18 ديسمبر، 2024 7:43 م

طريق كابول .. بغداد وتأشيرة الدخول

طريق كابول .. بغداد وتأشيرة الدخول

في اعقاب الانقلاب الذي قاده نور محمد تراقي ضد الرئيس الافغاني محمد داود خان الذي اطاح بابن عمه الملك ظاهر شاه واعلان النظام الجمهوري الذي وضع افغانستان في دائرة القلق والخوف والعنف  .
نور محمد تراقي وحفيظ الله امين زعماء جناحي خلق وبرشام للحزب الشيوعي اختلف بعد نجاح الانقلاب ولان الانقلابات العسكرية تولد شراهة ان يقتل الرفاق بعضهم بعضاً فقد تمكن حفيظ الله امين من قتل الرئيس تراقي ليعلن تفرده بالحكم في ايام معدودة ولكن سرعان ماتمكن باربك كارمل من قتل حفيظ امين ..
استمرار اقتتال الرفاق وقتلهم لبعضهم و الاخطاء التاريخية التي مارسها الحزب الشيوعي الافغاني في تنفيذ عقيدته في مجتمع بدائي ذو نزعة عشائرية ودينية . ولدت رفض جماهيري لدى القوى المتنفذة من زعماء العشائر ورجال الدين .
حقبة الحرب الباردة تتعامل مع الدول كرقع الشطرنج ويتهاوى الجنود ليحيا الملوك وكان العالم منقسماً .
انضمام افغانستان للمجتمع الشيوعي اقلق امريكا التي اعتبرته حرب معلنة وتقرب غير مسبوق للمياه الدافئة .
 هذا التدخل السوفيتي الواسع من اجل حماية الحكومة الشيوعية الهشة  في افغانستان مثل تهديد حقيقي لمصالح الولايات المتحدة ونجاح الشيوعيين في اثيوبيا واليمن الجنوبي ووضع ايران القلق والثورة القائمة فيها والتي تمثلت طروحتها في  معادات امريكا والغرب والشيوعية .هذة الامور عجلت في اعلان حرب بالوكالة غير معلنة بين امريكا وروسيا ولان العالم لايتسع حرب كونية بين امريكا وروسيا وسباق تسلح مع زيادة في الترسانة النووية للطرفين فلابد من حرب تقليدية بالوكالة .
 نجح الامريكان في جر الروس الى المطرقة التي هشمت الجدار الصلب . فكان بريجنسكي الشخصية الفذة التي غيرت مجرى التاريخ واستطاعت ان ترسم قوة امريكا الجديدة وتفردها بالعالم بالطرق اسفل الجدار السوفيتي حتى انهياره
بريجنسكي عراب نظرية الطرق اسفل الجدار استعان بالسعودية العدو اللدود للشيوعية ليقنعها بالجهاد  ضد السوفيت في افغانستان  وفي حرب استنزاف طويلة فيها جنة ونار وصورايخ ستينجر وتاو  وجهاديين يعشقون الموت ويكرهون الحياة ويحبون زراعة الافيون والترياق وجهاد النكاح والحور العين وانهر الخمرة .
اصبح كل شيء مسخر للامريكان من تأمين  حدودالمياه الدافئة دون تدخل عسكري امريكي ودون استنزاف مادي وبجهاد امريكي متميز.
السعودية التي جاهدت الشيوعية في افغانستان لم تجرأ عليها في اليمن الجنوبي لان امريكا غير راغبة بجهاد دولة هي حصة السوفيت في تقاسم النفوذ وليس كما افغانستان التي تطاول عليها الشيوعين واحرجوا السوفيت في معارك خاسرة بسبب التعدد الاثني والعرقي والطائفي  وطبيعة افغانستان الوعرة فجبال تورو بورو ووادي بهمشير تستوعب حلف وارشو والاطلسي على حد سواء .
نعم لقد تمكن مقاتلي الجهاد من الدرجة العاشرة الذين لايجيدون استخدام المسدس من اسقاط احدث الطائرات الروسية وتدمير احدث دبابات تي ام اس الروسية .
صواريخ ستينجر وتاو في خدمة الجهادين . حرب بالوكالة يخسرها الروس بدعم الامريكان للمجاهدين كتلك الحرب التي خسرها الامريكان في فيتنام وكمبوديا ولاوس وكوريا بحرب وكالة قام بها الثوار الشيوعيين وبدعم من روسيا  .
اندحر الروس في افغانستان .
