23 ديسمبر، 2024 10:39 ص

طائفيتنا نقطة خرابنا

طائفيتنا نقطة خرابنا

الأجمل ما في العراق, جغرافيته وتنوع مكوناته, على تربة تلك الفضيلتين نشاءت اول الحضارات في العالم واتسع عطائها, نزول الأسلام في الجزيرة العربية كان تطوراً ايجابياً في حدودها, تحول شجاع في اصلاح وتهذيب جاهليتها, العراق كان الضحية عندما دخلته تلك الكيانات المسكونة بشهوة الغزو والسلب والسبي والهتك, تحت شعارات ورايات الجهاد والتوسع (الفتح) نقلت اليه جينات بداوتها وجلف طباعها, بوحشية مشرعنة فصلت عن العراق راسه الحضاري وتركته كيان متهالك مغيب فاقد الماهية والهوية, تفترس احشائه اسباب الفرقة والتمزق والضعف والأنهيارات, وتركته عبر تاريخ مؤلم كما هو عليه الآن والى امد غير منظور .
انقطع العراق عن مجراه الحضاري, واصبح اسلامياً يقاتل نفسه خسارة, فيه الأديان تبغض الأديان والمذاهب تلغي المذاهب والطوائف تكره الطوائف والقوميات تجتث القوميات وفيه الله اكبر تقاتل الله اكبر, واكتملت الفتنة فيه كذبة تاريخية تأكله وتتآكل من داخله, انه العراق المتأسلم بكل ما يعنيه الخراب من كلمة, والدواعش من صميم روحه .
نلعن خارجنا اسباباً لخرابنا, حكومة كذبة التحرير احتلت الصدارة في مشروع التقسيم مدججة بالتصريح والموعظة والأفتاء وافتعال التواجد في الجبهات احياناً, ثم التقرد على مقاعد وثيرة تركها لها النظام البعثي, وفي افضل الحالات, ادوات استكربها المشروع الأمريكي, توافقوا على ذبح العقل العراقي بسكين طائفيتهم وتعويق الوعي والأحساس بالمسؤولية ازاء المشروع الوطني في التوحد والسيادة وآدمية الأنسان, على مسرح المشروع الطائفي للخراب الشامل, يؤدي هجين الطانفيين ادواره ببراعة فائقة, انشطر العراق وتشظت اجزاء مجتمعه وحفرت فيه الأحقاد والثأرات خلجان العزل الطائفي العرقي, فأصبح التقسيم والأقتسام واقعاً اصيلاً مؤجل الأعلان عنه, فالمشروع الأمريكي له حكمته وتوقيتاته .
على جوانب الطرق وضواحي المدن العراقية نجد الآلاف من اكواخ الصفيح (الچينكو), على سقوفها ملايين الأعلام والرايات السوداء, اشارة الى انها زرائب وخرائب شيعية, لا يهم ساكنيها المعاناة التي تغلف حياتهم, ما يهمهم انهم لا زالوا (خدام) المراجع العظام وبأنتظار توجيهاتهم حتى ولو في تدمير الذات, اوشفاعاتهم عن منكر لم يرتكبوه, هكذا هم بعد ان جُففت ضمائرهم من بلل القيم والأعراف والتقاليد الوطنية, انهم واحدة من مكرمات التجهيل في بكائية تاريخية لا متسع فيها لمراجعة النفس من داخل مراكز مكافحة الأمية, فالجهل هو القيد الذي تمسكهم به مراجعهم .
المحافظات الغربية (السنية) نزح وهجر الملايين من اهلها, دواعشهم تاكل من لحمهم وبالأكراه تزق في وعيهم المضطرب خرافات الخلافة الأسلامية واصبحوا شهود زور على دمار حاضرهم وضياع مستقبل اجيالهم, شعارهم الخانق (الدمار الدواعشي ولا التهميش الشيعي), تجاهلوا ان الطائفية بوجهي عملتها هي وحدها مأزقهم ونقطة خرابهم مثلما هي مأزق وخراب الآخر, وان الوطنية العراقية وحدها بلسم لجراح التطرف وطغيان الأكثريات .
صدام حسين كان جلاداً وطاغية ارعن, استأثر بالسلطة والمال واستبد بمصائر الناس ومقدرات الوطن, انه صنيعة مرحلة سوداء, واسقاطه كان ضرورياً لا ندم عليه, ما يحدث الآن في مرحلة الأسلام السياسي, يجب الا نكابر ازاءه لنضيف الى وجه طائفيتنا الوان اسمائنا والقابنا وتزوير هوية شوارع وساحات مدننا, كما هي تصريحات مسؤولينا, ثرثرة تجترها طائفية وسائل اعلامنا, هكذا نحن, اصبحنا بيئة مثالية لأسباب تأخرنا وتخلفنا, مجتمع فقد خياراته لأعادة فصال هيكليته الثقافية والفكرية والمعرفية والسياسية والأجتماعية على مقاس الحاضر والمستقبل  .
انسلخنا عن ذاتنا وغادرنا انفسنا, لا معنى لنا ولا حاجة بعد ان اكملنا وأد العراقة التي تركها لنا اجدادنا, لا نشبه العراق بشيء ولا نليق به, خذلناه بعد ان خذلنا انفسنا ـــ اصنام تعبد اصنام ـــ كل ما تبقى فينا وترسخ, طائفية صقلتها تواريخ الفتن, نوايانا خلفياتنا سلوكنا وزيف مظاهرنا تطرحه وسائل اعلامنا ماركات في مزادات الوقيعة الرسمية والتوافق الكيدي .
الكتابة عن الواقع العراقي , امر في غاية الصعوبة والتعقيد, انه معتم بتفصيلات الفوضى والغموض, الشارع مرتبك والحقيقة مغيبة, فمن يحاول عليه ان يعوم في حراك المجمع حتى عمق الأشياء, فهناك معاناة مرعبة يمكن ترجمتها من داخل صمت الناس, من هناك تستطيع الكلمة والمقالة والبحث ان يخترق غلاف التجهيل والأستغفال, الكاتب الوطني الرصين, يمكنه ان يسلك الطريق الذي ينتهي به الى عمق الواقع العراقي ليكتشف وينقل تفصيلات اصالته, داعش مثلاً, لم تكن مجرد مجموعة كيانات ارهابية تسللت عبر الحدود, انها صناعة وحاجة امريكية اسرائيلة اقليمية وعبوراً على ظهر التوافق والتحاصص المحلي, الجميع سعوا الى انعاشها وترسيخ ايديولوجيتها ثم فرضها واقع دموي  .
الدواعش ظاهرة متحركة على الجغرافية العراقية, طائفيتها العمياء تنشط من داخل الأسرة والحزب والمذهب الذي ينتمي اليه الفرد, تعبر عن ماهيتها عبر العقائد والمعتقدات والأيديولوجيات التي تخلفت عن الحياة السوية واصبحت مستنقعات ملح لم تجد فيها محيطات القرن الواحد والعشرين سكينة لها .
نسمع في الجنوب والوسط ابواقاً (شيعية), وفي المناطق الغربية ابواقاً ( سنية) وفي مدن الشمال ابواقاً (كردية), اما على الصعيد الوطني, فلا نسمع غير طبولها المثقوبة.