22 ديسمبر، 2024 8:41 م

طبول الحرب لن تقرع

طبول الحرب لن تقرع

تَعلمُ حكومة الولايات المتحدة وقادة حلف الناتو وسلطات كييف، ما تعنيه الحرب ضد روسيا الاتحادية. إنها الحرب، التي تتطلب منهم التفكير بعواقبها، واستيعاب دروس سابقاتها، قبل التلويح بها والتهديد بقرع طبولها. وعسى ان يتذكروا حقيقة أن جيوش الإتحاد السوفيتي، التي شكل الروس عمودها الفقري، لم تتوقف عند حدود الأراضي السوفيتية المُحررة في الحرب العالمية الثانية، بل استمرت في تحرير أراضي بعض الدول الأوربية حتى وصلت الى برلين. وقد يُعين القادة السياسيين والعسكريين في أمريكا وحلفائها وأتباعها، على فهم أن روسيا الاتحادية، لن تتوانى ولن تدخر جهدا في الدفاع عن مصالحها وسيادتها الجغرافية والسياسية والاقتصادية مهما كلف الأمر، وهو ما يُحتم وقف الاستفزازات العبثية، والتراجع عن أوهام نجاح الضغوط السياسية والإقتصادية، وهستيريا التهديد والوعيد ضدها، كالتي يطلقها المسؤولون في واشنطن والناتو.
فقد أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لم يعط روسيا “الضوء الأخضر” لشن “غزو محدود” لأوكرانيا. وجاء هذا التصريح بعد قولٍ سابق لبايدن “إن “غزوا محدودا لأوكرانيا من قبل روسيا” قد يؤدي إلى رد فعل أقل شدة من قبل الناتو، وهو ما أثار حفيظة كييف، ودفع ببايدن الى تغيير لهجته في تصريح آخر أعلن فيه “إن أي دخول للعسكريين الروس إلى الأراضي الأوكرانية سيُعتبر غزوا، تدفع روسيا ثمنه باهظا، اذا قرر الرئيس بوتين، مهاجمة أوكرانيا”.

ولعل ما يثير السخرية في هذه التصريحات، هي الغطرسة الأمريكية المعتادة، والمُبالغة بدور حكومتها ورئيسها في التأثيرعلى قرارات دولة عظمى كروسيا، بتأكيدها على “عدم إعطاء الضوء الأخضر لروسيا”، وكأن الرئيس بوتين ينتظر أخذ الإذن من بايدن عند اتخاذ قراراته.
إن جرائم الحصارعلى الشعب العراقي لمدة ثلاثة عشرعام، وغزو العراق، رغم الإعتراضات الدولية ، وإعتراف كبار القادة الأمريكيين لاحقا، بخطأ الاقدام عليه تحت حجج وذرائع واهية، تدعو الى مطالبة أمريكا بدفع أثمان باهضة مقابل جرائمها، التي ارتكبتها ضد دول وشعوب ليبيا وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وأفغانسان والصومال، وفرضها الحصار على كوبا وكوريا الشمالية وايران وفنزويلا قبل تهديد روسيا بدفع الثمن الباهظ .

أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، فقد أعلن بأنه لن يسلم نظيره الروسي سيرغي لافروف عند اجتماعهما بجنيف أي وثائق تتضمن ردا خطيا من واشنطن على مبادرة موسكو للضمانات الأمنية في أوروبا، وأن بعض المقترحات، كوقف تمدد حلف الناتو، “محكوم عليها بالفشل” .
إن رفض أمريكا تقديم رد خطي على الضمانات الأمنية، يعني صرف الأنظارعن المطالب الروسية غير التعجيزية (عدم توسع الناتو والاقتراب من حدودها)، وتحويلها بعد الحُكم عليها بالفشل الى مادة للكذب الإعلامي المدفوع، والتضليل الخليق برؤساء وحكومات الولايات المتحدة منذ تأسيسها .

للصبر حدود على الحدود
تشير آخر المعلومات الواردة الى استمرار أمريكا وبريطانيا في توريد الأسلحة المتطورة الى اوكرانيا، وتقديم الدعم المالي والعسكري للطغمة الحاكمة في كييف، التي تحاول طمس الحقائق، وإخفاء المعلومات عن مواطنيها بخصوص وجود المختبرات البحثية الأمريكية، ووجود قاعدة عسكرية سرية، أوشك الأمريكان على الانتهاء من بنائها في منطقة أوجاكوفا- Ochakovo . وفي مقابل ذلك كله، أعلنت روسيا مرارا، عن عدم وجود أي نية لديها لغزو أوكرانيا، وأنها لا تسعى الى التصعيد مع جارتها، رامية بلومها على الطرف الأوكراني في مواصلة الكذب والتلفيق، والاستقواء بأمريكا وحلف الناتو، لتحقيق حلم استعادة القرم، الذي قد يتحول الى كابوس يؤرق بال مَن يفكر به، أو بتجاوز حدوده مع روسيا الاتحادية.

إن خلاصة ما يجري حاليا من توترعلى الحدود الروسية الاوكرانية يشير الى أحد احتمالين :
أولهما، مواصلة التصعيد، وصولا الى ارتكاب الحماقة، كالتي تسببت باشعال فتيل الحرب العالمية الإولى (1914- 1918) وأودت بحياة أكثر من تسعة ملايين عسكري وسبعة ملايين مدني، أو القيام بالتهور، الذي قاد الى الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، وأدى إلى وقوع أكثر من 70 مليون قتيل، أغلبهم من المدنيين .
ثانيهما ، الإحتكام الى لغة العقل بالكف عن مواصلة الاستفزازات، وحشد القوات، واستعراض العضلات، واجراء المناورات. وهذا لن يحصل دون تمسك روسيا بموقفٍ ثابت يمنع استمرار التجاوزات، ويضمن حصولها على الضمانات، الكفيلة بوقف سيل التحرشات.
ولا يخفى على أحد، ما يعنيه خطأ الحسابات، من جانب الناتو والولايات، ولذا يشير منطق التوقعات، الى احتمال تحسن العلاقات، والعودة الى لغة التفاهمات، والأهم من كل هذا وذاك، أن طبول الحرب لن تقرع ..