مقدمة
في دراستي السابقة عن نفاثات الإقلاع والهبوط العمودي (V.T.O.L) ذكرتُ أن صراع التفوّق التكنولوجيّ -وبالأخص في مجالات الطائرات- لم ولن يتوقّف ولا حدود له، فبعد إنبثاق نفاثات الإقلاع والهبوط العمودي دون سرعة الصوت أمسى الطموح نحو الأسرع من الصوت، ولمّا تحقق ذلك نظروا إلى “الشبح” المخفي عن الرادار، وحالما أصبح الخفاء بالمتناول حلموا بمقاتلة تجمع بين ثلاثة خواص مثاليات ((إقلاع وهبوط عمودي+ سرعة تفوق الصوت+ إختفاء عن الرادار))، حتى تحقّق ثلاثتهنّ بتقنية للتحكّم بإتجاه نفث الهواء المندفع من أنبوب نفث (JET PIPE) بتوجيه الهواء المضغوط نحو الأسفل عوض النفث الأفقي المتعارف عليه لدى جميع طرز النفاثات عدا الـ”هاريَر، V-8، ياك-38″، فقفزت إلى الوجود طائرة أقرب ما تكون إلى المثال بتوفير تلكم الصفات الثلاث ممثّلة بالمقاتلة “لايتننك-2 F-35”.
لقد إكتسحت الـ”F-35″ -لكونها من الجيل الخامس وتحمل صفات ((شبح- أسرع من الصوت- ذات إقلاع وهبوط عمودي))- صفحات المجلات والدوريات المختصة بالطيران الحربي بشكل فاق كلّ سابقاتها من الطائرات القتالية، حتى فضّلتُ أن لا أخوض ولو مقالة واحدة عنها خشية أن لا أستطيع إضافة شيء جديد عنها.
ولكن ما أقدم عليه الأمريكيون في قاعدة “هيل” بولاية “يوتا” يوم (الإثنين 19/ت2/ 2018) من عرض عضلات غير مسبوق إستجلب الأنظار هو ما جعلني أقدم على هذه الدراسة، وقتما أطلقوا (30) مقاتلة (لايتننك/2 F-35) بإقلاع عمودي دفعة واحدة خلال (20) ثانية وأعقبوها بـ(60) طائرة من الطراز ذاته بإقلاع لاحق في غضون (40) ثانية… أي بمعنى أن (90) مقاتلة من هذا الطراز أضحت محلّقة بالجو خلال (دقيقة واحدة) فقط، وهذه قدرة نادرة ومستغربة للغاية لا أعتقد حصول مثيله في تأريخ الطيران.
وفي دراستَيَّ الأخيرتَين عن تأريخ طائرات الشبح ثم النفاثات ذات الإقلاع والهبوط العمودي واللتَين أسعدني هذا الموقع الأغر بنشرهما، فقد قطعتُ عهداً للمتابع الكريم بإعداد دراسة مُضافة عن “شبح” ليس أسرع من الصوت وخفيّاً على الرادارات فحسب، بل قادر على الإقلاع والهبوط العموديّين.
وليس مبتغاي الأساس من هذه الدراسات سوى ضبط المعلومات التي ينشرها العديد من مواقع الإنترنت من تلك التي تُربِك المتصفّح لهذه المقاتلة الأعجوبة “لايتننك-2/F-35/Lightning-2” من حيث عدم الإهتمام بضبط صورها ومبالغات أصحاب المقالات مدحاً أو قدحاً، وضآلة ضلوعهم بعلوم الطيران وتأريخه وتعريبهم المخطوء لمصطلحاته وإقترافهم أخطاءً لا تُغتَفَر… لذلك إعتمدتُ على المجلّد الرصين “أحدث الطائرات العسكرية” (MODERN MILITARY AIRCRAFT) لمؤسسة (CHARTWELL) وموسوعة (JANE,S Pocket book) للطائرات، وكُتُب الجيب المتسلسلة بقلم الخبير (WILLIAM GREEN) التي كانت مؤسسة (OBSRERVER) تصدرها سنوياً، وسواها من المراجع الرصينة لإستخراج المواصفات والأبعاد وتواريخ الأحداث.
