بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة ، محاولات من بعض المهتمين بالشأن السياسي ، ومن شخصيات داخل أرقة العملية السياسية ، نعتقد أنها (جادة) هذه المرة، وهي تدعو الى (تغيير النظام السياسي في العراق) ، وتؤكد أن إستمراره على هذه الوتيرة من الفوضى والانفلات وعدم التوافق الوطني ، يشكل (تهديدا) جديا لوجود العراق كبلد وحضارة وامكانات ، إذ انه لم تتبلور معالم (دولة) حتى الآن، وبقيت أغلب تلك المحاولات تسعى بإتجاه تشكيل حكومات متعاقبة، أثبتت فشلها في تكوين نظام سياسي خاص بها، ولم تقترب من شكل الدولة ومتطلباتها ، إن لم تتشكل ممارسات مستهجنة وغريبة عن تفكير العراقيين وقيمهم وهددت مستقبل وجودهم في الصميم.
لقد شجعني على الخوض في مضمار تغيير النظام السياسي في العراق ، محاولات ظهرت من شخصيات شابة ، ولديها قدرات معرفية تدعو للتفاؤل ، ومن داخل العملية السياسية ، وبالتحديد من داخل تيار الحكمة، ومن أبرز الاصوات الشابة التي بدأت تروج لتلك الطروحات عضو قيادي في تيار الحكمة هو الدكتور صلاح العرباوي ، الذي ظهر من على قناة الشرقية قبل يومين ، يوضح طبيعة طروحاته والهدف منها ، بالرغم من أنها تقول أنها تعبر عن وجهات نظر شخصية ، ولا تعبر عن وجهات نظر تيار الحكمة ، لكنه يقود (رؤية للتغيير) بهذا الإتجاه، ومن أبرزها أن النظام السياسي في العراق أكد فشله في التعبير عن طموحات العراقيين ، ولم يعد يستجيب لحاجاتهم وتطلعاتهم ، في أن يجدوا بلدهم وقد تحول من معالم (حكومة) الى (دولة) إذ انه لم يتم تشكيل دولة حتى الآن في العراق، بالرغم من مرور 14 عاما ، أكدت بما لايقبل الشك (ضرورة تغيير) منطلقات العملية السياسية و(إعادة تركيب) مفاهيمها واسلوب بنائها من جديد ، من اجل الوصول الى الهدف المنشود!!
وتنطلق تلك (الرؤية الجديدة) نحو تغيير النظام السياسي في العراق ، والتي تؤكدها أكثر من شخصية سياسية عراقية ، وبالذات من تيار الحكمة ، الذي إمتلك شخصيات شابة وتم تأهيلها بطريقة تدعو للتفاؤل ، بأن أجيالا شابة ومقتدرة ظهرت من داخل تيارات العملية السياسية تدعو لتغيير النظام السياسي ، وفق آليات يتم الاتفاق عليها، بأنه تطور إيجابي يدعو للتفاؤل والأمل ، بأن شباب المستقبل أدركوا مخاطر فشل إقامة دولة منذ 14 عاما، والبلد يسير من سيء الى أسوا، ولا توجد بادرة لخلاص العراق من تلك الفوضى الضاربة في أطنابه ، والتي تهدد كيان البلد وتماسكه الوطني والقيمي والأخلاقي والاجتماعي ، ما يعد محاولات جادة ، تبشر بمستقبل واعد ، إن تم توسيع نطاق تفكيرها الجدلي ، ليشمل قطاعات شبابية واسعة ، وجدت أنها من مصلحتها أن تقود مرحلة التغيير، بعد أن إمتلكت من الخبرات وتسلحت بالمعارف السياسية والفلسفية الناضجة، لتشارك أبناء الشعب العراقي رغبته بالتغيير، وتهيء مستلزمات هذا التغيير المنشود!!
وتنطلق نظرية السيد صلاح العرباوي من أن الديمقراطية التي جاء بها نظام العملية السياسية لم تعد تتوافق ومتطلبات بلد ، وأن أغلب توجات ابناء البلد وطنية وعشائرية ودينية ، وهي تطغي على بقية المفاهيم الآخرى ، كالديمقراطية او الدكتاتورية، في وقت يرفض الشعب كل الانظمة الدكتاتورية التي سيطرت عليه منذ عام 1958 وما قبلها وما تلاه، اذ انه حتى النظام الملكي من وجهة نظره، كان يمارس أساليب تقترب من الدكتاتورية، وجاء النظام الجمهوري ليكمل خطوات الممارسات الدكتاتورية، وكلا الشكلين من النظام السياسي الديمقراطي والدكتاتوري، لم تؤد الى نتيجة إيجابية ، تسهم في تطوير قدرات العراقيين وسعيهم لإقامة (دولة) ، وبقينا نعيش مرحلة (إغتراب سياسي) ، ما يطرج (جدلية) جدية ورغبة واسعة نحو تغيير النظام السياسي الجديد ، بأن يتم تطعيمه بأفكار ناضجة ، تدعو للتماسك المجتمعي والتوحيد بين المكونات العراقية بدل ان تفرق شملها، وتعيد صياغة معادلة الحياة السياسية العراقية ، بما يتلائم ورغبات وامنيات العراقيين في أن يجدوا لهم (خريطة طريق) او (ملاذ آمن) نحو المستقبل المنشود، خارج تسلط الزعامات السياسية الحالية وملحقاتها على مقدراتهم!!
