لو قامت أي جهة دولية بإجراء استبيان علمي واسع على عيّنة منتخبة من مواطنين من جميع شعوب العالم وسألتهم سؤالاً واحداً ( ماهي طموحاتك وآمالك الشخصية في الحياة؟) فمن الطبيعي أن تختلف الإجابات بين مواطن وآخر حيث ستكون إجابة كل منهم ترجمةً وانعكاساً لطبيعة المعيشة التي يحياها في بلده ومقدار الرفاهية التي وفرَتها حكومته له ولأقرانه, ومن السهل لأي أكاديمي أن يصل الى تقييم حقيقي لأداء حكومات هذه البلدان من خلال الإجابات الواردة في هذا الاستبيان.
سنجد من خلال الإجابات بأن طموحات الكثير من المشاركين تنحصر (بأن يكون له بيت مستقل وراتب ثابت وعائلة وسيارة وأن يحيا هو وعائلته بأمان وان تتوفر له الخدمات الضرورية في الحياة), ولكن بالمقابل سنجد ان هذه الطموحات الكبيرة عند هؤلاء سنجدها لاتشكل أي اهتمام في اجابات المواطنين الذين ينتمون للدول المتقدمة ولم يفكروا بها أساساً لأنهم يعتبرون ان هذه الأمور هي حقوق ثابتة ومكتسبة لجميع المواطنين ولانقاش فيها , لذا سنجد إجابات هؤلاء ستكون مختلفة تماماً لأن طموحاتهم أكبر من هذه الأمور المتوفرة لهم أساساً فمثلاً سيفكرون برحلة سياحية حول العالم أو الانتقال في السكن الى مكان أرقى وأفضل من المكان الذي يقطنون فيه أو إقتناء سيارة فارهة وغالية الثمن أو شراء يخت سياحي تتوفر فيه أرقى وسائل الترفيه وغير ذلك من الأمنيات والأحلام الوردية التي نشاهدها في الأفلام ونقرأها في الروايات وقد نعتبرها بطراً في المعيشة.
عندما ستقوم الجهة المنظمة لهذا العمل بدراسة النتائج وتطبيق المعايير الإحصائية وتحليل واستخلاص النتائج العلمية ستجد ان طموحات وآمال المواطن العراقي في ذيل القائمة وهي لايمكن وصفها بغير طموحات بسيطة جداً ومتواضعة فهو لايتمنى غير (الأمان له ولعائلته ومورد رزق ثابت يغطي الاحتياجات الضرورية للمعيشة) وسيجد القائمين بهذا الاستبيان صعوبة في تفسير هذه القناعة المفرطة والسلبية لدى المواطن العراقي وسيحاولون البحث في الدوافع والأسباب التي تمنع هذا المواطن عن عدم التفكير ولو بالأمنيات في امتيازاته وحقوقه التي يستحقها كمواطن يعيش في هذا البلد, ولغرض توفير الجهد والوقت على هؤلاء الباحثين في معرفة الأسباب والدوافع التي أوصلت المواطن العراقي لهذه الدرجة من السلبية, فسنجيبهم ونوضح لهم بأن الكمّ الهائل من الظلم والقهر والعذاب ونقص الخدمات وانعدام الأمن والأخطار ألتي عانى منها المواطن العراقي عبر عقود من الزمن وخاصة في السنوات العجاف التي أعقبت عام 2003 جعلت منه انساناً قنوعاً ومسالماً لحد السلبية وقليل الطموح والأمل بمستقبل مشرق وبحياة رغيدة, وجعلته لايفكر ولايتمنى أكثر من هذين الأمرين ( الأمان ومورد رزق ثابت حتى لو كان بمستوى الكفاف), وسنضيف للأخوة القائمين على هذا الاستبيان بأن هذه الحالة التي وصل اليها المواطن العراقي يعود الفضل بها الى طبقتنا السياسية المتصدية للمشهد السياسي والتي أشهد بأنها نجحت نجاحاً منقطع النظيرفي تدمير كل شيء جميل في نفس الانسان العراقي وقتلت حتى الطموحات والآمال بمستقبل زاهر نتيجة أفعالها وتناحراتها المهينة على المكاسب والمصالح الشخصية ولم تجعل للمواطن العراقي حيزاً ولو بسيطاً في أجنداتها واهتماماتها فكان نتيجة هذه الأفعال وصول المواطن العراقي الى هذه المرحلة من السلبية والقناعة المفرطة بواقعه المرير.