فما هذه الطائرة الأعجوبة؟ وما الذي أضافته لعالم الطيران؟؟ وما الدول التي إقتنتها؟؟؟
تسلسل أجيال النفاثات
قد يستجلب مصطلح “الجيل الخامس” الذي يتردد ذكره ويتكرّر لدى وسائل الإعلام وأقلام الخبراء وألسنتهم. وقد تصفّحتُ العديد من المصادر والمراجع لإستيضاحه لديّ، ولكني تلمّستُ تداخلاً في تصنيف الأجيال وإرتباكاً في تقسيماتها وتسمياتها وفصل جيل محدد عن الآخر فتشابكت عليّ الأمور وإختلطت، ولربما إستوعبت عنه بعض الشيء الذي أختصره بالآتي ((رغم ضبابية قناعتي بهذا التصنيف)):-
الجيل الأول (1944-1955):- النفاثات البدائية الأدنى من سرعة الصوت والمجهّزة بأسلحة رشاشة تستخدم بإشتباك جوي قريب أو إنقضاض على أهداف إعتماداً على النظر.
الجيل الثاني (1955-1965):- النفاثات الأسرع من الصوت وبتكنولوجيا أحدث ومسلّحة بمقذوفات توجّه بالرادار ضمن مديات بسيطة.
الجيل الثالث (1965-1975):- المتميّز بتكنولوجيا محسنة وسرعة فائقة ومناورة عالية وتعدد الأدوار والقدرات في الطائرة الواحدة.
الجيل الرابع (1975-2000):- المجهّز بألكترونيات معقّدة ومقذوفات ذكية ومتنوّعة بعيدة المدى وأنظمة كومبيوتر وقدرة كبيرة على المناورة مع تكامل الأدوار ضمن الطائرة الواحدة، أضيف إليها تكنولوجيا الإخفاء عن الرادار.
الجيل الخامس (2000- الآن):- المختفي عن الرادار وسرعة فوف صوتية وأنظمة تعطي الطيار صور كاملة لفضاء المعركة مضافاً إليها الإقلاع والهبوط العمودي.
وجاء الشبح “F-35”
من المعروف أن تكنولوجيا إختراق حاجز الصوت كانت متاحة منذ الخمسينيات وكذلك الإقلاع والهبوط العمودي في حقبة الستينيات والإخفاء عن الرادار بأواخر الثمانينيات، فلم يَبقَ أمام الخبراء سوى جمع هذه الخاصيات في جسد واحد تحتويها مقاتلة بمفردها وبمحرك نفاث منفرد.
بحلول عام (2007) وحالما أولج الشبح “رابتور F-22” الأسرع من الصوت شبه المثالية بالخدمة، لم يَبقَ سوى حلم واحد لم يتحقّق بعدُ، ألا وهو الإقلاع بطائرة مقاتلة عمودياً والإنتقال للطيران الأفقي بزخم يتسارع حتى إختراق حاجز الصوت ثم العودة للهبوط عمودياً، فلم يبخل خبراء شركة “لوكهيد- مارتن” في تحقيقه بإيجاد تقنية تتحكّم بإتجاه الهواء المضغوط الخارج من أنبوب النفث (JET PIPE) نحو الأسفل حتى تبلغ (90) درجة عوض النفث الأفقي بزاوية (180) درجة نحو الخلف المتعارَف عليه لدى جميع طرز الطائرات النفاثة –عدا الـ”هاريَر، V-8، ياك-38″– حيث تتشكّل أسفل الطائرة ((وسادة هوائية ذات كثافة عالية وضغط فائق)) فتحوم عليها قبل رفعها إلى الأعلى أسوة بالهليكوبترات، أو يحوم بدن الطائرة فوق تلك الوسادة بسرعة الصفر ويُتَحَكَّم بتخفيف الضغط شيئاً فشيئاً حتى الهبوط على مهل فوق بقعة ما.
