18 أبريل، 2024 4:50 م
Search
Close this search box.

طائفية مذكرات الباجه جي

Facebook
Twitter
LinkedIn

( عدنان الباجه جي ) – السياسي السني المخضرم الذي عمل في كل العهود الحكومية خلال قرنين وعضو مجلس الحكم السابق الذي جاء به الأمريكان – في مذكراته التي تنشرها شبكة ( روداوو ) الكردية أظهر ( السياسيين الشيعة ) الذين رافقوه في العملية السياسية على انهم انصاف شياطين , وانهم كانوا متوحشين اذلاء امام الغرب وامام ( صدام ) . كما ادعى ان النخب الشيعية منذ بدء الدولة العراقية كانوا طائفيين , وبسبب طائفيتهم لم يحظ ( عبد الرحمن النقيب ) بمنصب ملك العراق , لانهم كانوا يكرهونه بسبب نسبه الذي ينتهي الى ( عبد القادر الجيلاني ) .

فيما حاول ( الباجه جي ) اظهار ( السياسيين السنة ) منذ بدء الدولة العراقية على انهم حكماء وطنيون , يضحون بسفرهم بالطائرة من دولة الى دولة للعمل كسفراء للعراق , ويعيشون قصص الحب بكل إنسانية .

وكذلك جعل صورة ( السياسيين الكرد السنة ) لامعة مشرقة وطنية , وانهم كانوا حريصين على سلامة ووحدة العراق , وانهم كانوا نظاميين اكثر من غيرهم , وسبّاقين لعمل الخير . ولعل هذا ما دفع اهم الشبكات الإعلامية الكردية الممولة لنشر تلك المذكرات .

وبالتأكيد لم يذكر ( الباجه جي ) في مذكراته تلك – فيما قرأت الى الان – السرقات التي قام بها ( العثمانيون الاتراك ) حين كانوا يحكمون العراق بواسطة ( القبائل والامارات الكردية ) وبعض ( العشائر السنية ) على ممتلكات وثروات ( الشيعة ). ولم يشر – فيما هو منشور الى يوم كتابة المقال – الى الاستغلال البريطاني للعثمانيين وحلفائهم السابقين من الاكراد والعرب السنة – من أمثال ( النقيب ) – لتفكيك التحالفات القبلية القديمة التي كانت تحمي وتدافع عن العراق من أمثال تحالف ( بني لام ) وتحالف ( بني كعب ) وتحالف ( المنتفك ) . ولم يعترف بحقيقة ان المقاومة الوحيدة للاحتلال البريطاني للعراق كانت من خلال ( الشيعة ) بقيادة ( السيد الحبوبي ) في 1914م , وبقيادة ( بني مالك ) في 1919م , وبقيادة احد عشر قبيلة شيعية و ( المرجع الشيرازي ) في العام 1920م , وهي الثورة التي بسببها وافقت بريطانيا على انشاء الدولة العراقية الحديثة وسلّمتها للضباط والوجوه السنة – ومن ضمنهم ( مزاحم الباجه جي ) والد ( عدنان ) – الذين خانوا الدولة العثمانية وتخلوا عنها طمعاً في المناصب وميلاً نحو الطرف القوي , كما خان ( عدنان الباجه جي ) الملكية وعمل في الحكومات التي انقلبت عليها رغم انه وعائلته واصهارهم كانوا من اشهر عوائل الحكم الملكي , فيما ظل الشيعة وحدهم يدافعون عن العثمانيين في ( الكوت ) وفي ( النجف ) رغم انهم ذاقوا الامرّين من القوى العثمانية السنية التي كانت تكفّرهم رسمياً وتسرق أراضيهم وتمنحها للإمارات الكردية والقبائل السنية الأعرابية القادمة من صحراء ( نجد ) , وهذه القبائل الأخيرة هي التي تم توطينها في العراق من خلال الحكم الملكي ثم منحها ( عبد الكريم قاسم ) – الذي انقلب على الحكم الملكي وصنع الفوضى العسكرية في العراق – قانون الإصلاح الزراعي الذي سرق معظم الأراضي المملوكة للشيعة بخدعة خسيسة تمهيداً لتوطين تلك القبائل المهاجرة فيها .

فيما تم منح الميزات التجارية لبقايا ( المماليك ) و ( الشركس ) و ( الالبان ) الذين تم اعتبارهم عراقيين بإرادة طائفية , رغم انهم تسببوا بتخريب أربعة قرون من تاريخ العراق وابادة معظم نخبه وقواه . فكان معظم سنة العراق اليوم – ومنهم عائلة الباجه جي – هم تجمعات من بقايا القوى العسكرية العثمانية والقبائل الأعرابية المهاجرة من صحراء ( نجد ) , الذين صار من هاجر منهم الى سوريا جنداً للفرنسيين , ومن هاجر منهم الى العراق حليفاً للبريطانيين , ومن بقي منهم في صحراء ( نجد ) سلفياً يكفّر معظم المسلمين رغم شراكته للبريطانيين .

