هي القاسم المشترك لأمهاتنا العراقيات النجيبات الطيبات الكريمات المؤمنات الصابرات المضحيات بفلذات الأكباد وماء العيون وشغاف القلوب .. زادهن الصبر على قضاء الله وامتحانه جل وعلى ، واقصى طموحهن الستر والكفاء والعافية ، وسلاحهن الوحيد ( الهلهولة ) ، يستخدمنها في افراحهن واحزانهن على حد سواء ، ويرفعن فيها الصوت حتى عندما يثكلن بأحد أبنائهن ، رغم ان البعض من هن قد سبق وان فقدن غيره ، ليثبتن للآخرين ان صدورهن لم ترضع ابنا إلا بحليب مطعّم بحب العراق ، كريمات في زرع الوطنية ، اثقلت موازينهن التضحية والرضى والصبر والأيثار بالنفس ، شامخات كنخلات العراق الباسقات ، لا ينحنين أمام مصائب الدنيا .. تالله ما أحلى طول امهاتنا ، وما اطيب ريحهن وما أجمل الدكّات الخضر على كفوف اياديهن النظيفات الحنينات الناعمات كالحرير على خدودنا ، رغم خشونة تحفها من جراء المطاولة وضيم العوز .
وقد رافقتهن تلك الطاسة القريبة من القلب رغبة او اضطرارا ، لكي يطلبن من خلالها كرم العزيز الجبار باعادة ابنا او زوجا او ابنة سالمين غانمين بعد خروج واجب او اضطراري في ظروف دموية عصيبة عانين منها الأمرين منذ ( عقود ) ولم يزلن .. ولو تكلمت تلك الطاسة ونطقت بما نطقن به ، لملأت انهرا وبحورا بحروف وكلمات الدعوات المباركات بالسلامة وبالرجاء وبالآيات .. ولو شرب احدنا رشفة من مياه طاسة أمه لوجدها لا تقل نقاء وحلاوة وبركة عن ماء زمزم .
هي اقرب الى قلبهن في التشبث بأمل رجوع الأحباب ، والأقل كلفة .. بسبب عسر الحال وضيق اليد وكثر المتطلبات .. وعندما يتيسرن في انفراجة بسيطة لا تذكر ، يسارعن بدعم تلك الطاسة بخبزات محشوّات ببعض من خضرة ليوزعنها على الأحباب تقربا من الله باسم العباس وبركة اصله ومنبعه .. وكم هي كبيرة ثقتهن العالية ببركات وشارات أئمة العراق وايمانهن بفرج الله اليوم او غدا او حتى بعد قرن .
قد نستدرك ونجاري اختلاط الأفكار في عقولنا ونسأل .. هل هؤلاء الذين افسدوا وسرقوا ولعبوا بالمليارات وقتلوا وتولوا امرنا في غفلة من التاريخ في هذا الزمن الأغبر وهذه الأيام السوداء ، رضعوا نفس الحليب الذي رضعناه ؟ .. أو ربتهم امهات هن مثل امهاتنا ؟ .. وهل سمعوا اصوات تراتيل ( طشـّات ) الماي التي تسكب خلفهم من طاسات امهاتهم مثلما سمعناها ؟.
في حديث جمعني مع صديق عزيز حول أحلى هدية اقدمها للحاجة الوالدة وخصوصا ان عيد الأم له ايام او سويعات قليلة ويطل علينا ، وخصوصا وان امهاتنا قد عانين من مصيبة مشتركة هي فقدان الأبن أو أكثر .. لكنه حوّل الحديث وبقصد الى الجنة والنار بعد ان طلب مني نسيان موضوع الهدية .. وقد حفزني وزاد من حماسي عندما قال لي انه سيريني شكل اهل الجنة بعد ان توصل اليه نتيجة بحث وتمحيص وادلة قاطعة .. وأنا كلي اصغاء وترقب .. دخل الى المطبخ وخرج وهو يحضن أمه وقال .. ان كنت تريد ان ترى سمات وصفات وجمال اهل الجنة وتشم ريحهم .. فانظر الى وجه أقرب أم شهيد عراقية .