كان “خفي” ، يجلس كاعدته وحيدا امام دكانه الصغير ، حيث يعج عصراً بصغار المنطقة الامنة ، لشراء ( الخرز ) وهي كرات مدورة ملونة صغيرة للعب ، واحيانا كثيرة يمر به “ابى طقس” و “سندي” لشراء السجائر حيث انه كان يتاجر بماركة بغداد و سومر ، وفي ظهيرة يوم عادي ، واثناء ما كانت الشمس تتوسط السماء ، رآى من بعيد حيث الجبال الجرداء ترابٌ متناثر في الفضاء وكانها عجاجة مارة كأيام الصيف العادية في بلده ، و الحقيقة “خفي” كان يكره التلفاز والمذياع الا من بعض ( كاسيتات) التراتيل الروحية .
الباب الخشبي يطرق بقوة كاد ينكسر من شدة الطرق ، ظهر مسرعا لهم ؟ من انتم ؟ ولما تطرقون هكذا ؟!! اجابه : اخرج ايها الكافر والا قطعناك ارباً ، ارتجف الرجل الطاعن بالسن و أول ما تبادر لذهنه البسيط ان سجائر بغداد و سومر الغاليتين قد سرقة، فهلم لهم فاتح الباب بسروال مزركش ؟ وصدر عار حيث كان يحلم يوميا بالاستلقاء امام بحر هواي والنساء تحيطه ، ماذا بكم؟ يصرخ عليهم مؤشراً بيد وماسكاً الباب بالاخرى ، واذا بضربة من مؤخرة سلاح امريكي m-14 على ما اعتقد رنحته فاسقطته ارضاً جاعلة ندبة ع فكه سيتذكرها بقية حياته ، جر من اخمس قدمه اتجاه باحة القرية والاتربة تداعب جسده و وجهه تاركٍ احدى عينيه مفتوحة قليلاً ليرى بقية اهل القرية وهم مضرجين بالدماء والمنازل بداء لهيب النار ياكلها ، و عصبة من اشباه رجال متشحين السواد عيونهم الحمراء تغطيها عدسات نظارة ( كارتير ) الفاخرة وشرائط تلف ادمغتهم خيل له لوهلة انها مكتوبة بالعبرية !! ولكن بعد ان استقر ع الارض اتضح انها مكتوبة بالعربية ( لااله …. ) ، فابتسم ؟!.
بعد فترة طويلة و بوادر الصباح تضرب سماء مظلمة ، وحين لهو العصابة ، بالتلذذ بقتل شباب القرية و اغتصاب نسائها وقيام مجموعة اخرى بسرقة دكاكينها الصغيرة ، التفت تجاه صديقاه الوحيدين ابى طقس و العجوزة سندي ، ابتسمى لبعض ، وجرو انفسهم للهرب خارج البلدة كما حدث في فيلم ( لاجل حفنة دولارات / الكابوي الامريكي كلنت استودد) ، متفكرين فقط بالوصول الى الوادي ومنه نحو المجهول ( الجبل) ، وباقدام عارية واجسام مهشمة العظام جراء الضرب ، و مخيلة مليئة بصور ليلة مرعبة بحق ، يسيرون نحو الجبل ، نفس الجبل الذي كان الشيطان ينتظرهم فيه في كل احتفال يقيموه ، ( زرزيآييل ) طاووس الملائكة الذي تمرد ومنذ بداية الخلق ع ربه فافترش الارض معاش .
صوت سيارة ( الهمر ) واطلاقات النار تقترب منهم وهم يسيرون حفات ع صخور زجاجية الحواف ، والشفاه هدلة وتشققت والقلوب بنبض كطبل اغريقي ، تحاول بلوغ الحناجر ، ولكن بلع الريق ما يمنعها الهرب من اجسادهم المتعفنة بشمس مرتفعات ( سنجار ) ، و تستمر رحلة طريق الحرية نحو الطاووس بكل وحشة و عدوانية من حياة بخسة ، حاملين معهم ما تبقى من قراهم و احلامهم ، يسيرون ليلا كما النهار البأس لا ترحمهم آلة الحرب ، بين جبالا شاهقة وسماء وليلا سمائه حمراء ، صدى القرى المحترقة ، و هواء يهب بين الحين والحين عليهم ناقل اخبار الجثث الملقاة برائحة الشعر الاشقر الطويل الذي مازال يعطر الجو بذكرى سفالة هؤلاء الشرذمة من الحياة .
اخرجت سندي اخر سيجارة بغداد من جيبها المشقق ، بعد ان استراحو قيلا ع حافة الجبل و بعد المسير الطويل ، لتبحث عن قدحة ، او شعلة نار في ليل اسود وجبل يعج بالوحوش البرية التي رحمتهم او اشفقت عليهم حتى ، بعد ان انتزع الرحمة منهم اخيهم الانسان نفسه ، ولكن بلا جدوى ، فكان ابى طقس يحاول تقليد ابائه بضرب حجارتين مع بعض من الحجارة الجيرية للجبل ، ولكنه لم ينجح فيداه ترتجف كثيرا والدمع من عينيه قد رطب الحجر ، فامسكوا بايدي بعض ( خفي و ابى طقس ، و سندي ) وبداؤ بشم سيجارة بغداد ورائحة التبغ التي انعشت بالهم ، حتى استيقضت الرجولة بامراءة في مجلس النواب لتعلن دموعها حملة انقاذ لهم .