.. فهذه المجلة تصدر في بيروت.. ومؤيدة لنظام حافظ أسد.. وكانت علاقات العراق مع سورية سيئة.. فإضافة الى الصراع الأيديولوجي والحزبي بين بعث سورية وبعث العراق.. ففي تموز العام 1979 اتهم رئيس النظام العراقي صدام حسين.. حافظ أسد بالتآمر على العراق.. واعدم 22 قيادياً بعثياً بسببه.. مما جعلني أن أكون حذراً جداً في كتاباتي التي أرسلها لهذه المجلة.
وازاء الانهيارات المتواصلة في جبهات القتال مع إيران العام 1982.. صدر قرار رئاسي بتشكيل قوات المهمات الخاصة في الجيش الشعبي.. وعقد طه الجزراوي القائد العام للجيش الشعبي مؤتمراً صحفياً للتحدث عن هذه القوات.. وطبيعياً كنتُ حاضراً هذا المؤتمر.. وقدمتُ باسم المجلة أربعة أسئلة جوهرية.. وما أن قرأ سكرتيره (زهير صادق رضا ألخالدي) أسئلتي.. حتى أخذ ألخالدي يتساءل بصوت عالِ وبامتعاض واستنكار: (ما هذه الأسئلة؟؟.. ما هذه الأسئلة ؟؟؟).
تكهرب الجو في القاعة.. وهنا طلب طه الجزراوي أن يقف صاحب الأسئلة.. ويسأل مباشرة.. وقفتُ وسألتُ نفس أسئلتي.. وأوضحتُ إن المواطن العراقي لا يعرف ما هي هذه القوات ؟ وما هي مهماتها ؟ وبالتأكيد إن عقد هذا المؤتمر الصحفي من قبلكم جاء لتوضيح مثل هذه الأسئلة؟؟.. وأنا اعمل بمجلة عربية تتساءل ما هذه القوات؟.. ألا إن الجزراوي ظل متوتراً وملامح وجهه تدلُ على غضبٍ كبير.
المهم: أجاب الجزراوي على أسئلتي بتشنج واِقتضاب.. وبلغة لم يفهم أحد من إجابته شيئاً.. وسادً القاعة جو من التوتر والقلق.. ساعتين وانتهى المؤتمر وخرج الجميع.. وبقيتُ (أنا) جالساً في القاعة.. لتأكدي من اعتقالي.. فبدل أن أخرج وأهان بالممر.. أبقى جالساً حتى يخرج الجميع.. وليحدث ما يحدث.. إن الله كفيلٌ بعباده.
أكثر من عشرة دقائق مضت.. ولم يحدث أي شيء.. وحضر شخص لغلق باب القاعة.. فسألني: لماذا أنت باقٍ؟.. قلتُ له أصابني صداع فبقيتُ لأستريح.. وتركتُ المكان.
بعد مدة قصيرة توقفتً تماماً عن الكتابة للمجلة.. وشعرتُ بخطورة الاستمرار في العمل فيها.. فقدمتُ استقالتي منها مبرراً ذلك بوضعي الصحي السيئ.. وتركتُ العمل فيها.

اعتقاله:
بعد سقوط النظام ودخول القوات الأمريكية في نيسان العام 2003 تم إلقاء القبض على الجزراوي في 19 آب العام 2003 على يد القوات الكردية (البيشمركة).

محاكمته وإعدامه:
أحيل الجزراوي الى المحكمة الجنائية الخاصة لتتولى قضية الدجيل التي راح ضحيتها 143 شخصاً.. اثر مرور موكب صدام في مدينة الدجيل وتعرض موكبه لإطلاق النار.. فقامت قوات الأمن بإلقاء القبض وإعدام المدنيين.. التي تورط بها طه الجزراوي كما أسلفنا.. وقد تمت إدانته والحكم عليه بالسجن المؤبد في 5 كانون الأول 2006.. إلا أن محكمة التمييز رفضت الحكم بحق الجزراوي لليونته.. وطالبت بعقوبة الإعدام له.. وقد تم إقرار هذا الحكم في 12 شباط 2007.. وفي فجر يوم الثلاثاء 20 آذار 2007.. تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً بطه الجزراوي.