18 ديسمبر، 2024 8:08 م

طائفيون عابرون للطائفية!!

طائفيون عابرون للطائفية!!

يبدو من الوهلة الاولى للقارئ الكريم، ان هناك تناقضا في عنوان هذا الموضوع، أقول له نعم فكل شيئ في العراق (الجديد) هو متناقض، فتناقضات الامور في عراق ما بعد سقوط الدكتاتورية، اصبحت سمة من سمات القائمين المتنفذين على العملية السياسية، فالعراق ينفرد عن سائر دول العالم بجوانب عديدة، فعلى سبيل المثال، درجة الحرارة في العراق اعلى من كافة الدول حتى الاستوائية منها، الرواتب التي يتقاضاها نواب (الشعب) والرؤساء والوزراء في العراق، اضعاف ما يتقاضاها أي مسؤول في العالم، وسرقة المال العام وشرعنته اصبح سمة ينفرد بها المسؤولون العراقيون عن اقرانهم في دول العالم، فلو اردنا ان نعدد تفرد بلدنا العراق عن كل اقطار الدنيا، فلا يتسع لتدوينه عشرات الصفحات.
كتبت هذه المقدمة كي اوضح سمة جديدة أخرى ينفرد بها العراق. فلا يخفى على أحد ان القائمين على ادراة وتسيير شؤون البلد هم من، (عباد الله الاتقياء الانقياء)! ففي كل دورة انتخابية يأتون للناخبين بشعار جديد، تارة أن الرقم الذي خرجت في القرعة التي اجرتها المفوضية العليا (المستقلة جدا) للانتخابات، هو رقم لآية من القرآن الكريم، وفي دورة ثانية وثالثة يأتون للناخب، بشعارات الدفاع عن الدين والمذهب، الذين هم أول من أساء اليهما.
عندما بدأت الغمامة تزول من أعين الكثيرين من ابناء الشعب، وبانت زيف شعاراتهم عبر ممارساتهم السيئة والمسيئة لكل القيم، على ارض الواقع، وحينما بدأ موعد انتخابات مجالس المحافظات على الابواب، ثم تليها الانتخابات النيابية، وشعورا منهم بالخوف والوجل من انتفاضة الجماهير العراقية التي انطلقت منذ أكثر من عام التي  أقضت مضاجعهم، راحوا يبحثون عن طرق مبتكرة أخرى، حيث أنهم اصبحوا اساتذة في المكر والخداع، أخذوا يطرحون هذه المرة، مشاريع  يضحك لها الطفل الصغير قبل الشخص الكبير، وهذه المشاريع تنطلق من نفس الكتل الموغلة في الطائفية التي جرَت على العراق الويلات والدمار والخراب، ذلك بفقدان ألأمن وسقوط الاف الضحايا من ابناء الشعب، غير المحصنين، لكن لم نجد أن احدهم فد فقد عزيز له، لأنهم حصنوا انفسهم وعوائلهم، اضافة الى هدر المال العام وسرقة ما تيسر لهم من سرقته على رؤوس الاشهاد، وجعلوا دوائر الدولة حكرا على منتسبيهم، هؤلاء الذين بمعضمهم من الانتهازيين والوصوليين ومن مزوري الشهادات، وحرَموا منها مئات الالاف من اصحاب الشهادات والمهن من غير المحسوبين عليهم.أعود لأقول، انهم هذه المرة خرجوا علينا بمشاريع تحالفات عابرة للطائفية!! جميل جدا هذ (الفيكة) الجديدة من محاولة الالتفاف على مطالب الشعب الرافض للطائفية السياسية والحزبية، ربما سائل يسأل ما الضير من ايجاد كتل عابرة للطائفية؟ الجواب انها كلمة حق يراد منها باطل، فكيف يتسنى لهؤلاء الذين لا برامج عمل حقيقية لهم لبناء الوطن وتخليصه مما وصل اليه من اوضاع يرثى لها، على أيدي هؤلاء؟، عبر الضرب على وتر الطائفية واثارة نعراتها كلما تقترب مواعيد الانتخابات؟ والشيئ الاهم، هو ان أحزابهم وتياراتهم شكلت أساسا على أسس طائفية، كيف يمكن ان يلتأم شمل هؤلاء وهم بالاساس عبارة عن احزاب مكونات؟ واسماؤهم تدل على حقيقتهم؟ كانوا طيلة هذه الاعوام التي تولوا فيها قيادة البلد، متخاصمين فيما بينهم يكيل البعض للاخر شتى التهم وحتى الشتائم، كل منهم من منطلق طائفي بحت، لم يكن الخصام او لنقل الاختلاف على من يقدم الافضل للشعب المنكوب. واذا حصل ما يريدون القيام به فعلا أقول جازما انه مشروع سيفشل ان رأى النور في اول يوم من ظهور نتائج الانتخابات، ثم يعودون كرة اخرى للتخاصم على مبدأ حصة كل مكون يدوعون تمثيله من الكابينة الوزارية، ثم يعودون الى اصولهم الحقيقية، وهذه المحاولات التي يبذلونها ما هي الا دليل فشل مشاريعهم السياسية ومحاولة منهم للضحك على الذقون، فسوف لا يضحكون الا على ذقونهم، لأن بوادر الوعي الشعبي بدأت تلوح في أفق العراق، وما محاولاتهم البائسة هذه الا دليل خوفهم من خسران ما بنوه على حساب دماء وأموال الشعب العراقي.
قد يتساءل البعض،  ما هو الحل اذن؟ الجواب هو، ان العراق لايخلو من الاحزاب والتيارت والشخصيات الوطنية والديمقراطية والليبرالية واليسارية العلمانية، التي هي منذ بدايات تكوينها تبنت الافكار المتنورة، وأسست على اساس المواطنة لا على أساس المكونات، وهي تضم مجاميع من الطيف العراقي الجميل بمختلف مسمياته، الا ان فرصة نجاحها كانت ضئيلة في السنوات الماضية،  واسبابها معروفة منها، نتيجة القمع الا محدود الذي تعرضوا له أبان فترات الانظمة الدكتاتورية، وحملة التشويه التي تعرضوا لها على يد الجهات الطائفية والاثنية والرجعية، بعد سقوط الدكتاتورية، وبسبب ضيق اليد لأنهم لم يمدوا أيديهم الى المال العام، حيث افتقروا كثيرا الى وسائل الاعلام المرئية على الخصوص، اذ لا يخفى على أحد ما لدور الاعلام من أهمية في التأثير على الرأي العام، بخلاف أولئك الذين امتلكوا كل تلك الوسائل المؤثرة على الرأي العام، وان الدفع لم يكن من جيوبهم بالطبع، فالكل يعلم عند تولي هؤلاء للسلطة كانت جيوبهم خاوية، لكنهم اكتنزوا الاموال من المال العام ومن عمولات الصفقات المشبوهة والفاسدة، اضافة لتدفق الاموال عليهم من خارج الحدود، ليس لوجه الله وانما لخدمة اجندات من دفع لهم، وهذا ما حدث بالفعل.
الفرصة الان سانحة لتوحيد صفوف التيارات والاحزاب والشخصيات الوطنية والليبرالية واليسارية العلمانية، بعيدا عن الشخصنة وحب الذات والاختلاف على مسميات جزئية ومن أجل المصلحة الوطنية العليا وانقاذ البلاد من هذا البلاء الذي اوقعه فيه، دعاة الطائفية بالامس، ودعاة التحالفات العابرة للطائفية اليوم، انهم يحاولون تغيير جلودهم، الا ان عقولهم يصعب على التغيير.!