إنني ككاتب وباحث اعلامي ، منذ أكثر من ربع قرن ، لست الان ، بصدد ( تلميع) أي من توجهات القوى السياسية العراقية المشاركة في العملية السياسية أو (الإشادة) بها ، وأرى أنها حتى وان إعترفت بفشلها ، لكنها تبقى مسؤولة أمام الله والتاريخ، لما حل بالعراق من إنتكاسات ومصائب وآلام وحروب وتهجير ونزوح واحتراب طائفي وتقسيم أوصال البلد الى كانتونات طائفية ، لكنني ألمس ظهور توجهات ذات (مقبولية) من شخصيات من تيار الحكمة الوطني ، ومنذ أكثر من سنتين تقريبا، لديها طروحات وتوجهات وطنية عروبية ، تدعو لتقارب العراق مع محيطه العربي ، ولا تحاول الميل كليا نحو ايران ، او إظهار الولاء والانقياد الكلي وراء توجهات طهران، ولديها طروحات غاية في الايجابية في الإنفتاح على الآخر من القوى الوطنية العراقية ، وبخاصة مع القوى من خارج التحالفات الشيعية سواء السنية منها او الكردية ، والمكونات الدينية الأخرى التي تشاركنا العيش المجتمعي، وهي تحاول أن تدعو لتأسيس وبناء شكل من أشكال الدولة، وتعترف أن النظام السياسي العراقي الحالي أظهر انه فشل في تحقيق أهدافه، وهو قاصر عن تلبية متطلبات العراقيين ، بل هو من قادهم نحو التناحر والفرقة والانقسام ، وان الطريق الوطني العراقي العروبي الأصيل ، يبقى الخيار الأمثل للعراقيين، التواقين الى رؤية عراق يحترم تطلعات المحيط العربي وكل دول الجوار والدول الأقليمية والعالم أجمع ، دون أن نسهم بتعريض العراق الى (عزلة خانقة) أضرت بمستقبله ، ولا يليق بمستقبل بلد وسمعته أن تبقى توجهاته (إنعزالية متطرفة) لاتقبل بالآخر او تحاول فرض وجهات نظرها عليه ، وتقوم جماعات بحمل السلاح خارج نطاق الدولة ، وبعضها لايعترف بالحكومات العراقية أصلا، وهم جماعات مسلحة فوق القانون، ولا يزالون يمارسون سلطاتهم حتى هذه الساعة ، دون رقابة ، وليس بمقدور الحكومات ان تروضهم أو أن تفرض القانون عليهم ، ولهذا ظهرت توجهات من داخل القوى الوطنية العراقية ومن داخل اطراف العملية السياسية ، من ترفض هكذا ممارسات ، وتعدها (مستهجنة) ولا تليق بالعراقيين ، وهم في كل حواراتهم من على القنوات الفضائية وفي مؤتمراتهم ، يؤكدون ضرورة إحترام خيارات العراقيين وكرامتهم ولا يجوز التعدي على مكوناتهم أو فرض وجودهم غير المشروع عليهم، واحترام تطلعات الجميع نحو العيش المشترك الآمن والتغيير المنشود ، وهو ما يشكل أو محاولة جدية نحو السير باتجاه إقامة (الدولة) في العراق!!
إن ما يدخل في نفوسنا التفاؤل والأمل ، هو سعي شخصيات شابة من داخل مكونات العملية السياسية ، لأن (تثأر) لبلدها وتحاول (إعادة صياغة مقاربة جديدة) من أجل إعادة تشكيل النظام السياسي في العراق ، الذي تشكل في مرحلة مابعد عام 2003 ، والذي لم يعد يلائم متطلبات العيش المشترك ، ولا رغبات العراقيين وطموحاتهم بأن يبنوا بلدا قويا متماسكا، وبقي النظام السياسي (شكلا غريبا) على الجسد العراقي، لم يعد بمقدوره هضمه او تحمل تبعات ما حل بالعراق من فوضى وفلتان وضياع شكل الدولة ، واحتمال أن تتعرض العملية السياسية الى مخاطر تهدد وجودها الكلي ، إن لم يتم البحث عن (جدليات للتفكير المنطقي الواقعي العملياتي ) بأسرع ما يمكن و قبول (الحوار مع الآخر) ، وتفهم متطلبات الوجود الكلي للعراقيين جميعا ، بلا طوائف او أغلبيات أو أقليات، إن أريد ان نحافظ على بقايا التماسك المجتمعي في العراق، ونؤسس لشكل دولة جديدة بناء على رفض كل معطيات العملية السياسية واعادة صياغة مفاهيمها وأطرها من جديد!!