انه لشيء بديهي و لا يحتاج لاي دليل للتدقيق و التمعن الاكثر من النظر الى ما يظهر على العيان فقط، محاولات الدولتين ايران و السعودية باسم الدين و المذهب ليس الا بسط نفوذ القومية و العرق على المنطقة و محاولاتهما سحب البساط من تحت ارجل الاخرين بعد ان مدت كل منهما ايديها اكثر من السابق، وذلك لخلو المنطقة من حرس او شرطي كما كان ابان الدكتاتورية العراقية و المعادلات التي كانت مرتبطة بالعراق كدولة مركزية في المنطقة و ما كان عليه من الموقع الاستراتيجي سياسيا وعسكريا.
اليوم تغيرت الامور و بدات نتائج يحصل تغطي على المنطقة منذ سقود الدكتاتورية في العراق و بعد الفوضى العارمة نتيجة متغيرات الربيع العربي،ففسح المجال امام هاتين الدولتين كي تلعبا في الساحة متنافستين كما كان حال القطبين العالميين ابان الحرب الباردة على نطاق العالم، و لكن اليوم ما تثيرانه هاتين الدولتين من الامور التي تجعل الصدامات متوقعة في كل لحظة هو تخلف العقلية التي تقود هاتين الدولتين و ما تعتمدان من العقيدة و الايديولوجية و المنهج و الصراعات التي تصل خشونتها الى الاحتكاكات المتعددة تارة بشكل مباشر و تلاسن فض و بكلمات فجة و تارة عن طريق الموالين لهم من القوى و التنطيمات السياسية العسكرية و البلدان التابعة لهما،تصلا الى حد يعتقد الجميع بان لو امتلكتا القنبلة النووية لاستخدمتاها ضد البعض و ضد المناوئين لهما في اية لحظة كانت.
ما تفعلانه غيرمسبوق في تاريخ المنطقة نتيجة الظروف المستجدة التي ليس هناك مثيلا لها يُذكر في تاريخ المنطقة و في العالم ايضا. تنافس بين الدولتين التابعتين بانفسهما، بينما كان هناك تنافس و صراعات بين الدول ذات القوى المتكافئة العالمية المسيطرة التي كانت لها توابع و خاضعين و موالين في كل حدب و صوب.
لقد تمهدت الطريق امام ايران بعد تغيير الاوضاع في افغانستان و العراق و من خلالهما وصلت الى المياه الدول المعتنقة لتلك الارضية التي شحعت في تدخل ايران بشكل مباشر و سريع و بسرعة غير مسبوقة حتى ابان الامبراطورية الفارسية و تسابقها و مواجهتها للامبرطورية الرومانية ومن ثم بعد ذلك القوى الغربية التي فضلت التوغل شرقا لما هو المعروف نتيجة جشعها او اكتشافاتها و ما استفادت منها و هي موجودة في الشرق دون الغرب، او فيما بعد اكتشاف النفط و استغلاله لدى الاستعمار و التضليلات التي خدعوا بها المنطقة باسم المساعدة و من ثم محاولة نهب كافة الثروات التي دفعتهم الى سلك الطرق التي ادت الى التطورات التي يشهدونها اضافة الى ما كانوا يمتلكون من الوصول الى العقلية المتناسبة للتقدم في حياة الناس لديهم و فضلهم على الجميع فيما بعد.
تحول كلتا البلدين امريكا و روسيا ( الاتحاد السوفيتي) من ترسيخ نفوذهما في الدول التابعة لهما من اجل بقاء سطوتهما الى متى ما بقت مصلحتهما على ذلك، واليوم تفعل التابعتين لهما ايران و السعودية ذلك، و لكنهما في الواقع عدا منافستهما للبعض فلهما طموحات في استغلال الدول التييبسطون نفوذهم فيها ايضا سواء سياسيا كانت ام دينيا او اقتصاديا. فايران بدات بالهلال الخصب من العراق الى سوريا ولبنان و من ثم اليمن و محاولتها الكبيرة لامتدادها نحو افريقيا في المرحلة اللاحقة دون ان تكون لها منافس باسم المذهب الذي تتخذه عكازة و مطرقة في سحق البلدان التي تصلهاو تجبرها على التبعية. و لكن منافسها السعودية ليست بحالها فانها امام منافسة تركيا و قطر المتحالفتين في اكثر النواحي مما يدعو هذا الى اعتقاد البعض بان السعودية هي في حال ضعيفة مما يمكن مقارنتها بايران، و عليه يمكن ان تزيد مطرقة ايران في سحق المنطقة باندفاعها في سندان السعودية في ساحتها او القريبة منها.
ما يهمني هنا هو وضع المنطقة و مستقبلها في ظل بقاء هذه الضغوطات و الايدي العلنية التي باتت تسيطر على مصير اكثر البلدان في المنطقة. فان ايران لا يمكن ان تنكمش و ان اختنقت تحت طائل الحصار الاقتصادي، فان طموحاتها امبراطورية فارسية بهلوية اسلامية مذهبية و لها تنظيمات موالية في المنطقة عدا الدول و كانها دولة داخل الدولة في العراق ولبنان و اليمن، اما السعودية التي تعتبر المنطقة مملكتها بعد الفتوحات التي اكلت الخضر و اليابس تاريخيا ابان الغزوات و افرزاتها و موروثاتها، فانها اصبحت فيما بعدبلد البترول التي تعمتد الان على امكانياتها المالية الاقتصادية القوية على بسط نفوذها سياسيا لحد الساعة في الدول الاقتصاد الهش بتوفر الهبات المالية لكل من يكون مواليا او قوة تتمكن من الاستناد عليها في تنفيذ خططها و استراتيجيتها المستقبلية و من يمكن ان يضع حدا امام طموحات ايران الاكبرو الاقوى منها.
ان ما يتبقى هو الدول الاخرى سواء كانت صغيرة او كبيرة ومن تراجعت قوتها لغباء قيادتها و مغامراتهم و ما دفعتهم نرجسيتهم و طموحاتهم الى الشر على بلدهم. فما كان الامر هكذا لو كان العراق على حاله او السورية كما كانت ابان مرحلة منافستها لتركيا و العراق، فما كانت المنطقة تحت رحمة هاتين الدولتين المسيطرتين الان و بدعم قوى عالمية كانت في صراع دائم حتى الامس واليوم مصالحهما تفرض توكيل ما يهمهما الى وكلائهما ايران والسعودية و بكلفتهما هما دون اي يصرف القوى العالمية ما صرفتاه ابان الحرب الباردة، و المتضرر هو المنطقة و هي التي تُسحق و تُطحن بين مطرقة القوى الكبرى المتمثلة بافعال الموالين لهم ايران و السعودية و منافستها تركيا.