لماذا سمّيت بـ”لايتننك-2″؟؟
هناك سؤال يطرح نفسه بتسمية هذه المقاتلة بـ”لايتننك-2 LIGHTNING-2″ –التي تعني “البَرق-2” وتأتي كذلك “الحظ السعيد”- وعدم الإكتفاء بإسم “لايتننك” بمفرده من دون رقم؟؟
وبإعتقادي أن ذلك جرى بسبب وجود مقاتلة بريطانية من الجيل الثاني بالإسم ذاته أنتجتها شركة “إنكلش إلكتريك ENGLISH ELECTRIC” وأُدخِلت الخدمة عام (1959) لدى القوة الجوية البريطانية، في حين أخفقت بشكل غير مسبوق في تأريخ صناعة الطائرات البريطانية التي لم تنتج منها سوى (337) مقاتلة فقط، ولم تَقتَنِ منها -إلاّ لسواد عيون الإنكليز ودعم الإقتصاد البريطاني المتراجع- سوى المملكة العربية السعودية ودولة الكويت بواقع بضع عشرات فحسب لكل منهما، فكانت خسارة كبرى وضعت نهاية محزنة للصناعات البريطانية في مجال الطائرات، بحيث إضطرت هذه الدولة العظمى لإستحصال إمتياز أمريكي لتجميع الـ”فانتوم F-4″ وطائرات النقل “هيركلس/C-130” وهليكوبترات “سي كنك” لديها لتحديث قوتها الجوية، وإصطفت إلى عدد من الدول الآوروبية لإنتاج مشترك لطائرات متنوعة أمثال “جاكوار، تورنادو، يورو فايتر/تايفون”.
ولو كنتُ صاحب قرار في هذا الشأن لـما أطلقتُ تسمية لطائرة قديمة فاشلة على هذه المقاتلة الأحدث، فالأسماء الرنّانة مُتاحة لا حدود لها.
ما أضافته الـ”F-35″؟
لم تُضِف المقاتلة/هجوم أرضي والتي سُمِّيَت “لايتننك-2 F-35 LIGHTNING-2″ مجرّد هوامش عابرة لإمكانات أفضل متطلّبات الطيران الحربي، بل شكّلت ثورة جامعة فاقت معظم ممّا ظلّ عالقاً في الخيال، ولربما سوف لا تضاهيها -في العديد من مواصفاتها الأخّاذة- أية مقاتلة/هجوم أرضي سبقتها ولا ترقى لمستويات إمكاناتها وأدائها لعقود قادمات مع تجاوز سلبيات ومعايب قد تظهر في أدائها إلى جانب إبدال معدات وإلكترونيات بأرقى مما متوفر في طرزها الحالية.
فالـ”F-35” تمتاز بكونها:-
نفاثة ذات محرك واحد يحقق إقتصاداً بالنفقات وصرفيات الوقود، على عكس غالبية المقاتلات/هجوم أرضي الحديثة المزوّدة بمحرّكين.
يقودها طيار واحد عوضاً عن إثنَين لدى معظم المقاتلات الأمريكية الشائعة منذ الخمسينيات.
تفوق سرعة الصوت بمقدار (1,6) ماخ، وقصواها تزيد قليلاً على (2000) كلم/ساعة.
مزوّدة بحارق خلفي (After burner) يضاعف حرق الوقود وكمية الهواء المنفوث ويدفع الطائرة لسرعة فائقة عند الحاجة للّحاق بالخصم أو الإفلات منه.
ذات مدىً بعيد أقصاه (2،222) كلم رواحاً -أي المسافة بين “بغداد- صنعاء”… وبمدىً عملياتي يبلغ (1,092 كلم) -أي بين “بغداد- تل آبيب”- رواحاً وإياباً بكامل الحمولة من الأسلحة والوقود.
مزوّدة بمعدات إعادة التزوّد بالوقود جواً (إرضاع جوي) من طائرة صهريج لمضاعفة المدى أو ساعات التحليق.
تمتاز بقابلية إقلاع وهبوط عمودي ببقعة ذات مساحة محدودة وسط ساحة أو متنزه أو بستان أو حتى بين الأحياء السكنية والمساكن أسوة بالهليكوبترات.