وصوّر ( الباجه جي ) جرائم الأنظمة الطائفية السنية التي مرت على حكم العراق على انها ” أخطاء ” . وهي الجرائم التي اعتبرها ويعتبرها المجتمع الدولي ( جرائم ضد الإنسانية ) و ( حروب إبادة ) . ولم يشر ( الباجه جي ) الى الأراضي التي استحوذ عليها ( الاكراد السنة ) من خلال ( الفرمانات ) العثمانية لانهم يشاركون في إبادة الشيعة في الجنوب وقمع ثوراتهم الحقوقية . وبالتأكيد هو لن يشير الى المشاركة الفعالة للإمارات الكردية السنية في إبادة ( الآشوريين ) نصرة للعثمانيين وطمعاً في أراضيهم الاصيلة . ولم يذكر ان ( أربيل ) كانت ملاذاً للضباط البريطانيين في بداية القرن الماضي كما هي اليوم ملاذ للأجانب المحتلين وللصهاينة . وان اهل شمال العراق يعيشون الفقر المدقع بسبب ديكتاتورية ( الحكم القبلي العائلي ) في ( أربيل ) و ( السليمانية ) , وان مشكلة العراقيين على الحدود ( البيلاروسية – البولندية ) قضية كردية لا عراقية عامة , لأناس يعانون من اضطهاد الديكتاتورية في أربيل .

وتناسى ان ما يأكله السنة الاكراد والعرب هي ثروات البصرة وجنوب العراق , وهي المدن التي يلحقها الخراب والتلوث , وينعم غيرها بدفء نفطها . فيما كان رد الجميل رعاية أربيل للمتطرفين و ( البعثيين ) وممولي الإرهاب والمحرضين على الفتنة في فنادقها , وحضانة المناطق العربية السنية للدواعش الذين يفجرون أطفال الشيعة في الشوارع . بينما لم يعبأ رجال الشيعة الذين حرروا المناطق السنية لهذه الجرائم الاجتماعية والسياسية وتركوا الأرض بمجرد تحريرها لمن يسكنها , ولو ملكها غيرهم ما تركها كما نعلم ويعلم ( الباجه جي ) .

ومن ثم لا نتوقع ان يشير في مذكراته تلك الى ان ( مسعود بارزاني ) اتى كل الموبقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , من إيواء الإرهابيين , والتعاون مع المحتلين , والتحالف مع الصهاينة , ومد اليد الى ( الاتراك ) الذين جففوا انهار العراق , وتهريب النفط العراقي بواسطتهم , وقمع الشعب الكردي , والاستيلاء على ثروات شمال العراق من خلال الحكم العائلي الصريح , والمشاركة في اثارة الفوضى في دول الجوار التي تعادي ( إسرائيل ) .

الا اننا ندرك ان ما يكتبه أمثال ( عدنان الباجه جي ) جزء من عملية تزوير تاريخ العراق , التي يحذفون فيها اسم ( الشيعة ) ليستولوا على بلادهم وصورتها في العالم , كما حدث في الكتابات والمؤتمرات التي تحدثت عن تحرير ( الإيزيديات ) , وكما جرى تصويره في فيلم ( الموصل ) من انكار دور ( الحشد الشعبي ) الشيعي .

بل هل كان يتذكر ( الباچه چي ) يوماً وصل فيه ( أهل السنة ) في ( العراق ) إلى السلطة والحكم بدون مساعدة قوات الاحتلال الأجنبي ، أو بلا انقلاب عسكري يشرف عليه أجنبي ، أم هل يعرف حاكماً كان منتخباً في العراق قبل 2003م غير ( علي بن ابي طالب ) .