وتقاتل المجاهدين الافغان فيما بينهم كما  تقاتل الرفاق فيما بينهم في اشرس حرب طائفية وعرقية بين البوشتون والطاجيك والاوزبك والهزارة فاندحر المجاهدين وتمكنت المخابرات الباكستانية الراعي الرسمي للارهاب في شبه القارة الهندية واليد الطولى للمخابرات الامريكية في افغانستان من تأسيس تنظيم ضم طلبة المدارس الدينية الذين يدرسون في باكستان وبيشاور بالتحديد واستطاعت في سنوات محدودة وبدعم امريكي سعودي اماراتي من تحقيق انجازات هائلة انتهت بسيطرة طالبان على كابول واقامة امارة اسلامية بقيادة رجل الدين العصامي ملا عمر .
بن لادن الذي علا نجمة في سوق الجهاد والتجارة والدين بسبب الدعم الامريكي والباكستاني والسعودي طمع في امارة واسعة اخرى على غرار امارة طالبان ولكن ليس كل مايتمناه المرء يدركة .
نجاحات الجهادين في افغانستان اوقعت ابن لادن في خطا تاريخي وهذا حال كل صناع امريكا واداوتها ابتداء من شاه ايران وانتهاء بصدام وابن لادن .
الولايات المتحدة اوقفت توسع الامارة الاسلامية التي مثلت نفوذ وخطر وتهديد للعالم مما اغضب ابن لادن والجماعات الجهادية في افغانستان التي اعلنت الحرب على المصالح الامريكية ونفذت العديد من العمليات الانتحارية ابتداء من نيجيريا وانتهاء ببرج التجارة العالمي .حرب افغانستان مؤلمة على الروس بسبب طبيعة السكان والارض الجغرافية مما مهد لمناورة كبرى للامريكان لايدفعون بها ضحايا كثر كما الروس ولايريدون ان يكرروا تجربة فيتنام وشرق اسيا .
 وفعلاً نجح الامريكان في جر الجماعات الارهابية الى ساحة قتل سهلة  وليس معقدة كما افغنستان وهي احتلال العراق بسهولة وبدون مقاومة تذكر وجعلة ساحة المواجهة الحقيقية مع الارهاب بدلاً من تعيدات تورو بورا وبهمشير. ولكن فوجى الامريكان بالدعم الايراني والسوري لجماعات مسلحة تختلف عقائديا مع القاعدة والسائرين على نهجها واعتقدت امريكا انهم يمثلون بقايا ازلام صدام او ممن تضرر بسقوط صدام والعكس هو الصحيح . هذه الجماعات كانت تحرج الجيش الامريكي والقوات العراقية  من خلال فتح جبهات جديدة مما يخفف الضغط على القاعدة وكانت حسابات ايران وسوريا في مواجهة امريكا خاطئة ودفع الشعب العراقي خسائر هائلة بالارواح نتيجة ذلك الدعم فكانت كل العبوات والانتحارين يقتلون عامة الشعب بينما الامريكان متحصنيين في قواعد متينة وانسحب الامريكان من العراق غير منهزمين وبلاانتكاسات ووفق اتفاقية اخطات الحكومة العراقية فيها نتيجة ضغط الجماعات المسلحة المؤيدة لايران .
نتائج الانسحاب ظهرت في اعقاب سقوط الموصل وتبين للعراقيين مقدار تخلي الولايات المتحدة عن العراق وكيف كانت ردود الفعل والتصريحات وبرودة الاعصاب والتي مهدت لان تبقى داعش لسنوات وتؤسس دولتها في سوريا والعراق . رد الفعل الامريكي جاء كنتيجة لكل من يرفض صداقتها ومنذ ذلك اليوم وللان والوضع الامني مخيف وهش بل ان داعش حققت نجاحات رغم المظلة الجوية لامريكا والناتو وبعض الدول العربية .
لم تكن امريكا تسمح لداعش باحتلال بغداد وفي نفس الوقت هي تريد ارهاق بغداد بداعش . قرار الحكومة العراقية الاستعانة بايران قرار صائب وسريع وكانت له نتائج ايجابية لكنة لم يشكل نجاحاً كبيراً بسبب ضعف وقدرة ايران المتواضعة عسكرياً فهي ومنذ اكثر من عام تقود حرب عصابات مع داعش وفي جبهات مختلفة من العراق . بينما عجزت ايران على تطوير الجيش العراقي ومده بمواد وتجهيزات وخبرات تمكنة من تحرير بلاده كما الكثير من البلدان .
يبقى موقف ايران تاريخي في دعم العراق ولكنه لايقارن  بذلك الموقف الكبير لروسيا من جيكسلوفاكيا او المجر او موقف امريكا من اوربا في الحرب العالمية الثانية  او موقف تنزانيا من اوغندا او موقف فيتنام من كمبوديا او موقف امريكا من بنما او موقف اثيوبيا وافريقيا من الصومال او موقف السعودية ودول الخليج من اليمن . المساعدات الايرانية للعراق علاج وقتي وبدون كي مما جعل الوضع قلقاً وهشاً مع وجود الاحتلال وخروج الاحتلال .
