تتصدر أخبار تنظيم “داعش” عناوين وسائل الاعلام الاخبارية، وهناك تفاوت في تغطية الأحداث عكس نفاق بعض وسائل الاعلام.
وبالرغم مما يرتكبه التنظيم من جرائم وانتهاكات، يعمل بنفس الوقت على بث خطاب اعلامي يدعم سياسته في المناطق الخاضعة لسيطرته حيث يصور هذا الخطاب بان التنظيم يرعى الحياة اليومية ويؤمن حياة المواطنين تحت ظل ما يسمى “بالخلافة”.
ويحاول التنظيم أيضا رسم صورة اعلامية عن نفسه بأنه متطور ومتكيف مع ما يجري في المنطقة وله جاذبية قوية، وأنه يوظف الاعلام من أجل اهدافه حيث لا يمكن وصفه بأنه عملية قتل أو السيطرة على منطقة ما، وإنما هو رسالة وجزء من خطاب يتم تصديره.
ما نريد قوله هنا أن الخطاب الاعلامي المناوئ كان له أثر كبير في تضخيم الحدث الذي يراد منه انهيار الاوضاع الامنية كما حدث من قبل في الموصل وساعدته في ذلك بعض وسائل الاعلام المحلية والعالمية الناقلة للمشاهد التي يبثها التنظيم بحربه النفسية بأن التنظيم يتقدم بسرعة تجاه مواقع حيوية وذلك من أجل تخلي القوات الأمنية عن مواقعها فضلا عن ان هذه الوسائل الاعلامية تبث مشاهد مرعبة تزرع هواجس مخيفة لدى المواطنين والقوات الأمنية على حد سواء، فنحن لا ننكر ما قام به التنظيم فعلا من مجازر لكن هنا يدور الحديث عن مصالح معينة وربما هي حماقة ترتكبها بعض وسائل الاعلام بحيث اصبحت أخبارها تؤرق المواطنين وتتسبب بمخاوف حقيقيّة يعاني منها الجميع دون الالتفات لمخاطر الحرب الاعلامية التي يروج لها التنظيم.
ولاحظنا كيف تأثرت وسائل الاعلام المحلية والعالمية عندما اطلق تنظيم “داعش” مزاعم أمنية عبر بعض وسائل الاعلام أفادت بأن التنظيم قام بتنفيذ اعدامات جماعية بحق جنود عراقيين في موقعي الثرثار وناظم التقسيم شمالي محافظة الانبار.
وعند الوقوف على تفاصيل الدعاية، نرى ان التنظيم قد نجح في حربه النفسية التي قام بها الان ومن قبل في الموصل والانبار، ولولا الكشف عن تفاصيل الحدث بطريقة سريعة من قبل مصادر أمنية عراقية، غير تلك التي بثها التنظيم وبعض وسائل الاعلام لكان قد حقق ما كان يصبو اليه في زرع الرعب واحباط المعنويات. ونظرا لما تبثه بعض وسائل الاعلام من خطط ومؤشرات أمنية نجد أن تنظيم “داعش” يستغل ما ينشر من رصد وتحرك عسكري تقوم به القوات الأمنية.
فالتنظيم يعمل على استغلال هذه المعلومات ويعمل على بثها وتحذير اتباعه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومؤخرا خلصت دراسة بأن عدد الحسابات القريبة من التنظيم على تويتر فقط لا يقل عن 46 ألف حساب خلال عام 2014. فيما رصدت دراسة أخرى أن “داعش” ومن يؤيد هذا التنظيم “يرسلون أكثر من 90 ألف تغريدة وردٍّ على تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى يوميا”.
الاحزاب السياسية ايضا لديها وسائل اعلامية خاصة بها وفي نفس الوقت لديها مجاميع مسلحة تقاتل التنظيم ونجد ان كل عملية عسكرية تجري على الارض يكون مقابل ذلك خطاب اعلامي تبثه هذه الوسائل الاعلامية يحمل أخبار وتفاصيل ما سيجري مقدما وهو الأمر الخطير الذي ينبغي مراعات السرية في نقل المعلومة، بحيث يجب ان تكون المعلومات الأمنية بيد الجهات الامنية التي ستنفذ الخطط حصرا. لذا ينبغي ان تكون الخطوة الأولى في الحرب على الارهاب تكمن في عدم التهاون في خطر التنظيم من جانب وعدم تضخيمه من جانب آخر لأن المبالغة في وصف ما يجري قد يجر خلفه سلسلة من التداعيات تجعل التنظيم يعزز مواقعه.
خلاصة
في هذا الصدد يتوجب مضاعفة الجهود من أجل مواجهة الماكنة الإعلامية التي يتمتع بها “داعش” وغيره من التنظيمات الارهابية عبر الاستعانة بالأخصائيين بالمجال الاعلامي وبعدة لغات لمواجهة الحملة الدعائية للتنظيم، والاستعانة أيضا بزعماء دين معتدلين من أجل بث خطاب اسلامي معتدل، وفي الاطار الحكومي يجب الاستعانة بمراكز اتصالات مكافحة الإرهاب ومضاعفة العمل الاعلامي وذلك لكسب مصداقية أكبر لتفنيد الخطاب الاعلامي للتنظيمات الارهابية وهنا ينبغي التركيز على عدة مهام:
-الإدراك لخطر تأثير الأيديولوجية كعامل محفز للتنظيم يأطر ويحفز ويبرر العنف والتطرف.
-الحد من تأثير الدعايات التي تحد من تجنيد المقاتل لمصلحة المتشددين، وضمان سرية المعلومات والتركيز على طريقة الخطاب الاعلامي بشكل حقيقي، ومراعاة عدم تأثيرها على المتلقي.
-تشكيل مجلس للإعلام الحربي بالتنسيق مع وزارة الدفاع والداخلية وباقي الأجهزة الأمنية في ما يتعلق بنشر وقائع الأحداث الأمنية مع الأخذ بالاعتبار تأثير الرسائل الاعلامية على الرأي العام.
-التركيز على الأخبار والبرامج التي تكشف زيف الخطابات المفبركة والمدبلجة.
-الحذر لما ينشر من مواضيع لها صلة تزيد من قدرة الارهابيين بمختلف التوجهات.
-مواجهة الفكر المتشدد بفكر معتدل عبر اقامة البرامج التثقيفية والحوارية بمشاركة خبراء ومفكرين في مجال علم النفس الاجتماعي..
ان الأوقات في البلدان التي تعاني من سطوة الارهاب مضطربة جدا وان تنظيم داعش يسعى بشكل مذهل من خلال نشر ايدلوجيا لدولته المزعومة في اطار حملة اعلامية كما ورد في خطابات التنظيم الاعلامية لذا يتوجب ان يكون الاعلام اليوم موجها بطريقة تتناغم مع ما ينبغي طرحه من قيم انسانية تحث على ردع العنف ودعم مفهوم التعايش.