ووصف ( الباچه چي ) لشيعة العراق وأهله يذكّرني بما وصفهم ( معاوية بن ابي سفيان ) حين لم ينزلوا الى مستواه . فقد كان ( الوليد بن جابر بن ظالم الطائي ) ممن وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم ، ثم صحب ( علياً ) عليه السلام وشهد معه ( صفّين ) وكان من رجاله المشهورين . ثم وفد على ( معاوية ) بعد استشهاد ( علي بن ابي طالب ) , وكان ( معاوية ) لا يثبته ، معرفة بعينه ، فدخل عليه في جملة الناس ، فلما انتهى إليه استنسبه ، فانتسب له ،

فقال ( معاوية ) : أنت صاحب ليلة ( الهرير ) ؟

قال : نعم

قال : والله ما تخلو مسامعي من رجزك تلك الليلة ، وقد علا صوتك أصوات الناس ، وأنت تقول: شدّوا فداء لكم أمي وأب * فإنما الامر غدا لمن غلب , هذا ابن عم المصطفى والمنتجب * تنمه للعلياء سادات العرب , ليس بموصوم إذا نص النسب * أول من صلى وصام واقترب
قال: نعم، أنا قائلها

قال : فلماذا قلتها ؟

قال لأنا كنا مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة ، ولا فضيلة تصير إلى التقدمة ، إلا وهي مجموعه له ، كان أول الناس سلما وأكثرهم علما ، وأرجحهم حلما ، فأت الجياد فلا يشق غباره ، يستولي على الأمد فلا يخاف عثاره ، وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره ، وسلك القصد فلا تدرس آثاره . فلما ابتلانا الله تعالى بافتقاده ، وحوّل الامر إلى من يشاء من عباده ، دخلنا في جمله المسلمين , فلم ننزع يدا عن طاعة ، ولم نصدع صفاة جماعة ، على أن لك منا ما ظهر، وقلوبنا بيد الله وهو أملك بها منك ، فاقبل صفونا ، وأعرض عن كدرنا ، ولا تثر كوامن الأحقاد ، فإن النار تقدح بالزناد .

قال معاوية : وإنك لتهددني يا أخا ( طي ) بأوباش العراق أهل النفاق ، ومعدن الشقاق!

فقال: يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق وحبسوك في المضيق ، وذادوك عن سنن الطريق ، حتى لذت منهم بالمصاحف ، ودعوت إليها من صدق بها وكذبت ، وآمن بمنزلها وكفرت ، وعرف من تأويلها ما أنكرت.

فغضب ( معاوية ) وأدار طرفه فيمن حوله , فإذا جلّهم من ( مضر ) , ونفر قليل من ( اليمن ) ، فقال أيها الشقي الخائن ، أنى لأخال أن هذا آخر كلام تفوه به .

وكان ( عفير بن سيف بن ذي يزن ) بباب ( معاوية ) حينئذ , فعرف موقف ( الطائي ) ومراد ( معاوية ) ، فخافه عليه ، فهجم عليهم الدار ، وأقبل على ( اليمانية ) ، فقال : شاهت الوجوه ذلّاً وقلّاً وجدعاً وفلّاً ، كشم الله هذه الانف كشماً مرعبا.

ثم التفت إلى ( معاوية ) فقال: إني والله يا معاوية ما أقول قولي هذا حباً لأهل العراق ، ولا جنوحاً إليهم ، ولكن الحفيظة تذهب الغضب , لقد رأيتك بالأمس خاطبتَ أخا ( ربيعة ) يعنى – ( صعصعة بن صوحان ) وهو أعظم جرماً عندك من هذا ، وأنكأ لقلبك ، وأقدح في صفاتك ، وأجدّ في عداوتك ، وأشدّ انتصارا في حربك ، ثم أثبته وسرّحته ، وأنت الان مجمع على قتل هذا – زعمتَ – استصغاراً لجماعتنا! فإنا لا نمر ولا نحلي , ولعمري لو وكلتك أبناء ( قحطان ) إلى قومك لكان جدّك العاثر ، وذِكرك الداثر , وحدّك المفلول ، وعرشك المثلول ، فأربع على ظلعك ، واطونا على بلالتنا ، ليسهل لك حزننا ، ويتطامن لك شاردنا ، فإنّا لا نرأم بوقع الضيم ، ولا نتلمظ جرع الخسف ، ولا نغمز بغماز الفتن ، ولا نذر على الغضب .

فقال معاوية : الغضب شيطان ، فأربع نفسك أيها الانسان ، فإنّا لم نأت إلى صاحبك مكروها ، ولم نرتكب منه مغضبا ، ولم ننتهك منه محرما ، فدونكه فإنه لم يضق عنه حلمنا ويسع غيره ، فأخذ ( عفير ) بيد ( الوليد ) ، وخرج به إلى منزله , وقال له : والله لتؤوبن بأكثر مما آب به ( مَعدي ) من ( معاوية ) .

وجمع مَن بدمشق من ( اليمانية ) ، وفرض على كل رجل دينارين في عطائه ، فبلغت أربعين ألفاً , فتعجّلها من بيت المال ، ودفعها إلى ( الوليد ) ، وردّه إلى العراق .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب