عاملان وحيدان صنعا الزلزال الأخير الذي أعاد قطر إلى حجمها، وأفاقها على واقعها الحقيقي الذي حاولت أن تنساه أو تتناساه، فلم تستطع.
الأول صغرُ حجمها، وقلة شعبها، وعاهتها الجغرافية التي ولدت معها والمتمثلة في أن الله جعلها نتوءً ملتصقا بالسعودية، لا تملك طريقا بريا وبحريا وجويا إلا عن طريق الدولة التي تسبب لها شعورها بالنقص والضآلة.
والثاني الانقلابُ الذي قام به الأبن، الشيخ حمد، على أبيه الشيخ خليفة، ورفضُ حكومات الخليج وشعوبها لمبدأ الانقلاب، أساسا، وسلوكُها الأخوي القبلي الأُسَري مع الوالد المطرود، وبرودُ علاقتها مع الولد العاق، حتى بعد تسليمها بالأمر الواقع القَطري الجديد، على مضض.
هذان العاملان خَلقا في نفس الشيخ حمد العميقة غيرةً وحسدا وكراهية لا للسعودية وحدها بل لأية دولة تقيم معها علاقات تعاون وتفاهم وتراحم، وأولُها وأهمُها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبسبب هذا الواقع الجيوسياسي والاقتصادي لم يكن أمام قطر، في عهد حاكمها الجديد الشيخ حمد وولي عهده الشيخ تميم، غير واحدٍ من طريقين، إما أن تَرضى، في مجلس التعاون الخليجي، بمقعد الأخ الأصغر المهذب المطيع، أو أن تتمرد، وتخرج عن طورها، وتتكابر على أشقائها، حتى لو اشترت، بكل ما تملك من ثروات، عضلاتٍ غير عضلاتها تساعدها على فرض نفسها قوة فاعلة ومؤثرة ومُهابة ويُحسب لها حساب كبير، في المنطقة.
ويقول الواقع والتاريخ والسياسة والجغرافيا، معا، إن الحكم القطري الجديد حَزم أمره واختار الطريق الصعب، طريقَ المشاكسة والمخالفة والمناكدة والطعن في الظهر، ما استطاع إليه سبيلا.
ومن أجل ذلك دخل في عالم العصابات والتشبيح والتشليح والتجريح، وصار الأبَ الراعي، والممول السخي، والمُسلِح الشجاع لكل فئة أو شلة أو عصابة تتمرد على حكومة دولتها، وتقتل جنودها وضباطها، خصوصا إذا كانت تلك الحكومة تخالف الشيخ حمد، وتدين سلوكه الغادر الذي لا عروبة فيه، ولا إنسانية، ولا عقل، ولا ضمير.
بدأ بمصر، فظن أن (أبناءه) الإخوان المسلمين سيقيمون دولته (القطرية) الكبرى على ضفاف النيل. وبأبوته لجماعة الإخوان المسلمين المصرية جاءت علاقته الحميمة مع تركيا أردوغان التي تحلم بحكم (الجماعة) التي تدين لها بالولاء.
ثم التفت إلى إيران، وتحالف معها، أيضا، وهذه من مفارقات السياسة العجيبة.
ولتركيا وإيران أضاف إسرائيل المتفاهمة مع مصر محمد مرسي ومحمد بديع. واحتضن حماس والنصرة والقاعدة التي تحاربها إسرائيل. إنها خلطة غريبة عجيبة لا يستطيع لمَّها غير الشياطين.
ثم عمَّدها بقاعدة العديد القطرية التي صرح أكثر من مرة بأنها عصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها على غنم الآخرين.
ويوما بعد يوم، وشيئا فشيئا، راح يغرق ويغرق ويغرق في تجارة السلاح وتهريبه ورعاية من يحمله ويزرع به الخوف والرعب والموت في قلوب معارضيه ومخالفيه أجمعين. وكلُ ما يزعج أشقاءه العرب الكبار، ويقلقهم، ويخيفهم، محببٌ لديه. فحين يرفضون تدخل النظام الإيراني في شؤونهم يخالفهم ولا يقصر في حبه والتغني بعدله ويتفاهم ويتبادل المودة مع وكلائه الحوثيين في اليمن، والمشاكسين في البحرين، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق.
وكلُ جماعاتِ (جهادٍ) تصنفها مصر والسعودية والإمارات والبحرين جماعاتٍ إرهابية تصبح هي الأقربَ إلى قلبه، والأحق بما في جيبه، ولو كره الكارهون.
لكن لم يخطر له على بال، أبدا، أن يصحو ذات يوم على ضربة خاطفة بهذا الحجم، وبهذه القوة والجبروت.
ومهما كانت أسبابها المباشرة التي قصمت ظهره، وخنقته، وصحت فيه المواجع، فإن سجله في عشر سنين هو الذي جعل كيل أشقائه يطفح وينفجر. فما الحل؟ إيران وتركيا والحوثيون وحزب الله يدعون إلى الحوار لإصلاح ذات البين، ولإعادة الزمن إلى وراء. حسنا، ألم يكن حوارٌ بينهم ولم ينقطع، من سنين؟ إذن لا جدوى من حوار جديد. ولا خيار لخروجه من محبسه الخانق هذا سوى أمرين، كلاهما مر.
الأول: أن ينفذ مطالب السعوديين والإماراتيين والبحارنة والمصريين، فعلا وليس قولا فقط:
– وقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية
– دعم جماعة “الإخوان المسلمين” واحتضانهم على الأراضي القطرية
– عاد جميع العناصر المعادية لدول مجلس التعاون الخليجي عن أراضيها
– عدم تجنيس أي مواطن من دول مجلس التعاون الخليجي
– وقف التحريض الإعلامي ضد دول مجلس التعاون الخليجي ومصر
– عدم السماح لرموز دينية في قطر باستخدام منابر المساجد والإعلام القطري للتحريض ضد الدول الخليجية.
والثاني: أن تأخذه العزة بالإثم، فيكابر ويصر على مرافقة الثعابين والتماسيح والنمور والذئاب التي لا تؤتمن، ويواصل التذاكي والتشاطر في الظلام.
وهو، مع الحل الأول يفقد هيبته ويعود صغيرا كما كان.
ومع الثاني يواجه شعبه المختنق، ثم لا يجد مجيرا سوى نظام الولي الفقيه، ولكنه، عندذاك، لن يكون نافعا له كما كان، فسوف يعود إليه، هذه المرة، وهو ورقة محترقة، أو حصان متهالك لا يقوى على الوقوف على قدمين، وكلُ نموره التي كان يتقوى بشرورها قد تعبت، وتكسرت أرجلها، وتساقطت أنيابها، وقُلمت أظافرها، وأصبحت لا تقوى حتى على الاختباء.
خصوصا وأن أمريكا الأوبامية اللئيمة التي كانت تغض الطرف، أو توافق على إعطاء دور المشاغب الشجاع لقطر، قد رحلت، لسوء حظه العاثر، وحلت محلها إدارة غيرُها تميل عقاربُ ساعتها إلى خصوم الشيخ حمد وإلى رافضي ولده تميم.
والسؤال الأهم: هل ستكون عباءة الولي الفقيه أدفأ وأنفع وأرحم عليه من أقربيه الأولى بالمعروف؟؟، فهل من خيبة أكبر من هذه الخيبة، يا جماعة؟؟