وهذا يرجع الى ان ايران دولة برغماتية تسعى الى مصالحها دون عواطف دينية او مذهبية ولكنها تبقى لاعب مؤثر عبر التاريخ لما للشخصية الايرانية من دور حضاري وانساني .
الامريكان والروس تبادلوا الادوار في افغانستان واستفاد الامريكان من تجربة الروس هناك كما سوف يستفاد الروس من تجربة الامريكان في العراق .
سوريا المصادف الضروري في لعب بيضة القبان في الصراع العربي الاسرائيلي بقى يراهن على عواطف الجماهير رغم انه (مشتهي ومستحي ) بين الصمود والتصدي وبين السلام والاستسلام وبقى يحتفظ بشعرة معاوية حتى قدوم الربيع العربي وانقلاب الموازين وتبني دولة قطر العظمى! مشروع الربيع العربي وبدعم تركي سعودي امريكي اوربي ولكنه اصتدم بجدار روسي صيني ايراني جعل قطر لاتتعدى حدود قناة الجزيرة .
سوريا الداعم الرئيسي للارهاب في العراق والعنصر المؤثر في دعم الجماعات الدينية والسياسية الرافضة للعملية السياسية كما هي الداعم الرئيسي للمشاركين في العملية السياسية ويحملون متناقضتها وفي كل الاحوال كانت بشائر الربيع العربي  بارقة امل للذين تضرروا من الارهاب في العراق وخيبة امل للاخرين ولكن المفاجئة ان تتغير التحالفات السياسية وبسبب ظروف معقدة تتعلق بثوابت دينية ومذهبية حدث ان تحول الخصم الى صديق والصديق الى خصم واذا بالقاعدة التي تمر من سوريا للعراق اصبحت فيها تقاتل وبدعم خليجي تركي امريكي اوربي واسع .
واصبح الذين يمجدون بسوريا وبشار  من بقايا جبهة التوافق  واتحاد القوى المهشمة! يرددون ماتردده بيانات القاعدة وداعش والسعودية والجزيرة .
النظام في سوريا على شفى السقوط لو لا الروس والصينين والايرانين والمشاركة الفعلية لحزب الله في ابعاد خطر التكفيرين عن لبنان ورد الجميل في مساعدة حزب الله في مجابهة اسرائيل .
روسيا والصين وايران لم يفرطوا بالحكم في سوريا وهم يدافعون عنه بضراوة وصلت حد تشكيل حلف رباعي سوف تنضم فيما بعد دول اخرى مرشحة مثل الجزائر ومصر ودول من اسيا يوازي الحلف السعودي التركي الاسرائيلي الامريكي والمدعوم من الخليج العربي والانظمة الملكية العربية .
الطريق لامريكا في فيتنام وكوريا وكمبوديا كان وعراً وصعباً بسبب الدعم الروسي للشيوعين  بينما حقق نجاحاً في افغانستان والعراق بسهولة  بينما انعكس الطريق على الروس في افغانستان  واصبح صعباً بسبب الدعم الامريكي للجهادين .
طريق كابل دمشق بغداد يمر في صحراء خالية بعيدة عن وادي بهمشير وجبال تورا بورا وينتظر تأشيرة دخول بعد تبادل الادوار  في صحراء الرمادي والرقة وحينها جهاد بدون ستينجر وتاو وجبال ووديان ومخدرات وحشيش وترياق وخبراء اجانب ووفق نهايات اتفق عليها الكبار . هذة النهايات اسقطت من حسابتها الطرق اسفل الجدار  وبقايا الانتقام من الشيوعية ومحاربة الرسمالية .
 لقد تساوى الطرفان من الانتقام من بعضهما في فيتنام وافغانستان . وسيرسمان تأشيرة  الدخول الى المنطقة كما الانكليز والفرنسين في بدايات القرن الماضي . ومثلما دخل الامريكان افغانستان بتأشيرة روسية فسيدخل الروس سورية بتاشيرة امريكية .وعندها ستصبح صحراء العراق وسوريا ساحة قتل للجهادين من كل بقاع العالم وسيرسم الامريكان والروس خارطة الدم الجديدة وفق الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية  وسيكون المتضرر الرئيسي الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية . ولكن سوف يسجل افق حياة جديدة وسلام دائم وانتهاء للعنف الديني ونهاية للفكر الوهابي النازي وستشهد المنطقة نمواً حضارياً وصناعياً واقتصاديا كما اوربا في اعقاب الحرب العالمية الثانية .