19 ديسمبر، 2024 2:00 ص

بلا شك تُركت معالجة الأمور متأخرة من قبل المرجعية خاصة في مجالات تعطيل دور مجلس النواب التشريعي وحرمان العراق من بيئاته السليمة السياسية والأمنية والتنموية في جميع المجالات وعدم تشريع قوانين المجلس الاتحادي والمحكمة الاتحادية وقانون النفط والغاز وعدم تشكيل مجلس الخدمة العامة وعدم امرار مشروع قانون البنى التحتية  وعدم اقرار ميزانية عام 2014 لتكبيل يد الحكومة عموماً ولعرقلة التسليح عن طريق روسيا الإتحادية خصوصاً من أجل إفشال التحالف الوطني وخاصة إئتلاف دولة القانون في الإنتخابات أو إنضاج حالة إنهيار لتمكين داعش من دخول العراق حتى البصرة لإحداث تغيير ديموغرافي في العراق بالقتل والإبادة والتهجير الى خارج العراق وجعل الشيعة أقلية لإنتزاع النفط منهم. وقد نجحت داعش جزئياً في الموصل ومواقع أخرى.

وكان وراء ذلك الأمريكيون الذين دفعوا حلفائهم الطغمويين(1) والحزب الديمقراطي الكردستاني كل لمصلحته الخاصة به. أخطرها الدوافع الأمريكية التي يمكن حصرها بمعارضتهم لما يلي: عدم منحهم قواعد ومواقع عسكرية، عدم الأخذ بصيغة “المشاركة في الإنتاج النفطي” والأخذ بصيغة “عقود خدمة وجولات التراخيص الشفافة”، عدم إفتعال حرب ضد ايران لضرب منشآتها النووية، عدم المشاركة في تدمير سوريا والجيش العربي السوري وعدم المساهمة في تصفية القضية الفلسطينية وعدم الانجرار وراء مفسدي الجامعة العربية بل معارضتهم.

أستغربت جداً أن إنضمَّ الى ذلك الرهط المخرب الخطر كل من التيار الصدري والمجلس الأعلى دون رادع من المرجعية الرشيدة.

 بلغ الحال بالمرجعية  مرحلة الأخذ بأحد الخيارين التاليين إن لم يكن الآن فبعد أن يبدأ العمل الفعلي بتشكيل الوزارة وطرح الشروط والمطاليب:

–         أما التمسك بالدستور ويعني هذا مواجهة الضغوط الأمريكية وأهمها حجب التسليح وفرض عزلة سياسية إستثمارية غربية  محتملة ولو بضآلة ما يستدعي الإستعانة بروسيا للتسلح وتدريب قواتنا المسلحة والأمنية وهو خيار جيد ومضمون بتقديري؛

–        وأما تجاوز الدستور على أمل أن تساعدنا امريكا في التسلح والقضاء على داعش وهو بصراحة، وكما اظهرت التجربة الفعلية المرة والغدر الفاضح، أملٌ غير مضمون وإن تم فمقابل ثمن باهض يشمل النفط والقواعد العسكرية والإستقلال والسيادة واحتمال تفتيت العراق أو بالأقل إضعافه والغاء دوره العربي الاسلامي العالمي وذلك باللعب على النعرات الطائفية والإثنية ودفع المكونات إلى تشكيل ثلاثة جيوش أي ثلاث دويلات عراقية حقيقية تحت إسم عراق واحد وهمي وظيفته شفط أموال من الوسط والجنوب الغني بالنفط ومنعه حتى من تشكيل “دويلة شيعية قوية”؛ وهذا هو مشروع إسرائيلي مرفوض. وسيرجمنا بحجارة العمالة نفسُ عملاء امريكا وبتشجيع منها للخبطة الأمور وخلط الأوراق وإضعاف الحكومة مضاعفاً لمزيد من الإبتزاز والتنازلات.

أعتقد أن الدكتور العبادي سيصطدم بنفس العقبات التي اصطدم بها الرئيس الشجاع نوري المالكي. فهناك إصرار طغموي مستمر على إسترداد السلطة الطغموية بطرق غير دستورية ولو أن سالكي هذا الطريق قد تضائل عديدهم ولكن من تبقى منهم أصبح أكثر موتورية بعد ما إعتبر نفسه قد حقق إنتصاراً كبيراً بتنحية الرئيس المالكي عن غير وجه حق؛ وهناك من يصر على جني مكاسب ليست من إستحقاقه القانوني مستقوياً بطرف أجنبي أو أكثر “مقتدر” ويريد إضعاف العراق ووأد ديمقراطيته. عندئذ سيحتاج العبادي بشدة دعم المرجعية وهذا بدوره يتطلب حشد الجماهير وقناعتها ووحدتها فهو السلاح الوحيد الذي بين أيدي أنصار الديمقراطية الوطنية والوحيد الذي إستطاع من قبل ويستطيع اليوم الوقوف بوجه أمريكا وجميع التحديات. قد يبلغ الأمر حد إعتذار الدكتور العبادي عن تشكيل الوزارة لصالح الرئيس نوري المالكي إذا ما بلغت مفاوضات تشكيل الحكومة طريقاً مسدوداً.