وإذا إبتغى الطيار الإقتصاد بصرفيات الوقود فبإستطاعته الإقلاع أو الهبوط على طريق مبلّط أو مدرج قصير للغاية لا يتجاوز طوله عشرات الأمتار.
تمتلك إمكانات العمل في جميع الأجواء الرديئة وساعات الظلام أسوة بالنهار ووسط الضباب الكثيف والغيوم.
يتحكّم الطيار بسرعتها الأدنى أو يحلّق بسرعة متدنية ولغاية الصفر عند الحاجة ويهبط في أيّ مكان عند الطوارئ، ما يُبعِده عن ضرورات الوصول إلى المطار.
ذات قدرات مثالية للعمل على حاملات الطائرات الكبيرة والصغيرة من دون إستخدام أجهزة الإطلاق والهبوط (المناجيق) المعقّدة ذات الثمن الباهظ، وهذه الخاصية تقلّل من الأحجام الهائلة لحاملات الطائرات الضخمة في المستقبل المنظور.
تعتبر مثالية كذلك للخدمة على سفن الصولة البرمائية (حاملات الهليكوبترات) وحتى أسطح السفن الإعتيادية المتوسطة والصغيرة.
كونها من الطراز المسمّى “الشَبَح” (المُتَسَلِّل-STEALTH)، والذي يستحيل أو يصعب على الرادارات المُتاحة لدى عموم دول العالم كشفَه ومسكَه وتوجيه المقذوفات الأرضية والمقاتلات الإعتراضية نحوه.
مجهّزة بأسلحة لكل الأغراض القتالية ممّا تجعلها مقاتلة إعتراضية وطائرة هجومية على أهداف أرضية وبحرية بذات الوقت.
تشتمل أسلحتها على:-
# مدفع رشاش متعدد السبطانات عيار (25) ملم للإشتباك الجوي القريب ومعالجة الأهداف الأرضية وتجمعات الأشخاص.
# مجاميع من القنابل والمقذوفات الذكية المعلّقة بأوعية داخل البدن لإستهداف مواقع أرضية أو بحرية بواقع (8,615) كغم ومقذوفات جو-جو لإستهداف المقاتلات المعادية والمقذوفات المُطلَقة من الدفاعات الأرضية عن بُعد.
# مشاعل تربك المقذوفات المسيّرة المعادية وتفلقها على مبعدة من الطائرة التي ستَستَهدِف من دون أن تُستَهدَف.
مزوّدة بآلات في غاية الدقة للتصوير الجوي النهاري والليلي ومن إرتفاعات عالية.
تمتلك راداراً ذاتياً مُثبّتاً في أقصى المقدمة يرتبط بمتحسّسات تمكّن الطيار من رصد الأهداف وإستمكانها ومسكها بواقع (360) درجة ولجميع الإتجاهات.
مزوّدة بأرقى معدات للتشويش الألكتروني والتشويش المضاد والتشويش المقابل للمضاد،
مجهّزة بأجهزة ملاحية متطوّرة تعتمد الحواسيب وتسهّل القيادة في جميع الإرتفاعات، وأُخرَيات لتوجيه أسلحتها الذكية وتسييرها ومتابعتها حتى إصابة الهدف.
يمكن ربطها بأقمار صناعية ومنظومات أرضية وطائرات الإنذار المبكّر (A.W.A.C.S) ولمديات غير محدودة.
ذات حجم مناسب، بطول (15,67) متر، وباع (10,67) متر، وإرتفاع (4،57) متراً، ما يسهّل إخفاءَها عن الأنظار وسط بقعة محدودة قطرها بضع عشرات من الأمتار.
