23 ديسمبر، 2024 3:15 م

طبقوا الإصلاحات دون فلسفة وتصريحات

طبقوا الإصلاحات دون فلسفة وتصريحات

بعد التظاهرات التي خرجت من أغلب محافظات العراق ونداء المرجعية العليا للضرب بيد من حديد على الفاسدين في كل مكان وبأي لون , بدأت الأصوات تتعالى لمساندة توجهات المتظاهرين وتأييد حملة الإصلاحات , وامتلأت القنوات الفضائية الشريفة والمأجورة بتصريحات وحملات مؤيدة للقضاء على الفساد والفاسدين وإعطاء الحقوق المسلوبة للشعب , وهذه الأمور مفرحة بحق ويحق التفاخر بها لأنها تظهر بان الجميع ضد الفساد , ووسط هذه الدعوات التي يطلقها القادة الحاليون والسابقون والسياسيون البارزون وغير البارزين وشخصيات مختلفة الاتجاهات وأسماء لامعة ملأت مناخ العراق خلال هذه السنين , يحق لكل مظلوم ومتضرر ماديا أو معنويا من أحداث السنوات الماضية أن يسال إذا كنتم بهذه الصفات والمواصفات والحماسة في القضاء على الفساد فما الذي أبقاكم ساكتين كل هذه السنوات ؟ , وإذا كان هذا الإجماع ضد الفساد موجودا فمن هو الفاسد إذن ؟ وهل يعقل أن تتغير النوايا بين ليلة وضحاها لتتحول إلى ألوان زاهية بعد أن عرفت بعضها بقباحتها اوعدم انسجامها مع أذواق عموم الشعب .

وإذا كان الهدف من التصريحات المؤيدة لحزمة الإصلاحات التي ربما سوف لا تتوقف عند حد معين هي الإعلان عن التوبة بحياء , فان التوبة ليست ممنوعة وإنما يجب أن تقترن بثلاثة شروط أولها الاعتراف بالخطأ أو الذنب وثانيها إرجاع أموال الشعب وثالثها الخضوع إلى القضاء العادل , وفي توبة من هذا النوع يسمح بأن تكون الأحكام العقابية مخففة عدا الإهدار بالدم العراقي , لان الهدف ليس الانتقام وإنما إحقاق الحق وإعادة المال المنهوب والمهدر بطريقة قصدية أو بسبب نقص الكفاءة فهناك من تورطوا أو وقعوا تحت الإغراء , فالانتفاضة التي يشهدها بلدنا اليوم تتميز بانضباطها وأهدافها السلمية لذا فإنها تحظى باحترام الجميع , فالشعارات لم تخرج عن الحد المسموح به والغرض ليس إسقاط العملية السياسية وإنما تصحيح انحرافاتها وإعادتها إلى الطريق الصحيح , ورغم الادعاءات بأنها توجه من قبل جهات معينة فان ما يظهر للعيان هو عفويتها وإنها لم تجير لحد الآن لأية مصلحة غير مصلحة الشعب , لا سيما المظلومين من الفقراء والعاطلين عن العمل وذوي الدخول المحدودة والمحرومين من الخدمات وممن يعانون كبر السن واليتم والأرملة وغيرها من المظلوميات , فالكهرباء لم تكن الغاية النهائية ولكنها الشرارة التي كسرت حاجز التردد في الوقوف الجمعي بوجه الظلم .

ولكي نحافظ جميعا على شرعية وأغراض هذه الاحتجاجات بشكلها السلمي ونستثمرها لخدمة بلدنا العزيز وأهله الطيبين , لا بد من سرعة انجاز مطالبها وعدم التسويف بها , فقد عقد مجلس الوزراء جلسته الاستثنائية واصدر حزمة من الإصلاحات للمرحلة الأولى , كما أعلن رئيس مجلس النواب بعد تشاوره مع الكتل عن تأييده للإصلاحات , وفي الوقت نفسه تظهر أصوات تزايد على المطروح فالبعض يبحث عن دستوريتها أو يقول إن هناك حاجة للمزيد أو أنها كانت خارج المشاورات , وللحقيقة نقول إن ما تم طرحه من إصلاحات هذه الأيام قد يرضي المطالبين والمرجعية العليا التي تقف إلى جانب الحق كمرحلة أولى للإصلاح , لذا فمن الأفضل المضي قدما بهذه الحزمة كجرعة منشطة تتبعها خطوات أخرى , أهمها وضع الشخص المناسب في المكان المناسب , وحسب ما يتم تداوله في الأوساط النظيفة فانه يمكن الاستعانة بالتكنوقراط لغرض الاضطلاع بمختلف المسؤوليات , وإن من أكثر الفوائد التي يمكن جنيها من الانطلاق في التطبيق دون فلسفة وتصريحات , هو قطع الطريق على من يحاول اختراق الاحتجاجات من الفاسدين والمتضررين والحاضنات وغيرها من المسميات , دون أن يغفل أحدا إن هذه التظاهرات ربما تخرج الكبت الذي عانى منه العراقيون خلال أربعة عقود من الظلم والحروب والحصار والفشل وليس حصيلة 12 عاما فحسب .