 وهنا أقتطع الفقرة التالية مما جاء في مقالي المعنون “عاجل عاجل … إلى أطرف الحالف الوطني”(2) لتلقي الضوء على ما أتوقعه أن يقف وراء موقف المرجعية الأخير:

[[إن موقف المرجعية الذي ضحى بالإستحقاق الإنتخابي الدستوري أراد وضع المتحججين وحماتهم الخارجيين، وعلى رأسهم الرئيس أوباما والسناتور الجمهوري وصقر شركات النفط جون ماكين، على المحك: فإما الإمتثال للدستور والديمقراطية لنصدقكم وإلا فأنتم تريدون التخريب الشامل تحت غطاء “لا يمكننا التفاهم مع المالكي”. الآن تنازل الرجل بشرف فما هي حجتكم؟ تكلموا بشرف أيضاً. إنبذوا الإصرار على إسترداد الحكم الطغموي الفاشي بغير الطريق الدستوري وصناديق الإقتراع، وإنبذوا التعامل مع إخوتكم العراقيين بموجب صيغة “أحكمك أو أقتلك أو أخرب البلد”. ]]

 ولا شك عندي أن المرجعية ستقف إلى جانب حماية الدستور والديمقراطية وصيانة الإستقلال والسيادة الوطنيتين مهما كلف الأمر. 

عليه أرى أن يُحصر النقاش بشأن موقف المرجعية من الأحداث الأخيرة وترشيح الدكتور حيدر العبادي لرئاسة الوزارة – يُحصر بأضيق نطاق وعدم السماح بتمزيق الصفوف الديمقراطية علماً أن الآلة الدعائية الامريكية قد تحركت بهذا الإتجاه منذ سنين وازداد نشاطها في الاونة الأخيرة وازداد نشاط عملائها وكان دخول داعش إلى الموصل إحدى ثمارها.

ولخطورة الموضوع أعود واٌقتبس مقتطفاً آخر من مقالي آنف الذكر لأنهي به هذه السطور وللتأكيد على ضرورة الإنتباه وتفويت الفرصة على الذين يراهنون على إقتتال الأشقاء وتمزيق صفوفهم راجياً التنبه إلى أن الدولة العظمى التي دبرت موجة الترحيب بالدكتور العبادي (وهو يستحقها) كان الكيد والتأليب على رأس قائمة أهدافه، وأتمنى أن يثبت هذا الدعم والتأييد مصداقيته فيستمر للأسابيع القادمة حيث ستتكشف النوايا السيئة في مفاوضات تشكيل الحكومة:

[[على جميع اطراف التحالف الوطني الإقتداء بالعبر التي وردت في الخطاب الرائع الذي القاه الرئيس المالكي يوم 14/8/2014 والذي أظهر في عمقه أنه رضي بالتنازل إحتراماً لوحدة الصف وللمرجعية الرشيدة  التي لا ينفع الديمقراطيةَ بشيء الجدالُ حول موقفها الآن فالوقت ليس وقت عتاب (ولنا ملاحظات في هذا الصدد) بل وقت توحيد صفوف التحالف الوطني لمواصلة السير في تنفيذ جوهر سياسة بناء الدولة الديمقراطية وتحقيق التنمية في جميع المجالات ومكافحة الإرهاب ودحر محاولات إفشال الديمقراطية؛ وبالأخص مواجهة الهجمة والمخطط الأمريكي الطغموي الداعشي الرامي إلى إثارة إقتتال شيعي – شيعي على مستوى الشارع لتمكين أداتهم المجرمة داعش من التسلل تحت جناحه لإستكمال المخطط الأصلي الكامن وراء هجومها على الفلوجة والموصل وتكريت وديالى بالإندفاع نحو مدن الوسط والجنوب للقيام بحملة إبادة شاملة وتهجير واسع إلى خارج العراق وتوطين أجانب من جنسيات الإرهابيين المقاتلين في سوريا والموصل وغيرهما وذلك من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في العراق من شأنه أن ينتزع 81% من نفطه، العراق، من أيدي الأغلبية الشيعية وتقديمه لقمة سائغة  لشركات النفط الإحتكارية عبر صيغة “المشاركة في الإنتاج” ونقض الصيغة المأخوذ بها من قبل حكومة الرئيس المالكي وهي صيغة “عقود خدمة عبر جولات التراخيص الشفافة” والفرق بين ربحي الصيغتين يقارب ال (25) ضعفاً.

أعتقد أنه أضحى من الواجب أن تتوقف التعليقات الجارحة والتهجمات الصادرة من أنصار أطراف التحالف الوطني نحو بعضهم البعض لأنها تضر ولا تنفع؛ والتركيز على دفع قيادات تلك الأطراف للتعاون والتلاحم والإنسجام فيما بينها وتجميد الخلافات وتأجيل الإمتعاض والعتب والمضي بروح وعقلية مسؤولة عالية إلى صياغة رؤى ستراتيجية موحدة للتحالف في المجالات الداخلية والعربية والإسلامية والعالمية….]]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181

(2): المقال منشور على الرابط التالي:

http://www.qanon302.net/in-focus/2014/08/16/28975

أحدث المقالات

أحدث المقالات