منتجو الـ(F-35)
شركة (لوكهيد مارتن- LOCKHEED MARTIN) -المعروفة بتأريخها العريق وباعها الطويل وصيتها الذائع منذ النصف الثاني من الأربعينيات بإنتاج طائرات متطورة ذات مهمات متنوعة- هي من جازفت برصد عشرات المليارات من الدولارات لتحقيق هذه الطفرة الوراثية في تأريخ الطيران الحربي، فخططت ضمن مشروع -يُعَدّ الأضخم في مجالات الأسلحة الثقيلة- لإنتاج هذه المقاتلة وأبدعت في تصميمها الأساس، وصنعت -كالعادة- (أربعة) نماذج عرضتها أمام قادة القوّات الجوية والبحرية وطيران الجيش ومشاة البحرية (مارينز) والدفاع الساحلي الأمريكية وطيّاريهم لإنتقاء ما يفي أغراضهم لإقتناء ما يحقق متطلّباتهم وأغراضهم، وقد عزموا على تزويد أسرابهم المتنوعة بمجموع (2,443) مقاتلة من هذا الطراز الذي سيحلّ محل جميع المقاتلات التي ستُحال على التقاعد في غضون العقود الثلاثة القادمات، ما يُعَدّ أضخم عقد يُبرَم في تأريخ الطيران الحربي بواقع ما يقارب (330) مليار دولار إذا ظلّ سعر الطائرة الواحدة (135) دولار كما حاله بالوقت الراهن.
من شارك في صناعتها؟؟
حسب متابعاتي، فهذه هي المرة الأولى في تأريخ صناعات الطائرات العسكرية الأمريكية تسمح “واشنطن” لإحدى شركاتها أن تدعو دولاً -وإن كانت صديقة- لتمويل مشروع طائرة متطوّرة وإشراك خبرائها وعلمائها بكل مراحل صناعتها، إلى جانب تعهّد حكومي وموافقة الكونكرس الأمريكي بتزويد القوات الجوية لتلك الدول بهذه الطائرة بأسبقية أولى.
والمُعلَن لحد الآن أن كلاّ من “بريطانيا، إيطاليا، هولندا، تركيا، كندا، أوستراليا، دنمارك، نرويج” قد إصطفت تباعاً إلى الجانب الأمريكي منذ عام (1999) حتى بلغ مجموع ما صُرِفَ على المشروع (400) مليار دولار لغاية (2013) قبل أن تُضاف لأجلها عشرات أخرى لغاية (2018) الجاري.
القادة الأمريكييون يتسابقون لإقتنائها
(ثلاث) قيادات من القوات المسلّحة الأمريكية تسابقت لإقتناء هذه المقاتلة بمجموع بلغ (156) مقاتلة موزّعة -كمرحلة شبه فورية- بالأعداد الآتية:-
(67) للقوة الجوية الأمريكية “U.S Air Force” توزع في قواعد جوية أرضية.
(61) لمشاة البحرية “U.S Marines” موزّعة للعمل التجريبي لدى عدد من سفن الصولة البرمائية.
(28) للقوة البحرية “U.S NAVY” وزّعت تجريبياً على عدد من حاملات طائراتها العملاقة.
تسلسل الدول التي إقتنتها
إسرائيل
ليس مستغرباً على الولايات المتحدة الأمريكية -بعد سنتين فقط من زجّ باكورة المُنتَج لخدمة قواتها- أن تهدي لـ”إسرائيل” أواسط عام (2016) -رغم عدم مشاركتها لا بالتمويل ولا في التصنيع- (4) مقاتلات مقابل (540) مليون دولار دفعته منظمات صهيونية نقداً كي تظلّ “إسرائيل” صاحبة القوة النوعية المتفوّقة الأقدر بالشرق الأوسط وعموم المنطقة، في حين ستسارع “واشنطن” لإستكمال (48) مقاتلة متعاقَد عليها بحلول عام (2022).
وقد بلغ مجموع ما أضحت لدى “إسرائيل” (9) طائرات حتى يومنا الراهن، فإستثمرت عدداً منها -للتَيَقّن من فاعليتها الميدانية وتشخيص عيوبها وضرورة تلافيها- بإختراق الأجواء السورية وقصف أهداف في أرضها، فيما أجرت -حسب إدعاءاتها بأفلام فيديو منشورة- إختراقاً عميقاً -في وضح النهار- بطائرتين حلّقتا في أجواء “إيران” وإستطلعتا تصويرياً عدداً من المواقع المحصّنة للغاية والمُدافَع عنها بإحكام، وذلك بعد إجتيازها الأجواء السورية والعراقية عنوة والعودة سالمة خلال ساعتين فحسب دون أن يرصدها رادار أو تقاطعها طائرات أو يستهدفها أي سلاح أرضي.
