منذ مطلع سنة 2014 والجميع يتكلم عن إقرار الميزانية ، ومرت السنة الأخيرة من حكم المالكي من دون ميزانية معروفة ، نتجت عن مشاريع تنموية معطلة وأموال ذهبت إلى أماكن لا نعرفها ، ومشاريع وهمية ، وحسابات لا نجدها إلا بذاكرة الحكومة الفائتة .
تغيرت الحكومة بعد مخاض وصراع وتحديات ، ونتجت ألينا بحكومة جديدة يرأسها السيد حيدر ألعبادي ، وكان هدفه الأول وشعاره ولا يزال ، إعادة الهيكل الحكومي إلى وضعه المطلوب من خلال تشكيل كابينة وزارية متكاملة وليست بالوكالة كما جرت العادة بحكومتي المالكي ، وقد أوفى بوعده .
والهدف الثاني والأبرز هو إقرار ميزانية للدولة منذ مطلع السنة الجديدة ، كي تحصل التنمية وتسير الحياة ، ولكن من مساوئ الصدف أن يكون بداية دراسة وإقرار الميزانية قد جاء مع ما حصل للهبوط المتعمد لأسعار البترول العالمية وفق المخطط الأمريكي المدعوم سعودياً وإماراتيناً بالدرجة الأولى لضرب الاقتصاد الإيراني والروسي في هذه المرحلة ، مما أوجب على الحكومة التصريح بالدعوة لشد الحزام وتقليل النفقات ، وتأجيل إعلان الدرجات الوظيفية في بعض القطاعات المهمة وفي مقدمتها التربية والصحة .
وأننا إذ نشد على ساعد الحكومة الجديدة في خطواتها الأولية المعلنة ، والتي تمكنت من خلالها تقليل الاحتقان في الشارع السياسي العراقي من خلال تعيين وزراء للدفاع والداخلية لأهمية الأمر ، والاتفاق مع الجانب الكردي بخصوص حلحلت الأشكال الخاص بحصة الأكراد من الموازنة ، على أساس صفقة السيد عادل عبد المهدي (الغامضة) والتي لدينا ملاحظات كثيرة وعقلانية عليها لأنها لم تتجه للحل النهائي لما يمر به قطاع النفط بالعراق خاصة بما يتعلق بتصدير النفط والتصرف بعائداته للمحافظات الشمالية ، فأصبح الحل مؤقتا لأجل ترضية بعض الأطراف للخروج من عنق الأشكال بين بغداد وأربيل ، ولكنه قد أسس لأمر واقع خطير لم تُحسب عقباه .
جميع المواطنين حريصون كثيرا على تقليل الخلافات السياسية بين جميع أطراف الحكم لأن تقليل بؤر التوتر السياسي ، سينعكس إيجابياً على تقليل الاحتقان الطائفي أو المذهبي ، وسينعكس بالنتيجة على واقع التنمية والتطور ، وراحة المواطنين وتوفير الأمن والأمان للجميع .
ولكني أقول بصدق النوايا ، وهذا الكلام موجهاً لأصحاب القرار ، وفي مقدمتهم السيد ألعبادي رئيس مجلس الوزراء الحالي ، نتمنى عليك الاستمرار في استكمال ما أعلنته وتعهدت به للعراقيين في أولى المهام التي تبنيتها علناً بالقضاء على الفساد في جميع مفاصل الدولة ، لأن خطره أكبر وأعظم من خطر الدواعش والقتلة وسافكي الدماء ، لأن هؤلاء سيتم تحجيمهم حينما
تقل أو تزول مواردهم المادية ، والتي تصلهم بطرق مختلفة ولكنها بالنتيجة هي من أموال العراق وخيراته .
حينما يدعونا الله سبحانه وتعالى كي نتصدق من أوسط أموالنا ، أي من أفضلها القريبة لقلوبنا ، فأن دعوته الجليلة توضح لنا بأن ما قدمناه من أفضل أموالنا ستشعرنا بقيمة ما قدمناه ، وستمنحنا راحة النفس والضمير ، وأن نمتنع عن التصدق بالفتات الزائد عن حاجاتنا لأنه سيكون بلا معنى أو قيمة .
وهذا يدعونا لتوجيه الدعوة للسيد ألعبادي أن يكمل جرأته الطيبة باتخاذ قرار مصيري بخصوص تقليل الهدر بالنفقات لعبور المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق والمنطقة ، حينما يبدأ برأس الهرم من الرئاسات الثلاث في تقليل رواتبهم إلى ما يوازي رئاسات الجمهوريات المجاورة للعراق ورئاسات وزرائها وبرلمانها كي يشعر المسئول قبل المواطن أنه يمر بالمحنة الاقتصادية ، وهذه ليست منة منه على الشعب ، بل واجب عليه ، وأن يلتفت السيد ألعبادي بجرأة حقيقية لتقليل عدد وحجم حمايات المسئولين على مختلف الأصعدة لأنها تأخذ من ميزانية العراق الكم الأكبر من المصاريف والنثريات ، خاصة وأن قادة الرئاسات الثلاث لم ولن يكونون يوما بحاجة لهذه الأعداد الكبيرة لحماياتهم لأنهم لا يتجولون بالأحياء أو الأسواق العامة ولا يزورون المواطنين في بيوتهم كي يتعرفون على همومهم أو جوعهم ، بل يتنقلون من المنطقة الخضراء إلى مطار بغداد عبر المروحيات ، ومن المطار إلى وجهتهم بطائرات الأير باص ، فلا داعي لكل هؤلاء ، أما نثريات الضيافة التي تحسب بملايين الدولارات ، فهي هدر مقنٌع حقيقي للمال ، لأننا لم نسمع ولم نرى أن أي مسئول من هؤلاء قد حدد مواعيد أسبوعية من أجل فتح بابه لعامة الشعب لسماع شكواهم ! حتى يحتاجون تلك الأموال للضيافة ، ولم نسمع أن عدد ضيوف العراق من الدول الأخرى كبير كي يستحق تلك الأموال بسبب الظروف الأمنية التي تقلل من عدد الزائرين ألجانب للعراق ، وإن حصل ، فأن الزيارة لا تتعدى ليلة واحدة ، وإن فعلها السيد ألعبادي سيتيقن الشعب وسيلمس بصمة التغيير ، وترجع الثقة لنفوس الناس بالقائد والمسئول ، وحتى نمسح غبار جراحات السنوات الثمانية العجاف ، وقبلها سنوات المحتل ، على السيد ألعبادي أن يكمل مهمته لرفع الآهات ، وفك طلاسم ولغز التقديس الذي وضع لحماية رواتب وامتيازات لأشخاص يعدون على الأصابع ، يتلقون أموالاً تكفي لإشباع ألاف الجياع أللهم أني قد بلغت .