أطلقتْ الحكومةُ العراقيةُ في السابعِ والعشرينَ منْ أيارَ عامَ 2023 مؤتمرا بعنوانٍ (طريقُ التنميةِ العراقي) في بغداد، بمشاركةِ عشرِ دولٍ هي: المملكةُ العربيةُ السعودية، والإماراتُ العربيةُ المتحدة، وقطر، والكويت، وسلطنةُ عمان، وسوريا، والأردن، وإيران، وتركيا، إضافةٌ إلى ممثلينَ عنْ البنكِ الدوليِ والاتحادِ الأوروبيِ، يكمن الهدفَ منْ المشروع، في إنشاءِ شبكةِ نقلٍ عابرةٍ للحدودِ تربطُ بينَ دولِ منطقةِ الخليجِ وتركيا.أن هذا المشروعُ ليسَ جديدا، على العراق، فقدْ نفذتهُ الحكومةُ الألمانيةُ عامَ 1903 ، عندما بدأتْ إنشاءَ سكةِ حديدِ برلين- بغداد، وأسستْ شركةُ سكةِ حديدِ بغدادَ بتمويلٍ منْ البنوكِ الألمانيةِ، وبالتعاونِ معَ الدولةِ العثمانية، ولمْ يكتملْ المشروعُ بسببِ اندلاعِ الحربِ العالميةِ الأولى عامَ 1914، ولكنَ جزءا منهُ تمَ استكمالهُ لاحقا منْ قبلِ البريطانيينَ في العراقِ،ليشهدَ العالمُ ولادةَ ” قطارِ الشرقِ السريعِ ” في الخامس عشر من تموزَ 1940.
يعدّ المشروعُ منْ أهمِ المشاريعِ الاستراتيجيةِ في تاريخِ العراقِ الحديث، لما يحملهُ منْ تحولٍ نوعيٍ في بنيةِ الاقتصادِ الوطني، إذْ يسعى إلى تنويعِ مصادرِ الدخلِ وتقليلِ الاعتمادِ على النفطِ كموردٍ أساسي، منْ خلالِ تحويلِ العراقِ إلى مركزٍ لوجستيٍ عالميٍ يربطُ الشرقُ بالغربِ عبرِ شبكةٍ متكاملةٍ منْ الطرقِ السريعةِ وخطوطِ السككِ الحديديةِ والمواني الحديثةِ ، كما يتوقعُ أنْ يسهمَ افي تحفيزِ حركةِ الاستثمارِ الأجنبيِ، وخلقِ فرصِ عملٍ واسعةٍ للعراقيين، إلى جانبِ تنشيطِ قطاعِ النقلِ والتجارةِ والصناعةِ والخدمات. أما على الصعيدِ السياسي، فإنَ طريقَ التنميةِ يمثلُ جسرا للتعاونِ الإقليميِ بينَ العراقِ ودولِ الجوار، بما يعززُ مكانةَ العراقِ الجيوسياسيةِ ويمنحهُ دورا محوريا في استقرارِ المنطقةِ وتحقيقِ التكاملِ الاقتصاديِ الإقليمي.
إنَ نجاحَ المشروعِ مرتبطٍ بقدرةِ العراقِ على بلورةِ رؤيةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واضحةٍ ومتكاملة، تتناغمَ فيها السياساتُ الخارجيةُ معَ التوجهاتِ الاقتصاديةِ الكبرى للدولةِ وهذا ما يتطلبُ توفيرَ الأدواتِ المؤسسيةِ والإداريةِ القادرةِ على مواكبةِ التحدياتِ الإقليميةِ والدوليةِ المتغيرة، إلى جانبِ تعزيزِ التنسيقِ الدبلوماسيِ منْ أجلِ تقريبِ وجهاتِ النظرِ بينَ الدولِ المعنيةِ بالمشروع، ولا سيما تركيا ودولُ الخليجِ العربي، معَ السعيِ لضمِ دولةِ الكويتِ للمشاركةِ في تمويلِ هذا المشروع. إنَ أهمَ ما ينبغي التركيزُ عليهِ في هذهِ المرحلةِ ، هوَ تحسينُ صورةِ العراقِ الجديد على الصعيدينِ الإقليميِ والدولي، بوصفها خطوةً أساسيةً نحوَ استعادةِ الثقة، وجذبَ رؤوسِ الأموالِ،والاستثماراتِ الكبرى التي تعدْ حجرَ الأساسِ لنجاحِ المشروعِ.
قالَ تعالى: في كتابهِ الكريم: (لإيلافِ قريش، أسلافهمْ رحلةَ الشتاءِ والصيف) صدقَ اللهُ العظيم. لقدْ جسدتْ هذهِ الآياتِ الكريمةِ أولَ ملامحِ التنميةِ والتجارةِ المنظمةِ في التاريخِ العربي، واليوم، وبعدُ قرونِ منْ الزمان، يسعى العراقَ إلى استعادةِ هذا البعدِ الحضاريِ والتاريخيِ منْ خلالِ مشروعِ طريقِ التنميةِ العراقي، الذي يربطُ جنوبَ البلادِ بشمالها، ويمتدَ ليصلَ الخليجُ العربيُ بتركيا وأوروبا، ليكونَ قناةً بريةً حديثةً للتبادلِ التجاريِ والحضاريِ بينَ الشرقِ والغرب.