بريطانيا
وأتي الدور الثالث لصالح “بريطانيا” حيث كانت قيادتا قوّتَيها الجوية والبحرية قد تعاقدتا لشراء ما مجموعه (138) مقاتلة من هذا الطراز، فإستلمتا (4) منها في (حزيران/2018) لينطلق بها طياروها من قاعدة أمريكية إلى “بريطانيا” قاطعين (3,000) ميل (حوالي 5,000 كلم) بعد عمليّتَي إرضاع جوي في سماء المحيط الآطلسي.
تركيـا
رغم مطالبة الكونغرس الأمريكي بتعليق عقد تزويد “تركيا” بهذه المقاتلة جراء تعامل “آنقرة” مع “موسكو” لإقتناء منظومة الدفاع الجوي (S-400)، فقد إصطفّت “تركيا” بُعَيدَ “بريطانيا” في ذات شهر (حزيران/2018) بإستلامها إثنتين فقط، ولكنهما ما زالتا مرابطتَين في قاعدة “لوك” الجوية بولاية “آريزونا” يتدرب عليهما طيارون أتراك ولم تُنقَلا إلى “تركيا”، في حين يُفترض أن تُجهَّز بمقاتلتَين أُخرَيَين خلال شهر (مارت/2019) ليصبح المجموع (4) طائرات من (100) طائرة متعاقَد عليها.
سباق التسلّح بين الكبار
لم تتسرّب معلومات مؤكدة من العُظمَيَين في صناعة الطائرات “روسيا، فرنسا” وكذلك “الصين” عن إقدام هؤلاء المتسابقين على خطوات جدّية في هذا الشأن، رغم أن “روسيا” بعد أن أعادت بعضاً من قُطبيّتها أزاء الولايات المتحدة و”الصين” التي ضاعفت موازناتها المالية للأغراض الدفاعية قد إمتلكتا بضعة أنواع من المقاتلات/هجوم أرضي الأسرع من الصوت ومن طراز “الشبح” من “الجيل الرابع”، ربما ما زالتا في طور التخطيط والتصميم اللذان لم يَرقَيا لمرحلة النموذج الأساس لتعرضاه أمام الأنظار، وهذا لا يعني أن لا يشهد قادم الأيام عرضاً روسياً لطائرة مشابهة للـ”F-35”.
ولكن الذي حقّقته الولايات المتحدة أنها سبقتهما بمراحل بإختراقها طور الإنتاج بواقع العشرات وتعاقدت على تزويد قواتها المسلّحة بالمئات وبيع العشرات لـ(8) دول شاركت في بناء هذه الطائرة، إلى جانب إحتمال إصطفاف العديد من دول العالم لإقتنائها تباعاً في قادم العقود.
كلمة لا بد منها
نتمنى أننا إستطعنا تسليط بعض الضوء على هذه المقاتلة/هجوم أرضي التي ترقى -نظرياً- إلى مصافّ المثال، ولكننا نختمه بأن كل ما ذُكِرَ عنها هي لأغراض إعلاميّة وإعلانية إبتغاء الدعاية وإستعراض القوة ومدى التقدّم التكنولوجي إبتغاء رفع المعنويات للطرف المنتِج والتأثير على معنويات الخصوم، فهذه المقاتلة وسواها إذا لم تُستثمَر في حرب حقيقية ليس بين دولتَين فحسب، بل بين إثنَتَين متكافئتَين في قواتهما الجوية ودفاعاتهما الأرضية وراداراتها وإمكاناتها الألكترونية فإن قدراتها سوف لا تُبَرهَن ولا يُتَقَيَّن من أدائها الميدانيّ مثلما حصل لأسلحة تمتّعت بهَول من الدعايات النظرية ولكنها لم تتحقّق شيئاً يُذكَر وقتما شاركت في مواجهات ومعارك وحروب فقد أخفقت فيها لأسباب شتّى، والأمثلة على ما نطرحه بالعشرات يطول سردها.